المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في الأراضي المقدسة في حوار مع "البوابة":
القضية الفلسطينية هي قضيتنا كمسيحيين كما هي قضية المسلمين وقضية الشعب الفلسطيني كله
هناك تراجع في أعداد المسيحيين في فلسطين
فلسطين هي أرض الميلاد والتجسد والفداء والقيامة
نرفض الفكر الصهيوني الذي لا علاقة له بالمسيحية ويتبني تفسيرات مغلوطة للعهد القديم
حاوره: مايكل عادل
قال المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في الأراضي المقدسة، إننا ونحن سائرون في طريقنا نحو القيامة، سنحتفي بانبلاج النور المقدس من قبر الخلاص، هذا النور الآتي إلينا من السماء لكي يبدد ظلمات هذا العالم.
وأضاف "حنا"، في حوار خاص لجريدة «البوابة»: وبمناسبة قرب الاحتفال بعيد القيامة المجيد والذي يعتبر من أهم الأعياد المسيحية، حدث القيامة هو حدث مركزي في إيماننا ونحن في مدينة القدس نعيش هذا الحدث بشكل دائم ومستمر لأننا نرى أمامنا كنيسة القيامة والقبر المقدس.
وتابع: ومن هنا ومن قلب مدينة القدس مدينة القيامة والنور نبعث برسالة تهنئتنا إلى كل العالم متمنين بأن يكون هذا العيد العظيم والمجيد فاتحة خير على هذا المشرق وعلى الإنسانية كلها، نرفع الدعاء وإياكم من أجل أن تتوقف الحرب.
ومن أجل أن تتوقف لغة الدمار والخراب والموت والقذائف والسلاح فأهلنا في غزة يستحقون أن يعيشوا في سلام مثل باقي شعوب العالم، والفلسطينيون جميعا يستحقون أن يعيشوا بحرية في وطنهم مثل كل إنسان في هذا العالم، الكثيرون في عالمنا يتحدثون عن السلام فكيف يمكن أن يحل السلام مع الحروب والقمع والاستبداد واستهداف الفلسطيني في كل تفاصيل حياته…
مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
* نريد أن نتعرف علي آخر التطورات في الأراضي المقدسة، وماذا عن ترتيبات صلوات الجمعة العظيمة وسبت النور وعيد القيامة؟
** كما تعلمون أن مدينة القدس هي المدينة المقدسة والتي تمت فيها كل الأعمال الخلاصية، المراحل الأخيرة من حياة السيد المسيح له المجد، وعندما ندخل في أسبوع الآلام العظيم المقدس وصولا إلي الجمعة العظيمة وسبت النور وأحد القيامة المجيد، فإن كل هذه المواسم مرتبطة بالقدس.
وخاصة في كنيسة القيامة حيث الجُلجُثة حيث القبر المقدس حيث هناك الكثير من المواقع والمزارات الشريفة المرتبطة بالمحطات الأخيرة من حياة السيد المسيح وصولا إلي ألمه وصلبه وموته ودفنه وقيامته.
حيث تقام الاحتفالات الكبرى في كنيسة القيامة، طبعا كل الكنائس والرعايا يحتفلون ويقيمون الصلوات في أسبوع الآلام، ومن قبلها في فترة الصوم الكبير، حيث يؤم المؤمنون الكنائس ويشاركون في هذه الصلوات وفي هذه الترانيم والتماجيد تسبيحا للرب الإله.
طبعا في كنيسة القيامة الاحتفالات لها طابع ونكهة خاصة لأننا نتحدث عن المكان المرتبط بالقيامة، مكان القيامة القبر المقدس، ولذلك فإن حقيقة المسيحيين المحليون يشاركون وبكثافة في هذه الاحتفالات والصلوات، ناهيك عن الزوار والحجاج القادمون من الخارج، وطبعا في هذا العام وبسبب الحرب لا يوجد هناك حجاج، أو بالأحرى هناك عدد قليل جدا مما تمكنوا من الوصول.
