%98 من السكان مسلمون ولا يتحدثون العربية
«هكونا مطاطا» الكلمة الأكثر ترديدًا وتعنى «كل شىء على ما يرام»
«الموز» مثل البطاطس لدى الأهالي
مصر تعني لهم «أبوتريكة» و«الحضرى»
المنازل مزخرفة بـ«التراث الإسلامى» والفقر منتشر بين الأهالي
قبل ساعات قليلة من رحلتى إلى دولة في القارة السمراء، نعتنى البعض بالجنون لسفرى إلى دولة لا يعرف عنها أحد شيئا إلا أنها دولة فقيرة ومليئة بالأوبئة والمذابح والفوضى، ولكن لزميلى في مقعد الطائرة السائح السلوفاكى رأى آخر، فيرى أن تنزانيا تشبه جزر المالديف، وقال لى إنه كان يريد الذهاب إلى جزر المالديف ومنعته أسعارها المرتفعة من تحقيق ذلك، وبعد البحث عبر الإنترنت وجد في «تنزانيا» معالم جميلة شبيهة بالمالديف، وأرخص سعرًا، ونصحه أصدقاؤه بالسفر إليها.
لمن لا يعرف تنزانيا هي دولة في شرق وسط أفريقيا، تحدها كينيا وأوغندا من الشمال، ورواندا وبوروندى وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا وملاوى وموزمبيق إلى الجنوب، وتقع الحدود الشرقية للبلاد على المحيط الهندى، وتعتبر تنزانيا جمهورية اتحادية مؤلفة من 26 منطقة أو «ميكوا» باللغة الساحلية، عاصمتها الحالية هي دودوما، بعد تغيير مدينة السلام عام 1996، ولكنها مازالت المدينة الساحلية الرئيسية والتجارية الأكبر في الدولة.
في الجزيرة الغامضة
كانت الرحلة إلى جزيرة «زنجبار» تحديدًا، وهى مجموعة جزر واقعة بالمحيط الهندي، وتعود أصل التسمية إلى كلمة عربية كانت تطلق عليها إبان الاستعمار العمانى لها، وهى «بر الزنج»، واشتق اسم جمهورية تنزانيا من دمج الأحرف الأولى من كلمة «زنجبار» و«تنجانيقا» عقب ثورة ١٩٦٤ على العمانيين، والتي أسفرت عن مصرع ١٢ ألف عماني، أما الغريب في الأمر أن ساكنى جزيرة «زنجبار» يرفضون أن يوصفون بـ«التنزانيين»، مؤكدين أنهم من أصول «زنجبارية» وليست «تنزانية».
وصلنا مطار «زنجبار» في تمام الثانية ظهرا بتوقيتهم، وفرق التوقيت كان ساعة فقط، لا توجد أتوبيسات لتنقلنا إلى المطار، وتحركنا سيرا على الأقدام إلى صالة المطار، وهو ليس مطارًا بالمعنى المفهوم، بل صالة صغيرة للغاية بها عدة نوافذ لإعطاء تأشيرة الدولة، مقابل ٥٠ دولارا في غضون خمس عشرة دقيقة على الأكثر، أخذنا حقائبنا من على الأرض بدون أي مجهود أو تفتيش وخرجنا من المطار.
فور خروجي، وجدت «خميس وعبدالله» ينتظرانى لنقلى لمحل الإقامة في قرية صغيرة للغاية. في البداية استغربت الأسماء العربية، ولكن مع الوقت اكتشفت أنها طبيعية في الجزيرة التي نسبة المسلمين بها ٩٨٪ من السكان، البالغ عددهم مليون ونصف مليون نسمة، وبالرغم من الاحتلال العمانى لها لفترة تقرب من الألف عام، إلا أنهم لا يتحدثون العربية.
اللون الأخضر كان المسيطر في كل مكان، أشجار الموز والأناناس وجوز الهند تملأ الجانبين، قال السائق عبدالله إن هذه الأشجار تنمو مع هطول الأمطار، وهى ليست ملكا لأحد وتعتبر طعاما للفقراء من السكان، وأمام كل منزل عدد من الدجاج والماعز.
«هكونا مطاطا» كلمة ترددت كثيرا طوال الطريق بين عبدالله وخميس، فسألت عنها وعرفت أنها تعنى أن كل شيء على ما يرام. الزارعة هي المهنة الرئيسية في البلد، الموظفون مرتباتهم لا تزيد على المائة دولار في الشهر، العملة الرسمية هي «الشلن التنزاني» والذي يعادل ١٠٠٠ شلن، بخمسة جنيهات مصرية فقط لا غير، التعليم ينتهى بالمرحلة الثانوية في المدينة، والجامعية في العاصمة فقط، واللغة هي السواحلية واللغة الثانية هي الإنجليزية لمن يستطيع تعلمها.
وصلنا الفندق الذي يقبع في قرية صغيرة تبعد ساعة عن المطار واسمها «كوانجو»، وتضم عددا من الفنادق والمنتجعات الفخمة، استقبلنى «على» بعصير تفاح ومنشفة باردة لترطيب حرارة الجو، «جامبو» هي كلمة الترحيب باللغة السواحلية، السلام باليد مع فرقعة إصبع الإبهام.
