الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بعد حادث دير الأنبا صموئيل الأخير.. هل القادم أكثر كارثية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعد واقعة استهداف المسيحيين خلال زيارتهم إلى دير الأنبا صموئيل المعترف الجمعة الماضي تغيرا نوعيا في أساليب الجماعات الإرهابية، بعد أن كانت الهجمات تتركز على عمليات انتحارية مثل حادث البطرسية «ديسمبر ٢٠١٦» وتفجيري طنطا والإسكندرية «إبريل ٢٠١٧»، وهو ما يثير مزيدا من القلق والترقب حول الخطوة المقبلة لهذه الجماعات، في ضوء عدم القبض على الجناة في حادث المنيا الأخير.

هناك مخاوف لدى بعض المهتمين بملف الإسلام السياسي من هذا التغير النوعي للجرائم الإرهابية، في ضوء غياب اليقظة والضربات الاستباقية لدى الأجهزة الأمنية، وتكاسل مؤسسات الدولة في التعامل مع خطر الجرائم الإرهابية، وهو ما قد يعمق من الأزمة، ويفتح باب تصعيد غير محدود لأهداف مسيحية جديدة مع تنوع أدوات التنفيذ.

وإذا كانت الجماعات الإرهابية عملت على استهداف رحلات المسيحيين لزيارة الأديرة، واختارت بعناية الطريق المؤدى لدير الأنبا صموئيل المعترف، واختيار منتصف الطريق للتنفيذ.. يبدو المدق عاليا ومن يقود السيارة لا يرى لمسافة بعيدة، وبالتالي انتظرت المجموعة المسلحة قدوم الهدف للتنفيذ، ومع ضعف تغطية شبكات الهاتف المحمول حدثت الفاجعة، وفى ظل غياب مراقبة الأقمار الصناعية مرت الواقعة حتى هرب الجناة.

المخاوف تتجدد الآن في ضوء تجاهل الأجهزة الأمنية لتحذيرات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، حيث سبق وحذر من استهداف المسيحيين وأذاع شريطا مسجلا يتبنى فيه عملية تفجير البطرسية، حتى جاءت تفجيرات طنطا والإسكندرية، وتكرر الأمر في ٥ مايو الجاري، حيث حذر التنظيم من الاقتراب من تجمعات المسيحيين، ولم يهتم أحد حتى جاءت واقعة دير الأنبا صموئيل، ومؤخرا اعترفت الأجهزة الأمنية بخطورة الوضع، والتحذير من احتمالات استهداف مسيحيين خلال المرحلة المقبلة، وعممت وزارة الداخلية على مديريات الأمن منشورا دعت فيه الضباط وعناصر الأمن إلى اتخاذ الاحتياطات وتشديد الإجراءات الأمنية والتأمينية المناسبة والكافية، وتنشيط نقاط التفتيش والأكمنة الثابتة والمتحركة، مع توعية الضباط والقوات بالمواجهة الجادة لأى احتمالات والتأكيد على إجراءات التأمين الشخصي.

وعلى الرغم من انعقاد مجلس الدفاع الوطني ٩ إبريل عقب تفجيري طنطا والإسكندرية، والاتفاق على تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب، فإنه لم يتم تشكيله حتى الآن، كما لم تتضح بعد ملامح وجود خطة أمنية جديدة لمواجهة تنوع وتطوير الجرائم الإرهابية أم لا، وماذا لو استغلت هذه الجماعات التراخي الأمني والهجوم على أي من الأديرة المنتشرة في صحراء مصر والاعتداء على الرهبان ورفع علم تنظيم الدولة الإسلامية؟ ماذا لو تم استهداف مزيد من رحلات المسيحيين للأديرة ونحن في استقبال فصل الصيف والإجازة الصيفية؟ ماذا لو تم استهداف رحلات المسيحيين للشواطئ في ظل العروض الخاصة لموسم رمضان والصيف؟.

ومع التراخي الأمني، هناك ثغرة تشريعية يستغلها الإرهابيون ويفلتون من العقاب هم والمتعاطفون معهم أيضا، أبرزها بطء إجراءات التقاضي في الجرائم الإرهابية، ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد حادث البطرسية لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، في ضوء القضايا المكتظة داخل أدراج المحاكم

كذلك لا توجد في القانون المصري جريمة لمعاقبة دعوات الحض على الكراهية، على عكس المغرب، حيث تعد الإشادة بالأفعال الإرهابية جريمة يعاقب عليها القانون المغربي، بموجب الفصل ٢- ٢١٨ من القانون الجنائي، بينما في مصر لا توجد مثل هذه النصوص، لذا مع كل حادث يطال المسيحيين تزداد دعوات الحض على الكراهية والتقليل من الحادث بل والسخرية من الضحايا وذويهم.