وبالتالي فإن أغلب المشاركين مسيحيون محليون فلسطينيون والمقيمون للاحتفال بهذا العيد المبارك، نسأله تعالي ونحن الحقيقة نستعد للاحتفال بعيد القيامة بأن يتحنن علي هذه الأرض الجريحة وأن يفتقد إنسانها المتألم والمظلوم والمعذب، وأن تتوقف الحرب، هذه الحرب التي أدت إلي الكم الهائل من الدمار والخراب ناهيك عن الدماء والأحزان والدموع والتشريد، نتمني أن تتوقف الحرب، ونطالب بأن تتوقف الحرب.
* ماذا عن القضية الفلسطينية، وما الحل الجذري لما يحدث الآن ليس في الأراضي المقدسة، ولكن في منطقة الشرق الأوسط؟
** القضية الفلسطينية هي قضيتنا كمسيحيين كما هي قضية المسلمين وقضية الشعب الفلسطيني كله، وقضية الأمة العربية كلها، وقضية الأحرار في كل مكان بالعالم، إنها قضيتنا كمسيحيين لأن فلسطين هي أرض الميلاد والتجسد والفداء والقيامة، وعندما يدافع المسيحيون عن فلسطين إنما يدافعون عن أقدس بقعة في هذا العالم، وعن أعرق حضور مسيحي في هذا العالم، مشكلتنا هي غياب العدالة، الكثيرون في هذا العالم يتحدثون عن السلام.
ولكنهم لا يفعلون ما يجب أن يفعلوه من أجل أن تتحقق العدالة، والعدالة في مفهومنا هي أن تتحقق أمنيات وتطلعات الشعب الفلسطيني الذي يستحق أن يعيش بحرية وسلام مثل شعوب العالم، القضية الفلسطينية هي مفتاح السلام في بلادنا ومنطقتنا والعالم.
ولذلك فإننا في عيد القيامة نقول ونطالب الدول الكبري والدول التي لها تأثير في العالم بأن تعمل من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية، من أجل إنهاء الاحتلال لكي ينعم الفلسطينيون بالحرية والكرامة والسلام والأمن مثل شعوب العالم، الفلسطيني هو إنسان مثل كل إنسان في هذا العالم يحق له أن يعيش في وطنه بسلام وحرية واستقرار بعيدا عن الحروب، وآلة الموت والدمار والخراب.
ولكن هناك مطلبا أساسيا في هذه الأوقات هو أن تتوقف الحرب، نحن أمام حرب تدميرية غير مسبوقة نتمني أن تتوقف وتنتهي حقنا للدماء ووقفا للدمار .
* ماذا عن تزايد الحركات المسيحية الصهيونية في الآونة الأخيرة، كما شاهدنا أيضا تزايد أعداد "الحركة المسيانية أو يهود من أجل المسيح"، وكيف يرى نيافة المطران فكرهم وكيف يكون تأثيرهم علي الكنيسة؟
** لا يوجد شىء اسمه مسيحية صهيونية ولا نعترف بهذا المسمي، وهذا ليس موجودا لا في أدبياتنا ولا في قاموسنا المسيحي الكنسي، ولا يوجد عندنا طائفة اسمها مسيحيون صهاينة، هؤلاء هم مجموعة من الصهاينة الذين يتبنون الفكر الصهيوني وغالبيتهم موجودين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أماكن أخري، وهم يطلقون علي أنفسهم المسيحيون الصهاينة.
نحن لا نتبني ولا نقبل بهذا المسمي، أي لو هم يطلقون علي نفسهم مسيحيون صهاينة أنا لست مفروضا ولا مطلوبا مني أن أتبني هذا المسمي وليس مطلوبا مني أن أصف هؤلاء بمسمي لا يمكن أن يقبله المسيحي استنادا إلي قيمه وإيمانه وعقيدته.
