تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كتب الشاعر المبهر محمد الماغوط يومًا:
“,”الكل يركض وراء الشهرة.. المال.. الحب.. الجنس.. الرياضة.. الفروسية.. الطعام. وأنا أركض وراء الفقراء. وهذا من سوء حظي أو حظهم. وحدهم الفقراء يستيقظون مبكرين قبل الجميع؛ حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد“,”.
والواضح أن أحدًا لا يركض في مصر اليوم نحو الفقراء. لا الرئيس، ولا مستشاروه، ولا الجماعة، ولا مصفقوها ولا منافقوها في الشمال والجنوب.. لا القوى السياسية، ولا المثقفون، ولا الناشطون، ولا الفضائيون ولا التلفزيونيون.. لا خطباء المساجد، ولا حملة لافتات “,”الإسلام هو الحل“,”، ولا أصحاب اللحى، ولا الدعاة العصريون.
الفقراء حاضرون في برامج الإخوان والإحزاب السياسية وغائبون في تحركاتها.. مكتوبون على الورق ومشطوبون في الواقع.. الكل يتاجر بهم، ويربح باسمهم، وهم وحدهم من يتحمل الخسارة.
ماذا فعل لهم الرئيس مرسي منذ صعد إلى السلطة؟ لاشيء.. كانت أهم قراراته إرضاء الجماعة، وإعادة مجلس الشعب، وتيسير خطة التمكين، وعزل المخالفين، والاستئثار بالحكم. بل إنه عندما بحث عن مصدر لزيادة الموارد لم يجد إلا الفقراء؛ ليحملهم بضرائب جديدة على السجائر والزيوت والعصائر.
ماذا قدمت جماعة الإخوان لهم؟ شكائر سكر وعبوات زيت؟ صدقات عينية اشترت بها إرادتهم، ولم تسع لتوفير حياة كريمة وأعمال دائمة.
ماذا قدمت الأحزاب والقوى السياسية لهؤلاء الغارقين في العذاب، الغائصين في الحرمان؟ لا شيء سوى الكلام.
في الصراعات السياسية تعمى العيون، ويتسع الاستقطاب، ويدفع الفقراء وحدهم الثمن.
في يوم ما كانت مصر منقسمة بين التفاوض مع الإنجليز والجهاد ضدهم، وكان عدلي باشا يكن يمثل التيار الأول، وسعد زغلول باشا يمثل التيار الثاني، ودخل محمد البابلي، وهو أحد الصعاليك الظرفاء، إلى قهوة «متاتيا» وقتها، وكانت الأحوال الاقتصادية متردية، وكان الفقر بحرًا يغرق الجميع، فسأله أحد الحضور: أنت عدلست ولا سعدست؟ فرد بغضب مكتوم: أنا فلست.
والواقع أن الفلس قادم لا محالة، وأن المتأسلمين سيدفعون المصريين إلى هوة عميقة يتكاثر فيها الفقراء، ويشتد بها العوّز ويبدو أن ذلك هدف مرحلي للأخوان الحاكمين؛ لأن التصويت -طبقًا لنتائج الاستفتاء الأخير- يؤكد أن المناطق التي تعاني فقرًا مدقعًا تصوّت دائمًا لصالح السلطة؛ طلبًا لعطاياها.
وتذكروا أن أسيوط، التي تعد أكثر المحافظات فقرًا؛ إذ تبلغ نسبة الفقراء فيها 58% صوّتت بالموافقة على الدستور بنسبة 74 %.
كذلك فإن سوهاج، التي يبلغ الفقراء فيها نحو 45% من السكان، فقد صوتت بتأييد دستور المتأسلمين بنسبة 78%.
لكن ذلك لن يستمر.. ستخيب ظنونهم، وسيشربون كئووس الغضب والدمار، فالجوع كافر بكل الأحزاب والشعارات واللافتات الدينية وغير الدينية، والجوعى لا يفكرون ولا يخططون ولا ينظمون، فإذا غضبوا فلا حياة ولا أوطان.
إن من يعتقد أن الفقراء يمكن أن يمثلوا دعمًا دائمًا للطغيان.. ساذج.. فالكبت والحرمان وشظف الحياة مثل زجاجة المولوتوف التي تملأ بالوقود قطرة قطرة، حتى إذا ما اكتملت انفجرت في أول احتكاك بسيط بجسم صلب.
وقتها.. سيدفع الجميع الثمن.. لا الفقراء وحدهم.
[email protected]