أول التعليمات في المكان هي ألا تشرب من مياه الصنبور على الإطلاق، حتى غسيل الأسنان أو «المضمضة» أثناء الوضوء، فهى للاستحمام فقط، والشرب من المياه المعدنية الموجودة بالغرفة، وأثناء تناول وجبة العشاء اكتشفت أنهم يعاملون الموز معاملة البطاطس في مصر، فيقطع شرائح ويقلى في الزيت ويقدم بجانب العشاء، العشاء كان في الهواء الطلق أمام المحيط الهادئ، الملاحظة الأولى أن المكان يعج بالسياح الأوروبيين من عدة دول مثل إيطاليا، ألمانيا، سلوفاكيا، وسلوفينيا.
في المطعم أنت لا تتناول طعامك بمفردك، اعرف أن هناك غربانا تنتظر الفرصة لتلتقط باقى طعامك وتطير، وفى الطرقات تجد زواحف بمختلف أحجامها وأنواعها، وهو شيء معتاد وغير مرعب إلا للأجانب، والهواتف النقالة هنا في الأغلب هي للاتصال فقط، لا توجد هواتف ذكية إلا مع بعض العاملين بالسياحة لكونهم يستخدمون «الواى فاي» للفنادق الموجودة على الشاطئ، والإنترنت عبر شبكات الاتصال غير موجود إلا في الشركات العالمية. وأغلب الفنادق المحلية غرفها تستوحى طابعها من تراث الدولة القديمة، فهى مبان خشبية بالكامل والمبنى الواحد لا يتعدى الثلاثة أدوار، السرائر محاطة بناموسية حتى لا تتعرض للدغ، ويقوم العاملون برش مبيد حشرى بعد أن يستأذنوك.
عرف «دامس»، بائع الوجوه الخشبية، أنى مصرية، فقال لى إن مصر هذه الأيام غير آمنة وبها انفجارات، فسألته عن مصدر معلوماته فأجاب أنه يعرف الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعى الأجنبية، بعد أن اشترى هاتفا ذكيا حديثا من المدينة، بالطبع أجبته أنها بعض الحوادث القليلة والبعيدة عن القاهرة وأنها في سيناء، ليقول: «اااه سيناء التي عبر منها رسول الله موسي»، وسألنى عن جبل موسى وأخبرنى أنه يتمنى زيارة موقع تجلى الله عز وجل عليه»، وعامل آخر قال لي: «اسمها مصر.. الله قال عنها في قرآنه الكريم إنها مصر، وذكرت عدة مرات بأنها مصر، فكيف تقومين أنتى بتغيير اسمها إلى إيجيبت»؟ وذلك بعد أن سألنى هو الآخر عن جنسيتي، ودائما يسألون عن الديانة حتى يتم تحذيرنا من وجود لحم خنزير.
محاولات المشى على الشاطئ باءت بالفشل، لوجود عدد لا بأس به من الباعة الموجودين على الشاطئ، لديهم أكشاك صغيرة لكى يجذبون السياح من الفندق، أمن الفندق يمنعهم من العبور إلى الداخل، ويتركهم فقط يشيرون إليك بالبضائع، وهى هدايا تذكارية أو سجائر بأسعار جيدة، المهنة الأكثر انتشارا هي «الوسيط» في الرحلات إلى الغابة أو وسط البلد أو أي مكان آخر تريده، فالأسعار في الفندق تبدأ من ٥٠ دولارا للفرد الواحد في أي من الرحلات، ولكن مع بعض الفصال مع الوسطاء تتمكن من الذهاب بـ٢٠ دولارا إلى الغابة، و٧ دولارات إلى وسط المدينة، و١٠ دولارات إلى رحلة غطس.
أبو تريكة والحضري
في البداية يظن الجميع أنى خليجية لأنى أتحدث العربية، ولكنى مع معرفتى أنى مصرية يصيح الجميع «أبوتريكة» و«عصام الحضري»، ويبتهجون أكثر بمعرفتى أنى مسلمة، مع التعليق الدائم «لماذا لا يوجد حجاب على رأسك ما دمت مسلمة؟»، في الطريق إلى رحلة الغطس أوقف شرطى السيارة وانزل السائق وبدأ في التضيق عليه، حتى أخرج السائق عدة أوراق نقدية كرشوة أعطاها إلى الشرطي، وقال لنا السائق: «السيارة يجب ألا يزيد العدد بها على ٧ أفراد، وأنتم ١٠، فقام بمساومتى إما أدفع رشوة أو الغرامة التي ستكون كبيرة للغاية».
عند الوصول إلى الشاطئ الذي من المفترض أن نقوم به برحلة الغطس المزعومة، عبرنا من قلب البيوت المبنية بالطين، والتي لا يوجد بها كهرباء أو مياه أو أي خدمات، يستخدمون كشافات صغيرة للإنارة يقومون بشحنها من مولد كهربائى يشترك في ثمنه الجميع.
