السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المسلم بين الإيمان الحق .. والتأسلم (36)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وما أن ترامت إلى الأسماع دعاوى سيد قطب لتكفير الحاكم والمحكوم حتى استهوت العديد من شباب الإخوان الذين عانوا من السجن والتعذيب أو سمعوا به، وبدأت تبريرات لهذا الاتجاه المتشدد. ويقول الأستاذ مصطفى مشهور "بدأت ألفاظ الجاهلية والحاكمية تظهر فى كتابات سيد قطب عندما كان يعد تفسيره "فى ظلال القرآن" للطبعة الثانية أثناء وجوده بالسجن حيث تأثر بكتابات أبو الأعلى المودودى وتفاعل مع المحنة فأضاف هذه الألفاظ إلى الظلال" [كاريمان المغربى – الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب – (1997) – محضر نقاش مع الأستاذ مصطفى مشهور] ويقول عادل حمودة "من المؤكد أن مذبحة سجن طرة [23 قتيلاً 46 جريحاً] كما يقول شهود العيان – حسمت الأمر عند سيد قطب فقد أصبح مقتنعا بأن النظام الحاكم لا يمت بصلة للإسلام، ولأنه نظام غير إسلامى فلابد أنه نظام جاهلى لابد من مقاومته ومحاربته وفرض الإسلام الصحيح عليه ، لقد أصبح بسبب محنته ومحنة الإخوان يؤمن بضرورة الجهاد بالسيف للتخلص من هذا المجتمع الكافر الذى يعيش فى الجاهلية وينطق الشهادتين ولا يعمل بها" [عادل حمودة – سيد قطب من القرية إلى المشنقة – المرجع السابق – صـ142] ويمضى عادل حمودة "لقد بدأ مسلسل التكفير بتكفير الجلاد لأنه لا يمكن أن يكون مسلما من يعذب المسلمين، ثم امتد التكفير إلى مأمور الليمان لأنه الذى أعطى أمر التنفيذ للجلادين. ثم إلى مدير مصلحة السجون، فمدير المباحث العامة فوزير الداخلية ثم عبد الناصر ثم شملت المجتمع كله فهو يؤيد عبد الناصر أو هو لا يتخلص منه مشاركا بالصمت ، والساكت عن الحق شيطان أخرس" وهكذا بدأت لعبة التكفير الحاكم والمحكوم . ومع هذه التبريرات كانت انتقادات عنيفة . فتنشر مجلة الثقافة دراسة نقدية لعز الدين إسماعيل يحذر فيها القارئ "من الخدعة الكبرى والهالة الباطلة التى نسجها الخيال حول شخصية قطب فى حين أن تولفاته تتسم بالضحالة وصياغة أفكار الآخرين، أن سيد قطب لا يقرأ الأصول التى تفيده وإنما يقف عند المراجع الثانوية، ولا يجهد نفسه فى مصادر الدرجة الأولى وإنما يكتفى بما يلتفظه من يكتب الدرجة الثانية" [الثقافة – 8 ديسمبر 1952 – مقال عز الدين إسماعيل] وعندما طالب سيد قطب ضباط يوليو بإقامة حكم استبدادى نظيف، وعليه إحسان عبد القدوس "أنا لا أومن بالأكذوبة التى تقول بالمستبد العادل، فالمستبد لا يكون عادل مادام مستبدا والعادل لا يمكن أن يكون مستبدا مادام عادلاً"[روزاليوسف – 9 فبراير – مقال لاحسان عبدالقدوس ] وعن الكتاب الأكثر تطرفا الأستاذ حلمى النمنم "إن معالم فى الطريق هو أضعف كتب سيد قطب فكريا أسوأها فى الكتابة لأنه يضم فكرة واحدة قديمة لديه، أخذ يلح عليها، يكررها ويعيد تكرارها بلا ملل، أنه منولوج طويل يمتد حوالى 200 صفحة يقطر حزنا ومرارة وشعورا بالثأر والانقسام" [حلمى النمنم – سيد قطب وثورة يوليو – صـ145] ويقول الأستاذ صالح أكبو رقيق فيما بعد مرشدا للجماعة "إن سيد قطب قد كفر المجتمع فعلا ولكن فكرة قاصر عليه وعلى مجموعته" [كاريمان المغربى – المرجع السابق – حوار مع الأستاذ صالح أبو رقيق – صـ354] .
أما الدكتور يوسف القرضاوى فقد عارض الكتاب قائلا "حين نشأت الدعوة الإسلامية الأولى كان المجتمع جاهليا حرفا أى مجتمع وثني كافر لا يؤمن بلا إله إلا الله وبأن محمدا رسول الله ، ويقول إن القرآن سحر وافتراء وأساطير الأولين، أما مجتمعنا الحالى فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر دخيلة، فيه مرتددت صراحة، وفيه منافقون، وفيه عدد هؤلاء وأولئك جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة ملتزمة بالإسلام وحل أفرادها متدينين تدينا فرديا، يؤدون الشعائر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها لكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن .. مما يدل على صحة أصول العقيدة عندهم ولهذا يكون من الإسراف المجازفة بالحكم عليهم جميعا بأنهم جاهليون كأهل مكة الذين واجههم الرسول فى فجر الدعوة" [الشعب – 11،18،25نوفمبر 1986 – مقالات للدكتور يوسف القرضاوى] .
