الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بروفايل

"زويل".. المصري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس

الدكتور أحمد زويل
الدكتور أحمد زويل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا رأيت مصابا بالسرطان يتماثل للشفاء، فاقرأ الفاتحة على روح أحمد زويل، العالم الفذ الذى اخترع «الفيمتو ثانية» وحاز عنه جائزة نوبل، ليدخل فى تطبيقات علمية بدأت بتصميم كاميرات قادرة على رصد التفاعلات الكيميائية بين الذرات، ووصلت إلى استخدامها فى أشعة الليزر التى يوجهها الأطباء إلى جسد المريض، لمهاجمة الخلايا السرطانية.. تلك الخلايا التى أنهت حياة زويل نفسه، عن عمر ناهز 70 عاما، الثلاثاء الماضي، فى الولايات المتحدة، ليفرض المنطق تساؤلات عما إذا كانت الإمبراطورية الأمريكية قررت التخلص من العالم الذى احتضنته ومنحته جنسيتها، بعد أن أنهى أبحاثه المطلوبة منه، فيعود جثة هامدة إلى وطنه الأصلى الذى لم يستفد منه علميا ولا حتى سياسيا عندما أدلى بدلوه، كأن مصر أصبحت «مقبرة العلماء»؟!.
قصة زويل بدأت فى مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، حيث ولد عام ١٩٤٦ لأبوين حرصا على تنشئته فى جو يساعده على التفوق، وزرعا فيه حب العلم، لدرجة أنهما علقا على باب حجرته لافتة كتبا عليها «حجرة الدكتور أحمد»، وهو ما تماشى مع تفوقه الدراسى الواضح الذى جذب إليه أنظار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عام ١٩٥٦، الذى لبى رغبة زويل الطفل فى رؤيته، فرد على خطاب منه بخطاب آخر قال فيه: «تحية أبوية وبعد، ولدى العزيز أحمد.. تلقيت رسالتك الرقيقة المعبِّرة عن شعورك النبيل، فكان لها أجمل الأثر فى نفسي، وأدعو الله أن يحفظكم لتكونوا عدة الوطن فى مستقبله الزاهر، أوصيكم بالمثابرة على تحصيل العلم مسلحين بالأخلاق الكريمة، لتساهموا فى بناء مصر الخالدة فى ظل الحرية والمجد.. والله أكبر والعزة لمصر».
وبعد إنهاء تعليمه الأساسى بمدينة دمنهور، انتقل «زويل» مع أسرته إلى مدينة دسوق بكفر الشيخ، حيث أكمل تعليمه الثانوي، قبل أن يلتحق بكلية العلوم فى جامعة الإسكندرية، التى حصل فيها على بكالوريوس من قسم الكيمياء عام ١٩٦٧م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، فعينته الكلية معيدا، ثم حصل على شهادة الماجستير فى علم الضوء من نفس الجامعة.
وبمنحة علمية، سافر «زويل» بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل على الدكتوراة من جامعة بنسلفانيا فى علوم الليزر عام ١٩٧٤م، ثم عمل باحثا فى جامعة كاليفورنيا خلال الفترة من ١٩٧٤ إلى ١٩٧٦، لينتقل للعمل بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «كالتك» أحد أكبر الجامعات العلمية فى أمريكا، التى أتاحت له التدرج فى المناصب العلمية، إلى أن أصبح مدير معمل العلوم الذرية وأستاذا رئيسيا لعلم الكيمياء الفيزيائية، وأستاذا للفيزياء بالجامعة، وهو أعلى منصب علمى جامعى فى أمريكا، وقد شغله خلفا للعالم الأمريكى «لينوس باولنج» الذى حصل على جائزة نوبل مرتين، الأولى فى الكيمياء والثانية فى السلام، إلى جانب عمله كأستاذ زائر فى أكثر من ١٠ جامعات بالعالم والجامعة الأمريكية بالقاهرة.