الشباب المرافق في رحلة البحر لا يعرف القراءة أو الكتابة، وبالتالى لا يجيد اللغة الإنجليزية وبالتالى التفاهم شبه مستحيل باللغة السواحلية، انتظرنا عند الشاطئ لنجد قاربا صغيرا للغاية، اعتقدنا أنه وسيلة لنقلنا إلى اليخت كما قال لنا الوسيط «خميس»، لنكتشف أننا سنقضى الرحلة ذهابا وإيابا بهذا القارب في عرض المحيط، لنقوم برحلة غطس بدون أجهزة أكسجين، إذن نصب علينا، وليس أمامنا سوى محاولات بائسة للاستمتاع بالرحلة الشاقة في ذلك القارب المعرض للغرق في أي لحظة، في رحلة استمرت ٤٥ دقيقة، فسجدنا شكرا لله عند الوصول إلى الشاطئ دون أن نتعرض للغرق.
في اليوم التالى اتفقنا مع وسيط جديد، كل وسيط له صفقات محددة، فخميس لا يستطيع عمل رحلات إلى الغابة، الوسيط هذه المرة اسمه حسين، اتفقنا معه على الرحلة إلى الغابة بـ٢٠ دولارا فقط، وتكرر مشهد الرشوة من الشرطى عبر الطريق، وعرفنا أن رجال الشرطة يأخذون الرشوة منهم لأنهم يعملون بالسياحة، ويجنون الكثير من الأموال، وبالتالى لا يضرهم دفع جزء بسيط لهم بدلا من تحرير مخالفة لن يستفيد الشرطى منها شيئا.
في الغابة كان معنا «محمد»، مرشد يبلغنا بتاريخ الغابة، وأخبرنا بأن الأرض رطبة لكونها كانت غارقة بمياه المحيط، وجفت منذ ألف عام، ولكن المياه موجودة أسفل الأشجار التي تعتنى بنفسها، يعتز «محمد» بأن له جذورًا من قبائل «الفودوا»، أشهر قبائل أفريقيا في السحر الأسود، ويقول إن «الفودوا» هم من اخترعوا الجن، حيث لا وجود له إلا هنا في أفريقيا فقط.
استغرقت العودة إلى الفندق ساعة في طريق ممهد لكنه صغير للغاية وبلا إضاءة، وعلى طرف البلدة يوجد مقهى واحد وبه تلفاز يلتف حوله العشرات من أهالي المنطقة في مشهد شبيه بالأفلام المصرية القديمة قبل دخول الكهرباء إلى القرى والنجوع الفقيرة.
في الصباح الثالث قررت التنزه إلى داخل القرية، ويستيقظ الجميع مع صلاة الفجر، وتفتح المحال أبوابها في السابعة صباحا، قابلت مدرس الإنجليزى والجغرافيا بمدرسة القرية «خميس»، وطلبت منه زيارة للمدرسة التي يعمل بها، مدرسة ابتدائية للبنات فقط، فالاختلاط غير محبب في هذه المرحلة في القري، التعليم مجانى حتى الثانوي، ولكن لا يوجد سوى مدرسة ابتدائية، والإعدادية تبعد عن هنا كثيرا، والفقراء في البلد يتعدى نسبتهم الـ٨٠٪ وهم يجيدون قراءة القرآن والعمل في قطاع السياحة بإجادتهم للغة الإنجليزية فقط.
العتبة في تنزانيا
بدأت الاستعداد لزيارة «ستون تاون» أو المدينة القديمة باللغة السواحلية، وهى المدينة الرئيسية في منطقة الحكم الذاتى، هذه المرة كان «حسين» وسيطا بيننا وبين السائق الذي سيصاحبنا إلى «المدينة الحجرية»، اشترط «حسين» أن يكون التحرك مبكرًا حتى نستطيع العودة قبل السابعة مساء، وهو وقت متأخر للغاية في القرية التي نقطنها، حيث تغلق المحال أبوابها وتبدو القرية مع الظلام الدامس مسكن أشباح.
كالعادة تم تسليمنا إلى السائق عبر «حسين» الوسيط. استمرت الرحلة ٧٠ دقيقة تقريبا، على الجانبين يوجد العديد من المساجد ولكن كلها بدون مآذن، دور واحد وسقف من الصفيح مفروشة بالحصير ولا شيء آخر. أشار «خليل» السائق إلى أحد المبانى الفخمة وهو شيء غريب على المكان، قائلا: هذا منزل الرئيس «محمد على»، بالطبع يقصد رئيس زنجبار لأن نظام الحكم فيدرالى، وصلنا إلى المدينة، وكعادة أغلب المدن الطرق مزدحمة بالبشر والسيارات، التقينا «معراج» المرشد السياحى الذي سيرافقنا في الرحلة إلى المدينة مقابل ١٠ دولارات إضافية.
