حول القرار المزمع صدوره من الإدارة الأمريكية بشأن تصنيف الإخوان
جماعة إرهابية، تدور مناقشات طويلة وعريضة، حول قدرة أمريكا على إصدار هذا القرار،
وتأثيره البالغ على أنشطة الجماعة فى العالم.
من ناحية التكهن بوضع جماعة الإخوان الإرهابية، لو صدر هذا القرار،
وتأثيره على الجماعة فى الصعيد الدولى والإقليمى والداخلي، فهو بلا شك أمر سابق
لأوانه، وأنه من المبكر الحُكم على توجهات الإخوان الآن، حيث إنه لا توجد أدوات
حقيقية للحكم بهذه القضية، لكن ما يمكننا الإشارة إليه الآن، هو أنه توجد محددات
للسياسة الخارجية الأمريكية، منها: استغلال الجماعات الإسلامية لتحقيق المصالح
الأمريكية، وتقديم الدعم السياسى للحركات المختلفة، من أجل تحقيق مصالح أمريكا،
واستخدام التيار المتطرف للقضاء على التيار الإرهابي، وأعتقد أن أمريكا ستسير بهذه
الرؤية فترة من الزمن، إلا أن قرار «ترامب» يمكن أن يغير فقط فى انحياز أمريكا
للتعاون والتحالف مع الأنظمة بشكل أكبر من التنظيمات والجماعات.
نريد فى البداية أن نوضح، أن الإخوان لها محددات للقوة، من أهمها:
القدرة على حشد الجماهير، والقدرة على التمويل، وقوتها بالخارج، والأخير مهم، فقد
نجحت الجماعة أن تتحول إلى جمعية عالمية، وتنظيم أخطبوطى، ولها وحدها فى أمريكا
أكثر من ١٠٠ جمعية، واتحاد ومنظمة، تعمل على توفير التمويل والدعم اللوجستى
والسياسى لعملياتها فى العالم.
بدأت أمريكا من جنيف، ثم انتقلت لميونخ، ومنها إلى بريطانيا ثم
فرنسا، وحطت رحالها فى التعاون اللصيق مع الولايات المتحدة، وتواصلت كأنها موظف
رسمى متعاون مع السى آى إيه، وكان ذلك كله هو عنصر قوة، وورقة ضغط على الأنظمة،
التى لم يسهل عليها القضاء على ذيول جماعة، لها أكثر من رأس خارجى.
اعتبار الإخوان حركة إرهابية سيؤثر على المحدد الخارجى مما لا شك فيه،
وبالتالى تمويلها، لأنه سيحظر على أى مواطن أمريكى التعامل مع أى شخص أو جهة أو
تنظيم تابع للجماعة، ومن ثم فإن القرار الأمريكى لو صدر فإنه سيوجه ضربة قوية
للتنظيم العالمي.
فى المقابل كان أول رد هو من إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى،
ومن مكتب لندن، هو أنه قال، إنهم لا يخشون قرار ترامب، وأن القرار لن يصدر بسهولة،
ملمحًا لبعض أعضاء الكونجرس المقربين منهم، وأنا على مستوى شخصي، أفهم أن الإخوان
دائمًا يلعبون على وتر ويبطونون آخر، فمن غير الطبيعى ألا تشغل الجماعة بالها بما
يجرى الآن من مشاورات حول القرار فى الولايات المتحدة، خاصة أن قرارا مثل هذا
رسميًا يتم فى مقر مكتب مكافحة الإرهاب فى وزارة الخارجية الأمريكية، إلا أنه يأخذ
هذا المجرى فى عهد الإدارة السابقة، بما يشير إلى عدم رضاهم عنه، أما هذه المرة،
فإن المناقشات تجرى فى البيت الأبيض، وفى الكونجرس مباشرة.
الإخوان فى الفترة الأخيرة، قاموا بتكوين وتنشيط بؤر جديدة
إعلاميًا، فى مواقع التواصل، ويخططون لافتتاح عدد من القنوات الجديدة، من أجل
اختراق الساحة السياسية إعلاميًا عبر تضخيم حجم ما يسمى الانشقاق الإخوانى، وإعادة
اللعب على ملف المصالحة، وتسويق موافقة التنظيم على الصلح مع الدولة، أو ضغوط
الغنوشى على التنظيم العالمى من أجل المصالحة، وإعادة تسويق الخلاف الإخوانى على
أنه خلاف بين فريقين أحدهما يرفض العنف، والآخر يصر عليه، وتسويق الجماعة خليجيًا،
بعد الفشل الذى منيت به الجماعة فى اليمن تحديدًا على يد فرعها التجمع الوطنى
للإصلاح.
وتجهز الجماعة الآن وتخطط لمحطات انتقال جديدة، من إسطنبول التى يزور
وفد تجارى كبير منها القاهرة هذه الأيام، وكذلك الانتقال من أمريكا إلى كندا،
وإعادة ترتيب أوراقها فى بريطانيا المقبلة على منطقة الشرق الأوسط بقوة، وتحاول
خلق محطات بديلة فى باقى أوروبا، على يد زعيمها عماد البنانى.
فى الختام، من المتوقع أن يصدر القرار، وأن يستأنف على صدوره أعضاء الجماعة، إلا أنه سيؤثر بلا شك على التنظيم، كما أن الإخوان التى تشعر بالهزيمة، فى أحيان كثيرة تقوم بوضع خطط وبدائل متنوعة لإشغال أفرادها، والرأى العام، وإشعارنا جميعًا أنها لا تزال قادرة على تحريك الأحداث من حولها، حتى فى أمريكا، حتى لو أنفقت فى سبيل ذلك الملايين من أموال المتبرعين لها، من أعضائها المغيبين.