السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بروفايل

"نهر البارد" بخان يونس.. حياة بطعم الموت

صورةأرشيفية
صورةأرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتنوع مآسي سكان قطاع غزة مع تواصل الحصار الإسرائيلي للعام العاشر على التوالي، فتارة بسبب تفاقم الأزمات المعيشية اليومية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والمحروقات، وتارة أخرى نتيجة الفقر، وثالثة جراء تفشي البطالة خصوصا بين الشباب والخريجين.
ومن بين هذه المآسي، تتجلى مأساة عشرات الأسر الفقيرة التي أقامت على أرض حكومية منخفضة بمنطقة "بطن السمين" غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة مساكن بدائية مؤقتة غير مسقوفة ومبنية من الحجارة وألواح الزينكو "الصفيح" والقماش والنايلون الذي لا يقي برد الشتاء ولا حر الصيف وتفصلها طرقات رملية ضيقة وتنعدم فيها أبسط مقومات الحياة الإنسانية.
هذه الأسر البائسة أطلقت على هذه المنطقة السكنية العشوائية التي تفتقر للرعاية الصحية والكهرباء والمياه النظيفة ويحيط بها إحدى المقابر الأثرية القديمة ومكب للنفايات ومجزر إلى اسم مخيم "نهر البارد" للفت الانتباه إلى أن معاناتهم لا تختلف كثيرا عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المخيم الذي يحمل نفس الاسم في لبنان.
ويصل عدد منازل "بطن السمين" إلى نحو 100 منزل، وعدد السكان إلى نحو 400 نسمة، ومع ذلك فإن مظاهر الحياة الطبيعية تغيب عن المنطقة التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن الحي النمساوي الراقي بخان يونس لتحل محلها مظاهر البؤس والفقر المدقع والمرض.
وتزداد معاناة السكان في فصل الشتاء حيث تتدفق المياه إلى داخل المنطقة المنخفضة عدة أمتار عن مستوى المناطق المحيطة، فتؤدى إلى غرق جميع المنازل بلا استثناء، كما يفتقدون إلى البنية التحتية ووسائل العيش كالوقود والغاز مما جعلهم يعتمدون على وسائل بدائية كالحطب في الطهي والتدفئة.
يقول عمار الدوش أحد سكان المنطقة البائسة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن سبب تسمية المنطقة بـ"نهر البارد" تعود إلى شدة البرودة خلال فصل الشتاء، إضافة إلى لفت الأنظار إلى معاناة سكانها التي تتشابه مع معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وأضاف الدوش (40 عاما) وهو أب لسبعة من الأبناء: "الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرتني على السكن في هذه المنطقة، فالسكن هنا أفضل من الإيجار لأنني لم أتمكن من سداد أجرة ايجار المنزل الذي كنت أقطنه برفح".
وبأسى يشير إلى منزله قائلا: "هذا ليس منزلا.. أنا أعيش في غرفة من الزينكو لا تصلح للحياة الآدمية..الكلاب هاجمت أبنتي الرضيعة ليلا، وكل يوم أنقل أحد أبنائي إلى المستشفى للعلاج بعد إصابتهم بأمراض مزمنة بسبب رائحة القمامة".
وتابع الدوش الذي يعمل "ترزي" وأصبح عاطلا عن العمل بسبب الحصار وما نجم عنه من ركود اقتصادي: "في الشتاء تغمر مياه الأمطار الغرفة، فاضطر إلى إرسال زوجتي وأولادي إلى منزل عائلتها في رفح إلى حين يتوقف سقوط المطر".
وأردف:"إبني الأكبر ينفق على وعلى أخوته من خلال عمله في فصل أسياخ الحديد من ركام المنازل المهدمة جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة لبيعها بثمن بخس لا يتعدى 8 شواكل "نحو دولارين" في كل مرة".
وتفرض إسرائيل حصارا بحريا وبريا وجويا صارما على قطاع غزة منذ 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو من العام التالي، وما زال الحصار مستمرا رغم تشكيل حكومة التوافق الوطني في 2 يونيو 2014.
وتسبب "الحصار" في معاناة نحو مليوني فلسطيني هم عدد سكان القطاع الساحلي الضيق الممتد على البحر المتوسط والتي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترا مربعا من أوضاع اقتصادية وإنسانية كارثية ومأساوية وثقتها تقارير محلية ودولية.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن 40% من سكان القطاع البالغ عددهم 95. 1 مليون نسمة يقعون تحت خط الفقر، فيما يتلقى 80% منهم مساعدات إغاثية، وأن 922 ألف لاجئ بغزة أصبحوا بحاجة للمساعدات، إلى جانب حاجتهم الملحة للرعاية الصحية والمأوى والتعليم والحماية الأساسية والأمن، وأن 6 من كل 10 عائلات تعاني من انعدام الأمن الغذائي، منها 27% انعدام حاد، و16% انعدام متوسط، و14% نقص في الأمن الغذائي.
وفي منزل مجاور لمنزل الدوش، تقوم الحاجة أمينة صيام "أم إبراهيم" التي تقطن المنطقة منذ خمس سنوات بطهي الطعام باستخدام الحطب لأسرتها المكونة من 12 فردا بسبب عدم قدرتها على شراء أنبوبة غاز الطهي.
وتقول "أم إبراهيم" بصوت واهن: "هذه أراض حكومية نقيم فيها لعدم وجود مساكن تأوينا، وكلما حاول أحد السكان ترميم منزله أو توسعة البناء كي يصلح للاستخدام الأدمي تأتي البلدية وتقوم بهدم ما تم بناؤه".
وأضافت:"نحن منسيون ونعيش تحت الصفر.. الفقر والجوع والمرض ينخر في أجسادنا، ولا أحد من المسئولين يلتفت إلينا أو يهتم بمأساتنا"، مشيرة إلى أن الشباب عاطل عن العمل والأزواج لا يستطيعون توفير لقمة العيش لأولادهم والكثير من الأسر تطلب مساعدة الجمعيات الخيرية.
وتشير احصاءات رسمية إلى أن معدل البطالة في قطاع غزة هو الأعلى في العالم، حيث وصلت إلى 43%، وبلغت بين الإناث 63% وبين الذكور 37%، وبين فئة الشباب 62%.
وناشدت الحاجة الستينية حكومة التوافق والجهات المختصة في غزة بتقديم يد العون لسكان المنطقة وإغاثتهم والتخفيف من معاناتهم وتوفير مساكن بديلة ملائمة لهم.
ويلتقط طرف الحديث جارها عبدالله محمود قائلا:" منطقة نهر البارد عبارة عن "مزبلة" لا يعترف بها أحد وهي مأوى للحشرات والعقارب والثعابين التي تغزوها خلال الصيف".
ويضيف عبدالله وهو خريج جامعي عاطل عن العمل في العشرينيات من العمر: "جئنا إلى هنا بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 لعدم وجود منزل لنا، وبنينا المنزل من الحجارة القديمة بمساعدة أهل الخير وبعد عناء أوصلنا له الكهرباء".
وتابع:" معاناتنا تتفاقم في الشتاء والصيف، ففي الشتاء تتسرب مياه الأمطار من السقف والجدران وتغمر المنزل ونعمل طوال اليوم على تصريفها، وفي الصيف تنبعث الروائح الكريهة من مكب النفايات إلى داخل المنازل وتنتشر الحشرات الضارة والقوارض والكلاب الضالة".