المكان هنا أشبه بالعتبة في القاهرة، سوق بها كل شيء من أكل وملابس وأوانٍ، الملاحظ أن الأسعار هنا تكاد تكون متقاربة بالأسعار التي في مصر، الأرز بـ١٣٠٠ شلن، أي ما يعادل ٧ جنيهات مصرية تقريبا، البطاطس ١٤٠٠ شلن، وكيلو البن ٣٥ دولارًا. تركنا الأسواق لنذهب إلى الشوارع الضيقة والممرات الصغيرة الشبيهة بممرات خان الخليلى، بازارات تبيع الوجوه الخشبية والهدايا التذكارية.
بدأ «معراج» تعريفنا بـ«المدينة الحجرية» والتي قيل إنها سميت بهذا الاسم لأن بها العديد من المبانى الأثرية الصخرية، وهى تقع على الساحل الغربى لشبه جزيرة «أنغوجا»، إحدى جزر «زنجبار» الرئيسية، وتبلغ مساحتها ٨٣ كيلو مترا مربعا، وتحتوى على ٢٣ مجمعا تجاريا وكاتدرائيتين، وأكثر من ٥٠ مسجدا و١٥٧ استراحة أو «برندا» باللغة السواحلية، وصنفتها الأمم المتحدة بأنها «إرث عالمى»، حيث يعود تاريخ هندستها المعمارية إلى القرن التاسع عشر، إضافة إلى وجود مزيج فريد من الثقافات العربية والفارسية والهندية والأوروبية، عكستها التأثيرات المتنوعة كمدينة سواحلية.
يؤكد «معراج» أن المدينة بنيت من المرجان والملاط وليس من الصخور، يوجد بالمدينة ما يقرب من ١٧٠٠ مبنى أثرى بنى بالصخور، صنف منها ١١٠٠ مبنى على أنها ذات دلالات معمارية مختلفة، وقفنا عند الكنيسة الإنجيلية والتي كانت سوقا للعبيد في القرن ١٩، وبعد ثورة السكان الأصليين للبلدة، بعد عدة سنوات من غلقها، تقدم المسيحيون الإنجيليون بالمدينة بطلب لاستخدمها كدار عبادة، وكانت السفن التي تأتى إلى المدينة، إبان الحماية البريطانية عليها، تحمل التوابل والرقيق إلى أوروبا كلها.
وصلنا إلى الحى العربى بالمدينة، حيث من تبقى من أصحاب الأصول العمانية وأصبحوا من أهل البلد، إضافة إلى اليمنيين الذين استقر بهم العيش في البلدة الهادئة. زين الحى لاستقبال الشهر الكريم، إضافة إلى جلوس العديد يلعبون الطاولة ويتسامرون، الطابع الإسلامى يسيطر تماما على المدينة، اللافت في المدينة ملابس النساء، فهن يضعن الحجاب مع ملابس قصيرة ومفتوحة، عكس نساء القرية اللاتى يرتدين فيها العباءات الواسعة في سن مبكرة، كلها ملابس عصرية كبنطلونات الجينز مع قميص من القطن للرجال، كذلك يوجد الزى العمانى المكون من جلباب أبيض وعمامة الرأس المميزة لأهالي سلطنة عمان.
وقفنا أمام حصن زنجبار أو القلعة العتيقة، والتي تشعر أمامها للوهلة الأولى أنها حصن منيع لا يستطيع أحد عبوره، ولكن المعلومة الطريفة أن ذلك الحصن سقط في أقصر معركة في التاريخ، والتي استمرت ٣٨ دقيقة عام ١٨٩٦، بعد أن قصفتها القوات البحرية البريطانية دون أن تستطيع القوات الزنجبارية حماية المدينة الصخرية. الطراز العربى يغلب على البلدة القديمة، فالبيوت أغلب أبوابها مزخرفة بأشكال من التراث الإسلامى المنتشر في سلطنة عمان، وهو ما أكده «معراج» أن هذه الزخارف من أيام الاحتلال العمانى للجزيرة.
حان وقت الرحيل.. «متى ستأتين مرة أخرى ؟» كان هذا سؤال «سعيدية» موظفة الفندق؟ أجبت لا أعرف متى أستطيع أن أزوركم مرة أخرى، قالت لى: «سعدنا برؤية مصريين هنا، لماذا لا تزورون زنجبار، إنها رائعة كما رأيتِ، ونحب مصر كثيرا فهى بلد الأزهر»، وفى طريق المطار كنا نتحدث عن مباراة كرة القدم بين مصر وتنزانيا، سألنا السائق عنها أجاب بأن منتخب تنزانيا الذي سيلعب وليس المنتخب الزنجبارى حتى يهتم بها.
المطار ثانية، موعد الطائرة كان فجرًا، الحقائب توزن على ميزان أشبه بالميزان المنزلى الشخصى، لا يوجد تفتيش أيضًا، وجدنا كل المحال مغلقة حيث يقومون ببدء العمل في السابعة صباحًا، لا توجد قهوة أو مياه للشرب، ظللنا ساعتين في انتظار الطائرة، التي أتت حتى باب المطار، لنذهب إليها سيرًا على الأقدام، كما دخلنا سيرًا على الأقدام.