وطالب شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون من الشيخ محمد عبد اللطيف السبكى أن يكتب رأيه فى موضوع "معالم فى الطريق" فكتب الشيخ السبكى تقريرا جاء فيه "موضوع الكتاب دعوة إلى الإسلام لكن أسلوبه استفزازي يهيج المشاعر الدينية عند الشباب والبسطاء، والمؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون طويلة ومعنى هذا أن عهود الإسلام الزاهرة وأئمة الإسلام وإعلام العلم فى الدين كانوا جميعاً فى جاهلية وليس من الإسلام فى شئ حتى يجيء سيد قطب" ثم "يخيل إلينا أن المؤلف شطح شطحة جديدة فزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية فى تنظيم الحياة الدنيا، حيث يقترح أولا هدم النظم القائمة دون استثناء ..والكتاب يضم مزيجا من آيات قرآنية وذكريات تاريخية صيغت بأساليب كأساليب الثائرين للفساد فى كل موقع، يخلطون بين حق وباطل ليموهوا على الناس، وهذه الحيلة هى نفسها حيلة إبليس فيما فعل مع آدم وحواء وفيما دأب عليه دائما فى فتنة الناس عن دينه وعن الخير فى دينهم. والله أعلم" [تقرير فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف السبكى – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف حول كتاب معالم فى الطريق لسيد قطب – نسخة أصلية] وبعد هذه الآراء ماذا كان عن موقف الإخوان من الكتاب وكتابه؟ يروى الأستاذ عمر التلمسانى "رسخت فكرة التكفير فى ذهن بعض الشباب وآمنوا بها عن اقتناع غريب، واتسع نطاق هذه الفكرة فى معتقل مزرعة طرة حتى بلغت فضيلة الأستاذ الهضيبى رضوان الله عليه إذا كان معتقلا هناك فاستدعى رؤساءهم وناقشهم .. وكانت الجلسة تنتهى بما بشعر باقتناعهم بكلامه وما أن يخرجوا من عنده حتى يئس من إقناعهم .. فكتب كتاب "دعاة لا قضاة" مستعينا بابنه المستشار مأمون الهضيبى والأستاذ مصطفى مشهور" [عمر التلمسانى – ذكريات لا مذكرات (1985) – صـ46] ولكن هناك أخرى تستحق المطالعة . فاللواء فؤاد علام وهو أحد قادة جهاز الآمن المسئولين عن جماعة الإخوان وأنشطتها يقول وبإصرار "دعاة لا قضاة أخطر كتاب لحسن الهضيبى صاغته مباحث أمن الدولة وابنه مأمون الهضيبى كان الكوبرى الذى عبرت عليه فصول الكتاب من المباحث للشيخ". "فالكتاب ثم إعداده بواسطة بعض شيوخ الأزهر وشاركهم فى ذلك بعض المعتقلين الإخوان الذين كانوا يتعاونون معنا مثل عبد المتعال الجابرى وسعد الدين متولى إبراهيم وكانوا يتجمعون بمأمون الهضيبى ويناقشونه ثم يسلمونه الأبحاث وينسبها مأمون لنفسه ويسلمها لوالده" [لواء فؤاد علام – الإخوان وأنا – ًـ169] . وصدر كتاب "دعاة لا قضاة" ويظل الإخوان يستمتعون باستخدامه على الوجهين فعندما يحاصرون بتهمة التكفير يبرزونه وعندما يحاصرون بالتلبس بامتداح سيد قطب يتناسونه. لكن زينب الغزالى وكانت تلعب دورا بارزا جدا فى الجماعة خلال محنة الاعتقالات الناصرية أكدت "إن فضيلة المرشد قد قرأ كتاب معالم فى الطريق قبل طبعه، وأعاد قراءته ووافق عليه وقال إن هذا الكتاب قد حصر أمله كله فى سيد قطب وأنه الأمل المرتجى للدعوة الآن" [زينب الغزالى – أيام من حياتى – صـ36] فهل كانت لعبة الخداع متبادلة. أكثر الإخوان فى السجون طالت عليه فترة الاعتقال ولا ضوء من أمل وقبول التكفير يعنى عدم الإفراج .. فلماذا لا يكون المرشد قد كشف لعبة فؤاد علام واستخدماها ضده؟ هذه ليست معلومة لكنها مجرد استنتاج والتاريخ لا يعرف الاستنتاج. لكننا نعود إلى بعض مما كتب سيد قطب لنكمل فهمه وفهم أفكاره "إن الإخوان المسلمين قد قاموا لإعادة إنشاء الإسلام فى الأرض وإعادة إلوهية الله فى الأرض وللإخوان كينونيتهم المنفصلة عن انه تشكيلات وطنية أو قومية أو عالمية، والحقيقة مترجمة حركيا وشرعيا فى البيعه للمرشد وتعنى البيعة نشأت أمة منفصلة وإمارة لها وحدها حق السمع والطاعة" وهذه العبارة واضحة وصريحة والتى تتحدث عن جماعة الإخوان وردت ضمن نشرة أصدرها سيد قطب خلال هروبه عام 1954 .. وأصدرها باسم الجماعة ليست مجرد رأى فى كتاب" [نشرة صدرت سراً مصورة على ميكروفيلم محفوظ فى مكتبة المركز القومى للدراسات القضائية – المتحف القضائى كادر 155 – 1555" وقد لجأ إلى مكتبة الميكروفيلم استكمالا لصفحات ناقصة فى ملف القضية] . وعلى أية حال انقسم الإخوان فى كل السجون بين معارضين للتكفير وقائلين به، ونشبت بين المجموعتين حوارات امتدت فيها الأيدى فى شجارات عنيفة لابد أن المعلنين لرفض التكفير كانوا يسهمون فى إشعالها ليصل صداها الأمن تمييزا لموقفهم، لكن المثير للدهشة أن الأكثر صياحا بالتكفير شكرى مصطفى أفرج عنه مع الآخرين وربما قبل كثيرين منهم، فهل كان الأمن يدرك مغزى التمثيلية؟