كيف يمكن أن يكون المسيحي في نفس الوقت صهيونيا، المسيحية هي ديانة المحبة والرحمة وديانة الالتفات إلي المظلموين والمتألمين في الأرض، أما الحركة الصهيونية فهي حركة عنصرية كانت سببا في كل ما تعرض له شعبنا من نكبات ونكسات.
نحن نرفض هذا الفكر الذي تتبناه هذه الجماعات التى تطلق علي نفسها مسيحية صهيونية، نحن نرفض هذا الفكر الذي لا علاقة له بالمسيحية ويتبني تفسيرات مغلوطة للعهد القديم، هؤلاء يسيسون العهد القديم ويفسرونه بتفسيرات بطريقة تنسجم مع الأهواء الصهيونية والمصالح الصهيونية ولكن نحن نرفض هذا.
وصدرت الكثير من الكتب والمنشورات وعقدت مؤتمرات من أجل توضيح موقف الكنيسة الرافض لما تقوم به هذه المجموعات المسخرة في خدمة المشروع الصهيوني، والتي ليست لها علاقة بالمسيحية.
هؤلاء عندما يأتون إلى فلسطين لا يزورون كنيسة القيامة ولا يزورون كنيسة المهد ولا يزورون الأماكن المقدسة المسيحية يذهبون إلي المستوطنات، ويذهبون إلي المستعمرات ويذهبون إلي الأماكن التي فيها يتم التنكيل بالفلسطينيين لكي يعربوا عن وقوفهم إلي جانب ما تقوم به سلطات الاحتلال، فأي مسيحية يتحدثون والمسيحية تحثنا علي أن يكون انحيازنا للحق والعدالة والانحياز لكل إنسان مظلوم ومتألم.
* ماذا عن أعداد المسيحيين، وكيف يرى نيافة المطران هجرة أعداد منهم لعدد من الدول المجاورة، وكيف يؤثر ذلك علي القضية؟
** هناك تراجع في أعداد المسيحيين في فلسطين منذ عام 48 وعام 67 كان هناك الكثير من الأحداث التي أدت إلي هجرة المسيحيين وتراجع أعدادهم، وللأسف الهجرة ما زالت مستمرة حتي اليوم بسبب انعدام السلام، وبسبب انعدام حل القضية الفلسطينية، والظروف الاقتصادية والمعيشية وعوامل أخري أيضا.
المسيحيون للأسف ما زال نزيف هجرتهم مستمرا، وخاصة في غزة، غزة حقيقة قبل ثلاثين عاما كان بها "30000" ثلاثين ألف مسيحي لم يبق منهم اليوم سوى 800 شخص أي قبل الحرب كانوا 1000 شخص، اليوم أصبحوا 800 شخص وهذا العدد قد يتراجع، أي ربما يتراجع عدد المسيحيين في غزة أيضا أكثر من ذلك بكثير خاصة أن العدوان الأخير هو الأكثر شراسة.
هذه سادس حرب علي غزة إضافة إلي الحصار، كل هذا أدى إلي هجرة الكثيرين من غزة ومنهم أيضا المسيحيون، الهجرة مستمرة من القدس من الضفة الغربية ومن أماكن أخري، وأنا حقيقة أعتبر أن هجرة المسيحيين وتتضاؤل أعدادهم إنما هي خسارة تماما لكل الشعب الفلسطيني وليس فقط للمسيحيين والكنائس المسيحية.
ولذلك فإني أقول للمسيحيين الباقين ابقوا في بلدكم لا تغادروا وطنكم، هذا وطنكم لن تجدوا مكانا أجمل من فلسطين في هذا العالم، نحن في المسيحية نتعلم أن نحب المحبة ويجب أن نضحي في سبيل من نحب، إذا كنا مسيحيين في قلوبنا المحبة مزروعة.