«هكونا مطاطا» الكلمة الأكثر ترديدًا وتعنى «كل شىء على ما يرام»
«الموز» مثل البطاطس لدى الأهالي
مصر تعني لهم «أبوتريكة» و«الحضرى»
المنازل مزخرفة بـ«التراث الإسلامى» والفقر منتشر بين الأهالي
قبل ساعات قليلة من رحلتى إلى دولة في القارة السمراء، نعتنى البعض بالجنون لسفرى إلى دولة لا يعرف عنها أحد شيئا إلا أنها دولة فقيرة ومليئة بالأوبئة والمذابح والفوضى، ولكن لزميلى في مقعد الطائرة السائح السلوفاكى رأى آخر، فيرى أن تنزانيا تشبه جزر المالديف، وقال لى إنه كان يريد الذهاب إلى جزر المالديف ومنعته أسعارها المرتفعة من تحقيق ذلك، وبعد البحث عبر الإنترنت وجد في «تنزانيا» معالم جميلة شبيهة بالمالديف، وأرخص سعرًا، ونصحه أصدقاؤه بالسفر إليها.
لمن لا يعرف تنزانيا هي دولة في شرق وسط أفريقيا، تحدها كينيا وأوغندا من الشمال، ورواندا وبوروندى وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا وملاوى وموزمبيق إلى الجنوب، وتقع الحدود الشرقية للبلاد على المحيط الهندى، وتعتبر تنزانيا جمهورية اتحادية مؤلفة من 26 منطقة أو «ميكوا» باللغة الساحلية، عاصمتها الحالية هي دودوما، بعد تغيير مدينة السلام عام 1996، ولكنها مازالت المدينة الساحلية الرئيسية والتجارية الأكبر في الدولة.
في الجزيرة الغامضة
كانت الرحلة إلى جزيرة «زنجبار» تحديدًا، وهى مجموعة جزر واقعة بالمحيط الهندي، وتعود أصل التسمية إلى كلمة عربية كانت تطلق عليها إبان الاستعمار العمانى لها، وهى «بر الزنج»، واشتق اسم جمهورية تنزانيا من دمج الأحرف الأولى من كلمة «زنجبار» و«تنجانيقا» عقب ثورة ١٩٦٤ على العمانيين، والتي أسفرت عن مصرع ١٢ ألف عماني، أما الغريب في الأمر أن ساكنى جزيرة «زنجبار» يرفضون أن يوصفون بـ«التنزانيين»، مؤكدين أنهم من أصول «زنجبارية» وليست «تنزانية».
وصلنا مطار «زنجبار» في تمام الثانية ظهرا بتوقيتهم، وفرق التوقيت كان ساعة فقط، لا توجد أتوبيسات لتنقلنا إلى المطار، وتحركنا سيرا على الأقدام إلى صالة المطار، وهو ليس مطارًا بالمعنى المفهوم، بل صالة صغيرة للغاية بها عدة نوافذ لإعطاء تأشيرة الدولة، مقابل ٥٠ دولارا في غضون خمس عشرة دقيقة على الأكثر، أخذنا حقائبنا من على الأرض بدون أي مجهود أو تفتيش وخرجنا من المطار.
فور خروجي، وجدت «خميس وعبدالله» ينتظرانى لنقلى لمحل الإقامة في قرية صغيرة للغاية. في البداية استغربت الأسماء العربية، ولكن مع الوقت اكتشفت أنها طبيعية في الجزيرة التي نسبة المسلمين بها ٩٨٪ من السكان، البالغ عددهم مليون ونصف مليون نسمة، وبالرغم من الاحتلال العمانى لها لفترة تقرب من الألف عام، إلا أنهم لا يتحدثون العربية.
اللون الأخضر كان المسيطر في كل مكان، أشجار الموز والأناناس وجوز الهند تملأ الجانبين، قال السائق عبدالله إن هذه الأشجار تنمو مع هطول الأمطار، وهى ليست ملكا لأحد وتعتبر طعاما للفقراء من السكان، وأمام كل منزل عدد من الدجاج والماعز.
«هكونا مطاطا» كلمة ترددت كثيرا طوال الطريق بين عبدالله وخميس، فسألت عنها وعرفت أنها تعنى أن كل شيء على ما يرام. الزارعة هي المهنة الرئيسية في البلد، الموظفون مرتباتهم لا تزيد على المائة دولار في الشهر، العملة الرسمية هي «الشلن التنزاني» والذي يعادل ١٠٠٠ شلن، بخمسة جنيهات مصرية فقط لا غير، التعليم ينتهى بالمرحلة الثانوية في المدينة، والجامعية في العاصمة فقط، واللغة هي السواحلية واللغة الثانية هي الإنجليزية لمن يستطيع تعلمها.
وصلنا الفندق الذي يقبع في قرية صغيرة تبعد ساعة عن المطار واسمها «كوانجو»، وتضم عددا من الفنادق والمنتجعات الفخمة، استقبلنى «على» بعصير تفاح ومنشفة باردة لترطيب حرارة الجو، «جامبو» هي كلمة الترحيب باللغة السواحلية، السلام باليد مع فرقعة إصبع الإبهام.
