أظهرت ثورتي 25 يناير و 30 يونيو بأنهم لم يكونوا ثورات مصرية فقط، ولكن أيضًا ثورات خليجية بامتياز. حيث شهد المجتمع الخليجي (أنظمة ونخبة وتيارات سياسية ومواطنين) نفس حالة الانقسام والصراع السياسي الذى شهده المجتمع المصري بين مؤيد ومعارض ومتخوف على المستقبل. بالإضافة إلى غياب رؤية خليجية موحدة للتعامل مع ثورة 25 يناير وتجلياتها في الداخل المصري والإقليمي العربي.
فعلى الصعيد الرسمي، سارعت الأنظمة الخليجية –ولو ظاهريًا- بإعلان تأييدها لأرادة الشعب المصري ورغبته في التغيير، وفي الوقت ذاته نادت بضرورة الإسراع بتحقيق الاستقرار وإنهاء حالة الفوضى التي عمت البلاد، وتسليمها إلى رئيس مدني منتخب. ولكن سرعان ما حدث انشقاق وانقسام في الموقف الخليجي عندما تولى الدكتور محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين سدة الحكم في مصر. حيث أبدت بعض دول مجلس التعاون الخليجي بترحيبها به، وأكدت على ضرورة مساندته ماليًا ومعنويًا، مثل السعودية وقطر.
وعلى الرغم من ذلك، وقعت الجماعة في خطأ استراتيجي عندما تسرعت وحاولت اختراق الأمن القومي لبعض الدول الخليجية، من خلال تحريك بعض قواعده الموجودة داخل هذه البلدان، وذلك من أجل ممارسة الضغط على هذه الأنظمة لجلب المزيد من المساعدة المادية وغيرها. كما أخذ الرئيس المعزول في شن "حرب كلامية"، وبعض قيادات الجماعة، وهو ما عبر عنه بقوله "بعض الأصابع الخارجية التي تعبث بالأمن المصري.. وأنه يقف إليها بالمرصاد..."، وهو ما أثار حفيظة بعض الدول الخليجية الأخرى مثل الإمارات والسعودية والكويت والبحرين، والتي بدأت تشعر بالخطر الحقيقي على أنظمتها من الجماعة صاحبة المشروع "الأممي" والخلافة الإسلامية، والذي لا يؤمن بالدولة القطرية أو الوطنية.
وعلى العكس تمامًا رأت دولة قطر الشقيقة بأن الفرصة سانحة لها لكي تقود العالم العربي عبر المشروع الإخواني ليس فقط في مصر ولكن أيضًا من خلال ليبيا وتونس، خاصة وأن الأنظمة الجديدة في حالة "عوز" اقتصادي وسياسي، وبحاجة إلى مساندة على المستوى الداخلي والخارجي.
وعلى المستوى الشعبي والحركات السياسية، قامت الكثير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الخليج بمساندة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المتعددة، عبر المساندة المالية، والحشد الانتخابي للتصويت لصالح هذه التيارات السياسية.
وبناء على ما سبق، هناك عدة ملاحظات حول الموقف الخليجي من ثورة 25 يناير والموجة الثانية لها في 30 يونيو، منها: أولا، استمرار الانقسام الخليجي حول الموقف من الثورات المصرية بين مؤيد ومعارض وصامت. ثانيا، صاحب حالة الانقسام غياب الرؤية الواضحة والموحدة لكيفية التحرك والمساندة للثورة المصرية. ثالثا، خلق "حالة عداء" غير مبررة مع الأنظمة الجديدة ففي الوقت الذي ناصبت فيه الإمارات العداء لجماعة الإخوان المسلمين، ناصبت قطر العداء للفريق السيسي والحكومة الانتقالية إلى الحد الذي وصل إلى التهديدات الغير مباشرة لقطع العلاقات الدبلوماسية أو سحب السفراء. رابعا، صاحب العداء السياسي حالة "تعبئة إعلامية وتعبئة مضادة"، وهي أكثر وضوح بين قادة قطر وبين القيادة الحالية. وفي الواقع انجر الإعلام المصري إلى"الفخ" الذي رسمته له جماعة الإخوان حيث صب جام غضبه على القيادة القطرية بشتائم وسبب غير مبررة على الإطلاق للأسرة الحاكمة في قطر، وهو ما وظفته الجماعة لخدمة من خلال المزيد من الدعم المادي والمعنوي لها . خامسًا، استضافت قطر، ولأول مرة في التاريخ العلاقات بين الشعبين، ليس فقط رموز جماعة الإخوان ولكن أيضًا بعض المطلوبين على ذمة قضايا قتل أو التحريض على القتل، مما أدى إلى مزيد من الصراع بين الدولتين. وأخيرًا، فشل المفاوضات الخليجية – الخليجية من تنقية الأجواء السياسية بين الأنظمة القائمة في الدول الخليج والأنظمة الجديدة في مصر.
وفي النهاية، لا يستطيع أحد أن يشك أو يشكك، ولو لبرهة من الزمن، في وحدة المصير الخليجي المصري المشترك، وأن مصر بحاجة إلى الدول الخليجية، كما أن الدول الخليجية بحاجة إلى مصر، وإذ كان لدى دول الخليج الأموال والاستثمارات فإن لمصر لديها الكثير والكثير الذي يمكن أن تؤديه لدول الخليج في المستقبل، كما أعطت في الخارج.