السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

مركب رشيد المنكوب.. "شراع المأساة وتوابيت الموت".. الضحايا الأطفال يعيدون مشهد "إيلان" السوري.. نائلة جبر: البطالة وسماسرة الموت السبب.. الخارجية: قانون الهجرة غير الشرعية يقضي على تجار البشر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحولت صور "مركب الموت" الذي غرق مؤخرا قبالة ساحل مدينة رشيد إلى صفحة جديدة في ظاهرة الأحزان السابحة والشراع الباكية" أو مراكب وقوارب الموت السابحة في بحار ومحيطات العالم بقدر ما يؤكد هذا الحادث الجديد على الحاجة لثقافة جديدة تتعامل مع جذور تلك الظاهرة المآساوية والتي تحولت "لظاهرة عالمية".
وفيما تشهد مصر اجتماعات وزارية رفيعة المستوى لمتابعة أعمال الإنقاذ وتتواصل جهود فرق الإنقاذ لانتشال ضحايا هذا المركب الجديد من مراكب الموت الذي كان يحمل نحو 300 شخص من الساعين للهجرة غير الشرعية كان من المثير لكل الأسى وجود بعض الأطفال ضمن الضحايا.
ومصر تبدي اهتماما كبيرا وواضحا على أعلى المستويات بإشكالية الهجرة غير الشرعية وأهمية البحث عن مخرج لأزمة المهاجرين ونزوح اللاجئين بالملايين عبر الحدود فيما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اكد في سياق حضوره أعمال الشق الرفيع المستوى للدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه "لاسبيل لوقف الهجرة غير الشرعية إلا بمعالجة جذورها الرئيسية وفتح المزيد من قنوات الهجرة الشرعية".
ودعا الرئيس السيسي في جلسة رفيعة المستوى بنيويورك حول التدفقات الكبيرة للهجرة واللجوء إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز العمل المشترك وتشجيع الحوار بين الدول حول الهجرة والتنمية وتقاسم الأعباء والمسؤوليات وتطوير رؤية موحدة وموقف قوي لتوفير حياة كريمة لهؤلاء اللاجئين.
ونوه بأن مصر تحملت اعباء استضافة اعداد ضخمة من اللاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات بلغ عددهم ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ مابين مسجلين وغير مسجلين وتعمل على توفير سبل المعيشة الكريمة لهم دون عزلهم في معسكرات أو كلاجيء إيواء.
وهذا التوجه يعبر بأصالة عن حقيقة مصر التي لا تقبل بحضارتها العريقة ورسالتها الإنسانية أن يتحول البشر إلى أطياف حزن شاردة بانكسار في بحار ومحيطات العالم لينتهي المطاف ببعضهم إلى الهلاك أو التعرض لمعاملة غير إنسانية.
وتسعى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة للوقوف على آخر تطورات الحادث الذي وقع يوم الأربعاء الماضي وتناول أبعاد الحادث الأليم للغارقين الذين كانوا بصدد الهجرة غير الشرعية من زوايا متعددة فان التناول الثقافي العميق لظاهرة "الأحزان السابحة والشراع الباكية" مطلوب بالحاح بشأن هذه الظاهرة التي تكاد تشمل العالم كله وباتت "ظاهرة عالمية تؤرق ضمير الإنسانية".
وفي هذا السياق قد يكون من المناسب التنويه بمؤتمر ينظمه مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة ويبدأ اليوم "السبت" بعنوان "المؤتمر الدولي الأول لأزمات الهجرة وتحديات الدولة القومية في الوطن العربي وأوروبا" والذي تشارك فيه نخبة من المسؤولين والباحثين ومن بينهم السفيرة نائلة جبر رئيس "اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير المشروعة" التابعة لمجلس الوزراء والسفير محمد غنيم مساعد وزير الخارجية لشؤون الهجرة واللاجئين.
وهذا المؤتمر الذي يستمر لمدة ثلاثة أيام يناقش عددا من القضايا تتضمن دور مؤسسات الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الهجرة واللجوء ليبحث على مدى تسع جلسات الأبعاد الإعلامية والثقافية والأمنية والمجتمعية لهذه الظاهرة ذات الأبعاد المتعددة.
وكانت السفيرة نائلة جبر قد رأت أن السبب الرئيسي في حادث غرق مركب الهجرة غير الشرعية مؤخرا قرب رشيد هم "تجار وسماسرة الموت" داعية في مقابلة تلفزيونية مجلس النواب لسرعة اقرار مشروع القانون الذي وافقت عليه الحكومة في شهر نوفمبر الماضي لمكافحة الهجرة غير الشرعية مؤكدة أن هذا القانون الجديد يجرم تهريب البشر خلافا للقانون الحالي الذي لا يتضمن أية عقوبة للمهربين أو تجار الهجرة غير الشرعية.
وأوضحت جبر أن الهجرة غير الشرعية لها "أسباب عديدة اقتصادية واجتماعية وثقافية" مشددة على أهمية الحل القائم على التوعية والتنمية لهؤلاء البشر لافتة إلى أن وجود أطفال بمراكب الهجرة غير الشرعية "ظاهرة خطيرة".