أول التعليمات في المكان هي ألا تشرب من مياه الصنبور على الإطلاق، حتى غسيل الأسنان أو «المضمضة» أثناء الوضوء، فهى للاستحمام فقط، والشرب من المياه المعدنية الموجودة بالغرفة، وأثناء تناول وجبة العشاء اكتشفت أنهم يعاملون الموز معاملة البطاطس في مصر، فيقطع شرائح ويقلى في الزيت ويقدم بجانب العشاء، العشاء كان في الهواء الطلق أمام المحيط الهادئ، الملاحظة الأولى أن المكان يعج بالسياح الأوروبيين من عدة دول مثل إيطاليا، ألمانيا، سلوفاكيا، وسلوفينيا.
في المطعم أنت لا تتناول طعامك بمفردك، اعرف أن هناك غربانا تنتظر الفرصة لتلتقط باقى طعامك وتطير، وفى الطرقات تجد زواحف بمختلف أحجامها وأنواعها، وهو شيء معتاد وغير مرعب إلا للأجانب، والهواتف النقالة هنا في الأغلب هي للاتصال فقط، لا توجد هواتف ذكية إلا مع بعض العاملين بالسياحة لكونهم يستخدمون «الواى فاي» للفنادق الموجودة على الشاطئ، والإنترنت عبر شبكات الاتصال غير موجود إلا في الشركات العالمية. وأغلب الفنادق المحلية غرفها تستوحى طابعها من تراث الدولة القديمة، فهى مبان خشبية بالكامل والمبنى الواحد لا يتعدى الثلاثة أدوار، السرائر محاطة بناموسية حتى لا تتعرض للدغ، ويقوم العاملون برش مبيد حشرى بعد أن يستأذنوك.
عرف «دامس»، بائع الوجوه الخشبية، أنى مصرية، فقال لى إن مصر هذه الأيام غير آمنة وبها انفجارات، فسألته عن مصدر معلوماته فأجاب أنه يعرف الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعى الأجنبية، بعد أن اشترى هاتفا ذكيا حديثا من المدينة، بالطبع أجبته أنها بعض الحوادث القليلة والبعيدة عن القاهرة وأنها في سيناء، ليقول: «اااه سيناء التي عبر منها رسول الله موسي»، وسألنى عن جبل موسى وأخبرنى أنه يتمنى زيارة موقع تجلى الله عز وجل عليه»، وعامل آخر قال لي: «اسمها مصر.. الله قال عنها في قرآنه الكريم إنها مصر، وذكرت عدة مرات بأنها مصر، فكيف تقومين أنتى بتغيير اسمها إلى إيجيبت»؟ وذلك بعد أن سألنى هو الآخر عن جنسيتي، ودائما يسألون عن الديانة حتى يتم تحذيرنا من وجود لحم خنزير.
محاولات المشى على الشاطئ باءت بالفشل، لوجود عدد لا بأس به من الباعة الموجودين على الشاطئ، لديهم أكشاك صغيرة لكى يجذبون السياح من الفندق، أمن الفندق يمنعهم من العبور إلى الداخل، ويتركهم فقط يشيرون إليك بالبضائع، وهى هدايا تذكارية أو سجائر بأسعار جيدة، المهنة الأكثر انتشارا هي «الوسيط» في الرحلات إلى الغابة أو وسط البلد أو أي مكان آخر تريده، فالأسعار في الفندق تبدأ من ٥٠ دولارا للفرد الواحد في أي من الرحلات، ولكن مع بعض الفصال مع الوسطاء تتمكن من الذهاب بـ٢٠ دولارا إلى الغابة، و٧ دولارات إلى وسط المدينة، و١٠ دولارات إلى رحلة غطس.
أبو تريكة والحضري
في البداية يظن الجميع أنى خليجية لأنى أتحدث العربية، ولكنى مع معرفتى أنى مصرية يصيح الجميع «أبوتريكة» و«عصام الحضري»، ويبتهجون أكثر بمعرفتى أنى مسلمة، مع التعليق الدائم «لماذا لا يوجد حجاب على رأسك ما دمت مسلمة؟»، في الطريق إلى رحلة الغطس أوقف شرطى السيارة وانزل السائق وبدأ في التضيق عليه، حتى أخرج السائق عدة أوراق نقدية كرشوة أعطاها إلى الشرطي، وقال لنا السائق: «السيارة يجب ألا يزيد العدد بها على ٧ أفراد، وأنتم ١٠، فقام بمساومتى إما أدفع رشوة أو الغرامة التي ستكون كبيرة للغاية».
عند الوصول إلى الشاطئ الذي من المفترض أن نقوم به برحلة الغطس المزعومة، عبرنا من قلب البيوت المبنية بالطين، والتي لا يوجد بها كهرباء أو مياه أو أي خدمات، يستخدمون كشافات صغيرة للإنارة يقومون بشحنها من مولد كهربائى يشترك في ثمنه الجميع.