العديد من الأبحاث المهمة والإنجازات قدمها «زويل» للعلم، ومن أهمها ابتكاره نظام تصوير يعمل باستخدام الليزر، له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، والوحدة الزمنية التى تلتقط فيها الصورة هى «الفيمتو ثانية» أى جزء من مليون مليار جزء من الثانية، ولأن هذا الإنجاز ساعد فى التعرف على الكثير من الأمراض بسرعة، حصل «زويل» على جائزة نوبل فى الكيمياء عام ١٩٩٩، ليحصد بعدها الكثير من الأوسمة والجوائز العالمية التى بلغت نحو ٣١ جائزة دولية، من أبرزها جائزة «ماكس بلانك» فى ألمانيا، وجائزة «الملك فيصل العالمية» فى العلوم، وجائزة الامتياز باسم ليوناردو دافنشي، وجائزة «كارس» السويسرية من جامعة زيوريخ فى الكيمياء والطبيعة، وجائزة بنجامين فرانكلين.
رحلة «الفيمتو ثانية» التى أوصلت «زويل» إلى جائزة نوبل، بدأت عام ١٩٧٩م حين شرع مع مجموعته البحثية فى معهد «كاليفورنيا للتقنية» فى محاولة استخدام نبضات من أشعة الليزر مع شعاع جزيئى فى وسط مفرغ من الهواء، لدراسة الكيمياء فائقة السرعة للمرحلة الانتقالية، إلا أن تقنية الليزر المتاحة فى ذلك الوقت لم تمكنهم من ملاحقة الجزيئات المتفاعلة. 
وفى أوائل الثمانينيات أمكن لمجموعة بحثية فى معامل «بل» فى نيوجرسى الحصول على نبضات الليزر متناهية القصر، والتى يمكن أن تعمل فى نطاق «الفيمتو ثانية»، وهو ما أعطى للدكتور «زويل» سلاحه المرتقب لتنفيذ فكرته الفريدة والممتازة، لكى يباغت الجزيئات فى أثناء وجودها فى الفترة الانتقالية، ويعرف آليات تفاعلها، وليصبح أحمد زويل رائداً لما يسمى «كيمياء الفيمتو». 
ويقول زويل فى هذا الصدد: «إن ما توصلت إليه هو تصوير حركة الجزيء، وهذا يفتح مجالات كثيرة فى الكيمياء والطب والصناعة والزراعة، وهو اكتشاف يمكن أن نعالج به بعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان والشلل والسكري، لأننا نستطيع أن نصور الخلايا الموجودة فى جسم الإنسان، ونعرف إمكانية إصابة الجسم بمرض معين عن طريق التعرف على أخطاء الخلية، كما يمكن تصوير عملية الهدم والبناء فى الخلية، وباستخدام زمن الفيمتو وأشعة الليزر يمكن إجراء بعض العمليات الجراحية وبعض التطبيقات فى علوم الفضاء والاتصالات والإلكترونيات».
مصر أيضا كرمت «زويل» بعدة جوائز، منها وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام ١٩٩٥، وقلادة النيل العظمى «أعلى وسام مصري»، كما أطلق اسمه على بعض الشوارع والميادين وعلى صالون الأوبرا، وأصدرت هيئة البريد طابعى بريد باسمه وصورته، ومنحته أيضا جامعة الإسكندرية الدكتوراه الفخرية.
ونتيجة لمجهوداته، ورد اسمه فى قائمة الشرف بالولايات المتحدة الأمريكية، التى تضم أهم الشخصيات التى ساهمت فى النهضة الأمريكية، كما جاء اسمه رقم ١٨ من بين ٢٩ شخصية بارزة، باعتباره أهم علماء الليزر فى الولايات المتحدة، وهى القائمة التى تضم ألبرت أينشتين وجراهام بل، ثم فى إبريل ٢٠٠٩ أعلن البيت الأبيض عن اختياره ضمن مجلس مستشارى الرئيس الأمريكى للعلوم والتكنولوجيا، والذى يضم ٢٠ عالما مرموقا فى عدد من المجالات، كما عينه مبعوثا علميا للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط.
ويتحدث «زويل» عن احتفاء الولايات المتحدة به قائلا: «عندما جئت لأمريكا وأصبحت أستاذا فى واحدة من أعظم جامعات أمريكا (كالتك) التى عينت بها فى عام ٧٦ بعد حصولى على الدكتوراه، ودرجة زمالة من جامعة بيركلى لمدة عامين، فى عام ٧٨ منحونى درجة البقاء فى الجامعة مدى الحياة، بينما هذه الدرجة لا تمنح لحاملها قبل مرور ٥ سنوات، وأعطتنى الجامعة درجة أستاذ كرسى (لاينس بولينج)، وكان لاينس بولينج قد حصل على جائزتى نوبل فى الكيمياء وفى السلام، وبهذا أصبحت من أصغر العلماء سنا الذين انتخبوا لأكاديمية أمريكا للعلوم، ومعنى هذا أنهم لم يعطونى الفرصة فقط، ولكن أيضا التقدير الذى أعاننى علميا».