بدوره، كان السفير محمد غنيم قد أكد خطورة ظاهرة الهجرة غير الشرعية مشددا على أن وزارة الخارجية تبذل قصارى جهدها للحد من هذه الظاهرة، فيما لفت إلى أن القانون الجديد بشأن مكافحة الظاهرة الذي ينتظر إقرار مجلس النواب يجرم هؤلاء الذين يتاجرون بالبشر ويتكسبون من الهجرة غير الشرعية.
وشأنهم شأن العديد من شعوب العالم، عرف المصريون السفر خارج بلادهم بحثا عن الرزق فيما بات بعضهم يشكل وقودا لظاهرة "الأحزان السابحة والشراع الباكية" أو "السفن التي تحمل مهاجرين غير شرعيين عبر البحار كظاهرة عالمية.
أنها "شراع المآساة" و"توابيت الموت" في مياه البحر المتوسط وبحار ومحيطات اخرى فيما باتت ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين موضع اهتمام ثقافي في الغرب وتتوالى الإصدارات والكتب الجديدة التي تتناول هذه الظاهرة المآساوية من جوانب متعددة.
وتركز بعض التحليلات حول أوجه المعاناة والمخاطر التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين على علاقة البطالة بهذه الظاهرة فيما تذهب تحليلات أخرى إلى أن بعض من سمحوا لأنفسهم بالاندراج ضمن المهاجرين غير الشرعيين كان بمقدورهم بذل المزيد من الجهد والسعي للعمل في أوطانهم.
وتفيد تقديرات منشورة لمنظمة العمل الدولية أنه من المتوقع ان يصل معدل البطالة حول العالم للشباب هذا العام الى 13,1 في المائة مقابل 12,9 في المائة في العام الماضي فيما تختص بلدان الجنوب بالنصيب الأكبر من العاطلين بين الشباب.
ووسط ذلك كله تصاعدت ظاهرة لاجئي القوارب من العالم العربي لشطآن أوروبا والغرب بصورة لافتة وكأنها تشير ضمنا لخلل ما فيما عرف بالربيع العربي والمؤكد أن الأحداث التي اقترنت به وخاصة فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة والإرهاب أفضت لتصاعد واضح وخطير في ظاهرة "الأحزان السابحة والشراع الباكية".
ومع تفاقم أوضاع اللاجئين السوريين في بلدان الجوار التي لاذوا بها فإن أعدادا منهم كانت على موعد مع الهلاك في عرض البحر المتوسط اثناء محاولات يائسة للوصول للشاطيء الأوروبي في مشهد اثار الم كل صاحب ضمير في هذا العالم خاصة بعد ان سقط الطفل السوري "ايلان" ضحية ضمن ضحايا ظاهرة "الأحزان السابحة والشراع الباكية".
ومنذ نحو عام واحد تحولت صورة الطفل السوري "ايلان" الذي كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات ووجدت جثته الغارقة على أحد الشواطئ التركية مؤخرا الى "ذروة اليمة ولحظة فارقة في ظاهرة الشراع الباكية" او مراكب وقوارب الموت السابحة في بحار ومحيطات العالم .
وقال أنطونيو جوتيريس رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن "صورة الطفل السوري الغريق الذي لا يتعدى عمره ثلاثة أعوام وقذفته الأمواج إلى شاطئ تركي حركت قلوب الناس في شتى أنحاء العالم بعد أن انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي".
ومن يتأمل صور تنشرها صحف ووسائل إعلام دولية عن اللاجئين السوريين في "عصر ثقافة الفرجة" ومن بينها صورة عن حفنة من هؤلاء اللاجئين وهم يتسربون عبر فتحة في الأسلاك الشائكة عند الحدود مع تركيا ثم صورة جثة الطفل البريء "ايلان" على شاطئ في مدينة بودروم السياحية التركية يدرك أن هذه المآساة قد بلغت حدودا تجاوزت كل ما يمكن قبوله بالحد الأدنى من المعايير الإنسانية.
وبعد غرق ولديه إيلان وغالب وزوجته، قرر عبد الله كردي العودة إلى "كوباني" في سوريا لدفنهم رغم توسلات شقيقته التي تخشى على سلامته لكنه قال: "تركيا ليست بلادنا "موضحا أنه يريد دفن أفراد عائلته حيث ولدوا "وسيظل بجانب قبورهم حتى يموت بدوره".
ووفقا لما ورد في طرح للكاتبين هوج ايكين والزا روث بدورية "نيويورك ريفيو" بلغ عدد السوريين الذين تقدموا بطلبات لجوء لدول أوروبية نحو 300 ألف شخص غير أن أغلب تلك الدول ربما باستثناء المانيا والسويد تحجم عن قبول هذه الطلبات.
وبادئ ذي بدء يتعين التأكيد على أن المآساة الإنسانية للسوريين طالت كل مكونات هذا الشعب الشقيق بصرف النظر عن التصنيفات الطائفية والمذهبية والعرقية كما أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية تستغل هذه المآساة التي تعبر عن مشكلة مركبة بما يحقق لها مكاسب سياسية.
والخطر هنا هو "خطر عدم الاكتراث" أو "اللامبالاة" على حد تعبير هوج ايكين والزا روث في طرحهما بنيويورك ريفيو حول المآساة الإنسانية للشعب السوري وهو طرح يحذر بشدة من "تحول مآساة انسانية لأمر طبيعي مع مضي الوقت".