الشباب المرافق في رحلة البحر لا يعرف القراءة أو الكتابة، وبالتالى لا يجيد اللغة الإنجليزية وبالتالى التفاهم شبه مستحيل باللغة السواحلية، انتظرنا عند الشاطئ لنجد قاربا صغيرا للغاية، اعتقدنا أنه وسيلة لنقلنا إلى اليخت كما قال لنا الوسيط «خميس»، لنكتشف أننا سنقضى الرحلة ذهابا وإيابا بهذا القارب في عرض المحيط، لنقوم برحلة غطس بدون أجهزة أكسجين، إذن نصب علينا، وليس أمامنا سوى محاولات بائسة للاستمتاع بالرحلة الشاقة في ذلك القارب المعرض للغرق في أي لحظة، في رحلة استمرت ٤٥ دقيقة، فسجدنا شكرا لله عند الوصول إلى الشاطئ دون أن نتعرض للغرق.
في اليوم التالى اتفقنا مع وسيط جديد، كل وسيط له صفقات محددة، فخميس لا يستطيع عمل رحلات إلى الغابة، الوسيط هذه المرة اسمه حسين، اتفقنا معه على الرحلة إلى الغابة بـ٢٠ دولارا فقط، وتكرر مشهد الرشوة من الشرطى عبر الطريق، وعرفنا أن رجال الشرطة يأخذون الرشوة منهم لأنهم يعملون بالسياحة، ويجنون الكثير من الأموال، وبالتالى لا يضرهم دفع جزء بسيط لهم بدلا من تحرير مخالفة لن يستفيد الشرطى منها شيئا.
في الغابة كان معنا «محمد»، مرشد يبلغنا بتاريخ الغابة، وأخبرنا بأن الأرض رطبة لكونها كانت غارقة بمياه المحيط، وجفت منذ ألف عام، ولكن المياه موجودة أسفل الأشجار التي تعتنى بنفسها، يعتز «محمد» بأن له جذورًا من قبائل «الفودوا»، أشهر قبائل أفريقيا في السحر الأسود، ويقول إن «الفودوا» هم من اخترعوا الجن، حيث لا وجود له إلا هنا في أفريقيا فقط.
استغرقت العودة إلى الفندق ساعة في طريق ممهد لكنه صغير للغاية وبلا إضاءة، وعلى طرف البلدة يوجد مقهى واحد وبه تلفاز يلتف حوله العشرات من أهالي المنطقة في مشهد شبيه بالأفلام المصرية القديمة قبل دخول الكهرباء إلى القرى والنجوع الفقيرة.
في الصباح الثالث قررت التنزه إلى داخل القرية، ويستيقظ الجميع مع صلاة الفجر، وتفتح المحال أبوابها في السابعة صباحا، قابلت مدرس الإنجليزى والجغرافيا بمدرسة القرية «خميس»، وطلبت منه زيارة للمدرسة التي يعمل بها، مدرسة ابتدائية للبنات فقط، فالاختلاط غير محبب في هذه المرحلة في القري، التعليم مجانى حتى الثانوي، ولكن لا يوجد سوى مدرسة ابتدائية، والإعدادية تبعد عن هنا كثيرا، والفقراء في البلد يتعدى نسبتهم الـ٨٠٪ وهم يجيدون قراءة القرآن والعمل في قطاع السياحة بإجادتهم للغة الإنجليزية فقط.
العتبة في تنزانيا
بدأت الاستعداد لزيارة «ستون تاون» أو المدينة القديمة باللغة السواحلية، وهى المدينة الرئيسية في منطقة الحكم الذاتى، هذه المرة كان «حسين» وسيطا بيننا وبين السائق الذي سيصاحبنا إلى «المدينة الحجرية»، اشترط «حسين» أن يكون التحرك مبكرًا حتى نستطيع العودة قبل السابعة مساء، وهو وقت متأخر للغاية في القرية التي نقطنها، حيث تغلق المحال أبوابها وتبدو القرية مع الظلام الدامس مسكن أشباح.
كالعادة تم تسليمنا إلى السائق عبر «حسين» الوسيط. استمرت الرحلة ٧٠ دقيقة تقريبا، على الجانبين يوجد العديد من المساجد ولكن كلها بدون مآذن، دور واحد وسقف من الصفيح مفروشة بالحصير ولا شيء آخر. أشار «خليل» السائق إلى أحد المبانى الفخمة وهو شيء غريب على المكان، قائلا: هذا منزل الرئيس «محمد على»، بالطبع يقصد رئيس زنجبار لأن نظام الحكم فيدرالى، وصلنا إلى المدينة، وكعادة أغلب المدن الطرق مزدحمة بالبشر والسيارات، التقينا «معراج» المرشد السياحى الذي سيرافقنا في الرحلة إلى المدينة مقابل ١٠ دولارات إضافية.
