الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إنْ سَلِمَتْ ناقتي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اكتشفت أنا وبعض أصدقائى أثناء تنزهنا فى ميناء أنتويرب البلجيكى مساحة من الأرض المكتسية بالخضرة تجرى فيها أرانب برية.. كان هذا منذ سنوات يقترب مجموعها من نحو عقدين ونصف العقد من الزمان.
فجرينا وراءها طمعاً فى المرح والابتهاج فدخلت جحورها هرباً من الخطر والإرهاب! فرحلنا.. وفى اليوم التالى عُدنا - بقصد الاستمتاع برحلة - ومعنا (بلطة) وقد عزمنا على أن نأكل منها فى ذلك اليوم وجبة، فلما رأتنا خافت منا ودخلت جحورها، فأخذنا نهدم جحراً منها بالبلطة إلى أن اكتشفنا أن مسألة صيد الأرانب صعبة وليست سهلة لأن جحورها تحت الأرض كلها متصلة فيما بينها وكأنها شبكة وذلك لتقى أنفسها من شر أمثالنا، فتعجبنا من شدة ذكائها وقوة اتحادها، ثم انصرفنا وبخُفى حُنَين رجعنا!
هناك مثل عربى يقول: «إنْ سَلِمَتْ ناقتى.. وإيشْ عَلىّ من رفاقتي!»، أى إن سَلِمَتْ ناقتى لا يعنينى أن تَسلم نوق من هم بصحبتي!.. وهذا الخُلُق لا يليق بنا، ولا يقره إسلامنا.. وليست فى كل مرة تسلم الجرة.
يُحكى أن أسداً صادق ثلاثة ثيران مختلفة الألوان، أولها لونه أبيض وثانيها لونه أسود وثالثها لونه أحمر.. وعاشوا فى أمان إلى أن بلغ الأسد الكِبَر بمرور الأيام، وفقد كثيراً من الحيوية والنشاط، وأصبح الصيد فى نظره أمراً شاقاً، فعقد مع الثورين الأسود والأحمر اجتماعاً مغلقاً وقال لهما ناصحاً: إن الثور الأبيض ناصع البياض وقد يتسبب لونه فى أن يدل علينا الأعداء فى الظلام، وأنا كما تعلمان صرتُ بعدما ولَّّى الشباب لا أقوى على الدخول فى صراع وعداء مع الأقوياء من الحيوانات وخاصة فى الظلام، فأذنا لى بأن آكله حتى نسلم جميعاً من الشر الذى قد نواجهه، فوافق الثوران من باب الخوف والاضطرار وهما حزينان، فافترس الأسد الثور الأبيض أمامهما مستمداً شرعية فعله من موافقتهما.
ثم مرت أيام عاش فيها الثوران مع الأسد المَكّار فى أمان تحول إلى سراب حين شعر الأسد العجوز بالجوع فى يوم عجز فيه عن أن يصطاد، فاجتمع بالثور الأحمر على انفراد، وأخذ يسمعه كلاماً يعجبه قائلاً له: إن لونك يشبه لونى ومن يراك يظنك أسداً مثلى، والثور الأسود مختلف لونه عن لونك ولونى، فدعنى أسِدُ به جوع بطني!.. فوافق الثور الأحمر على مضض طالما أنه يعيش بمعزل عن الخطر.
ثم لم تكد تمر أيام عاش فيها الصديقان تحت مظلة وهمية من الأمان حتى فوجئ الثور بالأسد العجوز يشكو من الجوع وينظر إليه نظرة القط إلى الفأر، فعلم الثور أن مصيره سيصبح كمصير الثورين.. وقال بيأس: لن أستطيع اليوم وحدى أن أمنعك من أكلى.. لقد أُكِلتُ حقاً يوم أكِلَ الثورُ الأبيض.
متى يرفرف فى سماء بلادنا علم اتحادها ويصير التعاون فيما بينها فى صورة شبكة كالتى صنعتها الأرانب البرية تحت الأرض فى أنتويرب؟!.. يرفع أعداؤنا فى حروبهم ضدنا شِعَارَ المثل: فَرِق تَسُد، ونحن يجب أن ننبذ الفرقة التى أصابتنا بالوَهَن ونزعت من صدور أعدائنا المهابة منا فتداعت علينا الأمم.. أما يكفينا لنبذ فرقتنا ضياع أكثر من دولة منا؟!
سفن بلادنا فى بحر الدنيا متفرقة ويستهدفها الآن من كل صَوب القراصنة مثلما يستهدف الذئب الغنم القاصية.. ومن العجيب أن يأبى الربابنة - حتى فى هذا الوقت العصيب - أن يجعلوا سفننا أسطولاً كبيراً لشركة ملاحية واحدة تستطيع التصدى لعمليات القرصنة وتقوم على شئون كل قِطَع الأسطول! يا ملوكَ بلادنا ورؤساءَها: (تأبى العِصِّيُ إن اجتمعن تكَسُراً.. وإن تفرقن تكَسَرَتُ آحادا).. وضياعنا نحن فى رقابكم كقادة وحكام.. فلا حول ولا قوة لنا مثلكم ولا سلطان.