بداية أقرر أن ما أكتبه ليس دفاعا عن أحد أو إدانة لأحد، لكنه قراءة لواقع إعلامى به الكثير من محطات التوقف التى يجب أن نوليها بعضا من الاهتمام حتى تسهم فى الوصول إلى منظومة إعلامية مصرية رائدة كما كانت، تضع صالح الوطن والمواطن هدفا لا تحيد عنه.. كما أقرر أيضا أنه رغم وجود هذه الكلمات على صفحات «البوابة»، إلا أننى أختلف مع الكثير من الأفكار والرؤى التى يتناولها الأستاذ عبدالرحيم على، رئيس مجلس الإدارة، لكنه يظل فى إطار اختلاف الرؤى التى لا تؤدى إلى صدام أو هجوم شخصى! بل تؤدى إلى تعدد وتنوع مطلوب فى حياتنا بشكل عام..
فى مسيرة الإعلام المصرى وبصفة خاصة الصحفى العديد من المعارك الصحفية التى خاضها كتاب صحفيون وأدباء كبار حول قضايا فكرية وثقافية كان يتابعها القارئ بشغف، وأثرت الحياة الثقافية المصرية بتوجهات فكرية مختلفة، كما أصلت للتنوع والتعدد الذى أدى إلى مزيد من الثراء الفكرى والثقافى، وجعل من مصر منبرا فكريا مهما على مستوى الوطن العربى بكامله.. معارك صحفية لا تقرأ فيها كلمة نابية أو تعرض بالإساءة والإهانة للحياة الشخصية أو تجاوز لا أخلاقى من أى من الأطراف.. ومع التعدد والتنوع فى التوجهات الفكرية للصحف امتد الخلاف إلى الحياة السياسية حول أهم قضاياها وأصبح لدينا ما أطلق عليه صحف المعارضة، كل من منظوره يقدم حججه وأسانيده المنطقية التى تدعم ما يكتب، والحكم فى النهاية للقارئ.. بعض التجاوزات البسيطة هنا أو هناك لا تكاد تذكر فى إطار زخم كبير من الرؤى والأفكار المؤيدة والمعارضة لكل ما هو مطروح على الساحة المصرية من قضايا.. ولمزيد من التوضيح لا أتحدث هنا عن تجاوزات أدت إلى الصدام مع السلطة، بل أعنى تجاوزات المجتمع الإعلامى ضد بعضه البعض!
هذه التجاوزات زادت حدتها كثيرا بعد ثورة ٢٥ يناير فى ظل حالة من الارتباك الإعلامى ناتجة من حالة الارتباك العامة التى أصابت المجتمع المصرى فى كافة مجالاته بعد الثورة، فأصبحنا نرى الفوضى الإعلامية فى كامل هيئتها وصورها على الساحة الإعلامية من خلال بعض الصحف والعديد من الفضائيات الخاصة، ولأول مرة نجد هجوما واضحا صريحا من الإعلام الخاص على إعلام الدولة، كما وجدنا غضبا إعلاميا من إعلام الدولة تجاه ما يقدمه الإعلام الخاص، رغم أن طرفى الخلاف يعملان فى منظومة واحدة ويمثلان جناحين لا يمكن الاستغناء عن أحدهما لمنظومة الإعلام المصري.. ثم وجدنا تجاوزا أخلاقيا ومهنيا وبشكل سافر خلال السنوات والشهور القليلة الماضية، إذا ما اختلفت صحيفة أو قناة مع أخرى نجد هجوما لا أخلاقى بديلا لمناقشة الفكر بالفكر، كما زادت حدة المعارك الشخصية على الفضائيات، وهى معارك لا ناقة للمشاهد فيها ولا جمل! شتائم وسباب بين المذيعين والصحفيين بعضهم البعض، وتهديد ووعيد لبعضهم البعض، وتعرض سافر للحياة الشخصية لبعضهم بشكل مهين.. أصبحت الساحة الإعلامية مستباحة ولا وجود لآلية لحساب من يخرج عن المهنية والأخلاقيات.. الإعلام المصرى أصبح للأسف يحارب بعضه بعضا، وبعض إعلامييه تفرغوا لهدم بعضهم البعض لاختلاف قد يكون بسيطا فى بعض الرؤى والأفكار!
والآن ومع اكتمال المنظومة التى تنظم الإعلام المصرى ما الذى تغير؟.. لا شىء تقريبا؟!.. عند الاختلاف أو عند نشر أخبار قد لا تكون صحيحة - وهى أمور يمكن تسويتها وفقا لقواعد العمل المهنية والأخلاقية – نجد هجوما ضاريا على المؤسسة الصحفية وكبار صحفييها أو القناة وكبار إعلامييها، وكأنه لا وجود لهيئة موثوق بها تنظم وتفصل فى مثل هذه الخلافات لصالح منظومة العمل الإعلامى فى مصر..
لدينا المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام ونقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين.. هيئات ونقابات لتنظيم العمل الإعلامى وإدارة شئونه ورعاية مصالح إعلامييه والفصل فى خلافاتهم - التى تكون فى غالبيتها شخصية لا تهم القارئ أو المشاهد فى شىء - ومعاقبة المتجاوزين منهم فى شئون المهنة.. هذه الهيئات والنقابات هى التى يجب اللجوء إليها لتسوية أى خلافات دون اللجوء للهجوم والتجريح والتشهير بوسائل إعلامنا وإعلامييهم من وسائل إعلامنا وإعلامييهم!!
أن يحارب إعلامنا بعضه بعضا ليس فى صالح المنظومة الإعلامية المصرية، وليس فى صالح الجهود المبذولة لعودة المصداقية التى أوشك رصيدها على النفاد لدى القارئ والمشاهد المصرى!!
لنعمل معا كمجتمع إعلامى على تجاوز خلافاتنا فى إطار مؤسسي، ولنعمل معا على تقديم إعلام تنويرى يصب فى صالح الوطن والمواطن.. إعلام حقيقى تتعدد فيه الرؤى والأفكار، وبما يؤدى إلى ثراء يصب فى النهاية لصالح هذا الوطن..
نأمل فى إعلام مهنى أخلاقى انتظرناه طويلا يستحقه المواطن المصرى..