المكان هنا أشبه بالعتبة في القاهرة، سوق بها كل شيء من أكل وملابس وأوانٍ، الملاحظ أن الأسعار هنا تكاد تكون متقاربة بالأسعار التي في مصر، الأرز بـ١٣٠٠ شلن، أي ما يعادل ٧ جنيهات مصرية تقريبا، البطاطس ١٤٠٠ شلن، وكيلو البن ٣٥ دولارًا. تركنا الأسواق لنذهب إلى الشوارع الضيقة والممرات الصغيرة الشبيهة بممرات خان الخليلى، بازارات تبيع الوجوه الخشبية والهدايا التذكارية.
بدأ «معراج» تعريفنا بـ«المدينة الحجرية» والتي قيل إنها سميت بهذا الاسم لأن بها العديد من المبانى الأثرية الصخرية، وهى تقع على الساحل الغربى لشبه جزيرة «أنغوجا»، إحدى جزر «زنجبار» الرئيسية، وتبلغ مساحتها ٨٣ كيلو مترا مربعا، وتحتوى على ٢٣ مجمعا تجاريا وكاتدرائيتين، وأكثر من ٥٠ مسجدا و١٥٧ استراحة أو «برندا» باللغة السواحلية، وصنفتها الأمم المتحدة بأنها «إرث عالمى»، حيث يعود تاريخ هندستها المعمارية إلى القرن التاسع عشر، إضافة إلى وجود مزيج فريد من الثقافات العربية والفارسية والهندية والأوروبية، عكستها التأثيرات المتنوعة كمدينة سواحلية.
يؤكد «معراج» أن المدينة بنيت من المرجان والملاط وليس من الصخور، يوجد بالمدينة ما يقرب من ١٧٠٠ مبنى أثرى بنى بالصخور، صنف منها ١١٠٠ مبنى على أنها ذات دلالات معمارية مختلفة، وقفنا عند الكنيسة الإنجيلية والتي كانت سوقا للعبيد في القرن ١٩، وبعد ثورة السكان الأصليين للبلدة، بعد عدة سنوات من غلقها، تقدم المسيحيون الإنجيليون بالمدينة بطلب لاستخدمها كدار عبادة، وكانت السفن التي تأتى إلى المدينة، إبان الحماية البريطانية عليها، تحمل التوابل والرقيق إلى أوروبا كلها.
وصلنا إلى الحى العربى بالمدينة، حيث من تبقى من أصحاب الأصول العمانية وأصبحوا من أهل البلد، إضافة إلى اليمنيين الذين استقر بهم العيش في البلدة الهادئة. زين الحى لاستقبال الشهر الكريم، إضافة إلى جلوس العديد يلعبون الطاولة ويتسامرون، الطابع الإسلامى يسيطر تماما على المدينة، اللافت في المدينة ملابس النساء، فهن يضعن الحجاب مع ملابس قصيرة ومفتوحة، عكس نساء القرية اللاتى يرتدين فيها العباءات الواسعة في سن مبكرة، كلها ملابس عصرية كبنطلونات الجينز مع قميص من القطن للرجال، كذلك يوجد الزى العمانى المكون من جلباب أبيض وعمامة الرأس المميزة لأهالي سلطنة عمان.
وقفنا أمام حصن زنجبار أو القلعة العتيقة، والتي تشعر أمامها للوهلة الأولى أنها حصن منيع لا يستطيع أحد عبوره، ولكن المعلومة الطريفة أن ذلك الحصن سقط في أقصر معركة في التاريخ، والتي استمرت ٣٨ دقيقة عام ١٨٩٦، بعد أن قصفتها القوات البحرية البريطانية دون أن تستطيع القوات الزنجبارية حماية المدينة الصخرية. الطراز العربى يغلب على البلدة القديمة، فالبيوت أغلب أبوابها مزخرفة بأشكال من التراث الإسلامى المنتشر في سلطنة عمان، وهو ما أكده «معراج» أن هذه الزخارف من أيام الاحتلال العمانى للجزيرة.
حان وقت الرحيل.. «متى ستأتين مرة أخرى ؟» كان هذا سؤال «سعيدية» موظفة الفندق؟ أجبت لا أعرف متى أستطيع أن أزوركم مرة أخرى، قالت لى: «سعدنا برؤية مصريين هنا، لماذا لا تزورون زنجبار، إنها رائعة كما رأيتِ، ونحب مصر كثيرا فهى بلد الأزهر»، وفى طريق المطار كنا نتحدث عن مباراة كرة القدم بين مصر وتنزانيا، سألنا السائق عنها أجاب بأن منتخب تنزانيا الذي سيلعب وليس المنتخب الزنجبارى حتى يهتم بها.
المطار ثانية، موعد الطائرة كان فجرًا، الحقائب توزن على ميزان أشبه بالميزان المنزلى الشخصى، لا يوجد تفتيش أيضًا، وجدنا كل المحال مغلقة حيث يقومون ببدء العمل في السابعة صباحًا، لا توجد قهوة أو مياه للشرب، ظللنا ساعتين في انتظار الطائرة، التي أتت حتى باب المطار، لنذهب إليها سيرًا على الأقدام، كما دخلنا سيرًا على الأقدام.