ويجب أن نحب كنيستنا ونحب وطننا، أن نبقي في وطننا رغم الظروف، أنا أتفهم أن هناك أشخاصا غادروا بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي والحياتي ولأسباب أخري، نحن نتفهم هذا ولكن لا نريد للهجرة أن تستمر، ونريد للمسيحيين الذين غادروا أن تبقي فلسطين حاضرة في قلوبهم، هم خرجوا من فلسطين مرغمين.
ولكن فلسطين يجب أن تبقي في قلوبهم وكنيستهم الأم يجب أن تبقي في قلوبهم، وإن شاء الله تتحقق امنيات الشعب الفلسطيني وان تكون هناك دولة فلسطينية ديمقراطية مدنية تخترم كل التعددية الدينية، نتمنى ان يكون حل القضية الفلسطينية حافزا من أجل عودة الشعب الفلسطيني كله وكذلك المسيحيين الذين يتوقون للعودة إلي بلدهم الأم.
* ماذا عن المقدسات وانتهاك البعض منها؟
** للأسف هناك استهداف لمقدساتنا وأوقافنا المسيحية والإسلامية، هناك سياسة إسرائيلية ممنهجة وخاصة في مدينة القدس هدفها تهميش الحضور الفلسطيني وإضعافه.
هناك مؤامرات يتعرض لها المسجد الأقصي وهناك مؤامرات تتعرض لها الأوقاف المسيحية كل الشعب الفلسطيني المستهدف في القدس بكافة مقدساته، ولذلك نحن نتمني من كل المرجعيات الروحية المسيحية والإسلامية في العالم بأن تلتفت للقدس.
القدس هي مدينة إيماننا وحاضنة أهم مقدساتنا، وعلي الجميع أن يؤازر القدس وأن يدافع عن القدس، وأن يدعم صمود المقدسيين الذين هم في الخطوط الأمامية مدافعين عن مدينتهم المقدسة.
* ما هي نتائج زيارة مجلس الكنائس العالمي، وزيارة رئيس أساقفة كانتربري، وقيادات كنسية وعالمية للقضية الفلسطينية؟ وهل هذه الزيارات ستؤثر علي صانعي القرار؟
** نحن نقدر ونثمن حقيقة كل الزيارات التضامنية التي تأتي من الوفود الكنسية، نحن تقريبا وبشكل يومي أو شبه يومي نستقبل الوفود الآتية إلينا من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وأوروبا وغيرها من الأماكن ومن أفريقيا، يأتون إلينا للتضامن مع المسيحيين الفلسطينيين، وللتضامن مع الشعب الفلسطيني كله وللمطالبة بوقف الحرب التي يتعرض لها أهلنا في غزة.
نحن نقدر هذا ونلحظ أن هناك اتساعا في رقعة التعاطف والتضامن مع الشعب الفلسطيني في كل مكان، حقيقة نحن نريد أن تصل رسالتنا لكل مكان، ونريد أن تعرف كل الكنائس وكل المرجعيات الروحية والحقوقية حقيقة المأساة في فلسطين وخاصة في غزة.
يجب أن يكون هناك تحرك من أجل الحرب، تحرك من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية، الفلسطينيون منذ وعد بلفور حتي اليوم وهم يتعرضون للنكبات والنكسات والحروب والتآمر علي مشروعهم الوطني وعلي قضيتهم الفلسطينية.
ونحن نقول إن القضية الفلسطينية هي قضية شعب حي، والدولة الفلسطينية التي نريدها هي دولة ديمقراطية مدنية يعيش فيها كل المواطنين بغض النظر عن انتمائتهم الدينية بحرية وينعمون بالديمقراطية ويعيشون كلهم بالعلاقة الطيبة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
لا نريد تطرفا دينيا ولا كراهية ولا عنصرية، نريد لفلسطين أن تكون دولة نموذجية بديمقراطيتها ومدنيتها، وأن يكون الفلسطينيون فيها جميعا إخوة في انتمائهم لبلدهم وأرضهم المقدسة.
وختاما فإني أود أن أقول لكل الذين يحتفلون بعيد القيامة "أخريستوس انستي المسيح قام حقا قام".