على سبيل المثال تصريحات الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق لشئون الدعوة، بأن المسيحية عقيدة فاسدة تدخل في سياق «الحض على الكراهية» وليس «ازدراء الأديان»، ونتيجة لمثل هذه التصريحات والفتاوى تستغلها الجماعات الإرهابية لتنفيذ مخططاتها، وما لم يسرع مجلس النواب بإصلاح هذا العوار التشريعي فستظل المشكلة مستمرة، والخطر يقترب من كل مؤسسات الدولة، وليس المسيحيين فقط.

وتعود بي الذاكرة لتصريحات سابقة لكثير من المفكرين والمثقفين المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، حينما كانوا يزعمون بأن الأديرة والكنائس بها أسلحة، ومنهم الدكتور محمد سليم العوا الذى سبق وأصدر كتابا يشير فيه إلى أن عقد الذمة والجزية على المسيحيين انتهى بسقوط الدولة الإسلامية، وكان من أبرز أعضاء الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، الذى كان يضم مجموعة من المفكرين والمثقفين العرب، وكانت لهم إسهامات جيدة في ترسيخ وتأكيد مبدأ المواطنة واحترام الآخر، إلا أنه منذ واقعة وفاء قسطنطين ٢٠٠٤، وحدث تغير جذري طال عددا من أعضاء الفريق ومنهم العوا وفهمي هويدي، حتى تجمد عمل الفريق وتوقفت إسهاماته الفكرية والثقافية.

ويبقى سؤال: فى حال تعرض الأديرة لأى خطر.. هل يمكن محاسبة العوا وغيره على تصريحاتهم بوجود أسلحة فى الكنائس والأديرة؟ هل يمكن محاسبة العوا ووجدي غنيم وآيات عرابي على حديثهم المستمر على وجود أسلحة بالكنائس وأن الأديرة لا تخضع للدولة ولا تدفع ضرائب؟

يبدو أن توالى الجرائم الإرهابية لم يشفع للأجهزة الحكومية في الاستفادة من الأخطار، ومحاولة التعامل مع المصريين بآدمية، والحفاظ على الدم المصري، بل ومشاعر أهالي الضحايا، حيث قام أهالي الشهداء والمصابين بنقل ذويهم إلى المستشفيات القريبة من موقع حادث المنيا الأخير، وقبل وصول عربات الإسعاف التى تأخرت أكثر من ساعتين، وبعد حصر المصابين تم توزيعهم على بعض المستشفيات بالقاهرة عبر الطرق البرية، ونقل حالة واحدة فقط بالإسعاف الطائر.

كذلك حالة العشوائية التي انتابت عملية تشريح جثامين الشهداء، واضطرار ذويهم إلى إخراجهم من الصناديق بعد الصلاة عليهم لتأخر وصول أطباء الطب الشرعي، إلى جانب المعاملة غير الآدمية لأهالي الشهداء والمصابين وعدم مراعاة شعورهم، وتوجيه مزيد من الإهانات لهم في تحد كامل للقانون وترسيخ للأفكار المتطرفة التي تعج بمحافظة المنيا تحديدا، والتي كثيرا ما شهدت أحداثا طائفية كثيرة تم تغليب جلسات الصلح العرفية على حساب القانون فيها.

كذلك اضطرار أهالي الشهداء إلى نقل جثامينهم عبر سيارات نقل، في مشهد غير آدمي بالمرة، في حين أن مديريات التضامن الاجتماعي المنتشرة في ربوع المحافظات أو القرى كان يمكن أن تكون نقطة وصل وتنظيم في مثل هذه الحوادث، ويتم التعامل مع جثامين شهداء الجرائم الإرهابية «جيش، شرطة، مسيحيين، مدنيين» بنوع من الآدمية والتوقير، بدلًا من هذا المشهد العشوائي الكارثي.

في النهاية.. هل ننتظر سيناريو أكثر كارثية إذا لم تع كل مؤسسات الدولة حجم التحديات؟ هل ننتظر السيناريو العراقي في استهداف داعش كثيرا من الأسواق وتجمعات المواطنين بعد أن كان يركز فى البداية على مواقع للجيش العراقى ثم مساجد للشيعة؟

أتمنى أن نستفيق قبل فوات الأوان.