الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفتاوى المستباحة.. والضوابط المتاحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصبحت الفتاوى الشاذة والمريضة التى أفرد لها الإعلام المصرى والعربى مساحات واسعة فى وسائله، حديث رجل الشارع وأثارت بطبيعتها المهتمين والمختصين وعلماء الدين، وأصبح الكل يدلو بدلوه بعلم أحيانًا وبدونه كثيرًا، كما أثارت هذه الفتاوى العديد من التساؤلات حول طبيعة من يتصدى للفتوى ومدى تأهيله، وهل من حق أى إنسان تلقى قدرًا من العلم الشرعى أن يتصدى للفتوى أم أن هناك شروطًا يجب توافرها والتأكد منها لمن يقوم بها؟، أيضًا دور الأزهر الشريف ودار الإفتاء فى التصدى لمثل هذه الفتاوى الغريبة التى تتنافى مع الطبائع البشرية فى بعض منها، كما لا تتسق مع صحيح الدين فى كثير منها، كما أثارت تساؤلًا ملحًا حول ضوابط تعرض وسائل الإعلام للفتوى، خاصة أن الفتوى تظل فى نطاق محدود ضيق إلى أن تتناولها وسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات فتصبح أكثر شيوعًا وانتشارًا. الفتوى لغويًا هى جواب أو تفسير أو بيان أو حكم فى مسألة من المسائل الشرعية، لبيان حكم الشرع فيها، استنادا إلى الأحكام الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. ومن يتصدى للفتوى يجب أن تتوافر فيه شروطًا أساسية أهمها أن تكون لديه القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة، وفهم وتحليل وتفسير الآيات القرآنية، وأن يكون على دراية بعلوم الحديث وعلى معرفة بالقانون الإسلامي، بالإضافة إلى علمه ومعرفته بما سبق من فتاوى عن موضوعات متعددة، هذا فضلًا عن عدم تسرعه بالفتوى، وأن يقول لا أعلم إن كان الأمر غامضًا عليه. الفتاوى تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأفراد خاصة فى الأوساط الشعبية، وقد تتبناها أعداد كبيرة منهم دون تفكير، وتترجم إلى سلوكيات واقعية خاصة أن الأمر لا يتوقف على فتاوى شاذة مريضة على مستوى الحياة اليومية بل يتجاوزها إلى فتاوى شاذة من جماعات ومنظمات متطرفة تدعو للقتل والإرهاب وتقننه.. ارتباط الفتوى بالدين يؤثر بشكل كبير ليس فقط على حياة الأفراد، بل على استقرار المجتمعات بشكل كامل، فقد تؤدى الفتوى إلى الإفساد والتخريب والفوضى، وقد تؤدى الى الاستقرار، وقد تؤدى إلى تعديل السلوك إيجابيًا إذا كانت تتوافق مع صحيح الدين، أو سلبيًا إذا كانت شاذة أو خاطئة، هذا فضلا عن أن الفتاوى الشاذة المريضة تقدم هدية على طبق من ذهب للمتربصين بدين الإسلام ومن يربطون بينه وبين سلوكيات وأفعال يحاربها المجتمع الدولى كالإرهاب. وحسنًا فعلت دار الإفتاء المصرية بتنظيمها المؤتمر العالمى للإفتاء من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بعنوان «دور الفتوى فى استقرار المجتمعات» على مدار ثلاثة أيام ١٧-١٩ أكتوبر حضره ممثلو ٦٣ دولة من العلماء والمفتين والباحثين، وهو ما يعد بادرة عملية للرد على فوضى الفتاوى والبحث عن ضوابط لعملية الفتوي.. وقد خرج هذا المؤتمر بمجموعة من المشروعات المهمة من شأن تنفيذها أن يحد من هذه الفوضى مثل مشروع برامج تدريبية عبر الفضاء الإلكترونى لصقل مهارات من يتصدى للفتوي، وإصدار مجلة إلكترونية باللغة الإنجليزية للإفتاء فى قضايا الجاليات المسلمة حول العالم، وإنشاء منصة إلكترونية للتعليم الإسلامى الصحيح، أيضًا إصدار موسوعة للمفتين حول العالم تقدم نماذج استرشادية للفتوي، وأخيرًا إصدار تقرير حالة الفتوى فى العالم لرصد الفتاوى وتحليلها.
كما أصدر المؤتمر مجموعة من التوصيات المهمة منها: أهمية إعداد من يتصدى للإفتاء إعدادًا علميًا دائمًا ومستمرًا وشاملًا، التأكيد على أن كل فتوى تخرج عن مقاصد الشريعة أو تخالف الأخلاق أو تدعو إلى هدم الأسرة والمجتمعات، هى فتوى شاذة يجب التصدى لها، التأكيد على أن الفتوى الجماعية تعاون علمى راقٍ، وهى أمان من الفتاوى الشاذة، عدم استضافة وسائل الإعلام لغير المختصين بالفتوى، وعدم التعامل مع غير المؤهلين لها، أيضًا إحياء نظام الإجازات العلمية للمفتين، وهو ما يعنى أهمية حصول من يتصدى للفتوى على تصريح أو إجازة لعمله بها. وقد أكدت أمانة المؤتمر أن هذه التوصيات ستتحول إلى واقع فعلى وبرامج عملية قابلة للتطبيق، وهذا ما نتمناه حتى لا تظل مجرد توصيات غير ملزمة. نأمل ألا تظل الفتاوى مستباحة لمن لا علم ولا دراية ولا خبرة له بها كما هى الآن، وأن تكون هذه الضوابط المتاحة للتنفيذ مدخلًا لضبط الفتوى، فالفتاوى إذا ضبطت تساهم فى استقرار وأمن الأفراد والمجتمعات.