«زويل» نشر أكثر من ٣٥٠ بحثا فى المجلات العلمية العالمية المتخصصة، كما أصدر عددا من المؤلفات بالعربية والإنجليزية، منها «رحلة عبر الزمن.. الطريق إلى نوبل» و«عصر العلم» عام ٢٠٠٥م، و«الزمن» عام ٢٠٠٧م، و«حوار الحضارات» فى نفس العام.
ويعد كتاب «عصر العلم»، توثيقا لحياة «زويل» ومشواره العلمي، وقد كتب مقدمة الكتاب، الأديب المصرى نجيب محفوظ الحاصل على نوبل فى الآداب ١٩٨٨، بينما حرره الكاتب الصحفى أحمد المسلماني، فى جزءين، قسم كل منهما إلى ٥ فصول، عرضت سيرة حياة «زويل» بأسلوب أدبى يركز على المصاعب والمعوقات التى تواجه العلماء الجادين، وطرق تغلبهم عليها، كما ضم الجزء الأخير من الكتاب، لقاءات مع ساسة ومفكرين ورؤساء دول وعلماء فى كثير من المجالات.
ويقول «زويل» إنه وضع فى الكتاب أفكاره وفلسفته، كما قدم من خلاله ما يعتبره حلولا لما يعانيه المجتمع المصرى ومعظم المجتمعات العربية والدول النامية، فى مجالات التعليم والبحث العلمي، وتشجيع الباحثين والأخذ بأيديهم نحو تحويل أبحاثهم إلى واقع.
وفى نقده لمنظومة التعليم العربى قال إنها «لا تسمح للعلماء العرب بالوصول للعالمية، لكونها تعتمد على الحفظ والتلقين، بعيدا عن أسلوب الفهم والتحليل، الذى يعد الأسلوب الأمثل لخلق العلماء وتطوير قدراتهم العلمية والابتكارية».
وفى الوقت الذى لم تحاول فيه مصر الاستفادة من ابنها الفذ على الصعيد العلمي، كانت للدكتور أحمد زويل مشاركة فعالة خلال أحداث ثورة ٢٥ يناير، التى أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأسفرت عن العديد من التغيرات الدستورية والحكومية، كما كان أحد أعضاء لجنة الحكماء التى تشكلت من مجموعة من مفكرى مصر لمشاركة شباب الثورة، فى القرارات المتخذة بشأن تحسين الأوضاع السياسية، والقضاء على رموز الفساد، وتبنى مبادرة لإنشاء «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» من أجل تنفيذ مشروعه القومي، لترسيخ قواعد العلم الحديث وتطوير المنظومة التعليمية فى مصر.
ومن أبرز ما حاول «زويل» تقديمه لمصر فى هذه الفترة العصيبة، أطلق بعد لقائه مع ممثلين من جميع الأطراف السياسية، مبادرة للخروج من الأزمة، طالب من خلالها الرئيس حسنى مبارك، بأن يكون أول رئيس لأكبر دولة فى الشرق الأوسط يسلم السلطة وهو على قيد الحياة.
ولم تمر وفاة زويل دون إثارة، حيث شكك جورج قلادة رئيس جمعية المصريين بإيطاليا، فى ملابسات وفاة زويل، متهما أمريكا باغتياله بـ«السرطان» بعد انتهاء أبحاثه العلمية لضمان دفن عقله وأسراره، وأضاف عبر صفحته على «فيسبوك»: «سياسة أمريكا فى تبنى العلماء تنتهى غالبا بنهايات مأساوية لضمان دفن الأسرار العلمية وعدم استفادة الدول النامية من عقول أبنائها».
وكان «زويل» أعلن عن إصابته بورم سرطانى فى النخاع الشوكي، لكنه عاد وأكد بعد ذلك أنه تخطى الفترة الحرجة من مرضه، وأنه يتعافى تدريجيا مع العلاج الذى يخضع له، وقال وقتها: «تعديت الفترة الحرجة من مرضي، وأنا بحالة جيدة الآن، أنا فى نهايات مراحل العلاج والنقاهة».