السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

تسوية اللحظات الأخيرة تنقذ جلسة البرلمان اللبناني.. وقانون الانتخابات يربك التحالفات القديمة وإقرار "استعادة الجنسية".. والسعودية تجمع الفرقاء على طاولة واحدة

البرلمان اللبناني
البرلمان اللبناني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادتهم نجح الساسة اللبنانيون في الاتفاق في اللحظات الأخيرة، وإنقاذ البلاد من أزمة سياسية كادت تضيف للبلاد استقطابا جديدا إسلاميا مسيحيا يضاف إلى الاستقطاب الشيعي السني الموجود أصلا.
نجحت الاتصالات السياسية المكثفة في إنقاذ الجلسة التشريعية للمجلس النواب اللبناني التي عقدت، اليوم الخميس، لأول مرة منذ عام بعد أن تصاعدت الخلافات بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع بسبب إصرار الأخير على إدراج قانون الانتخابات النيابية على جدول الأعمال أو تأجيل الجلسة، بينما كان بري يتخوف من إدراج القانون لأن هناك خلافات كثيرة حول هذا القانون مما قد يؤثر على الموضوعات الأخرى الضرورية المدرجة على جدول الأعمال مثل القوانين الخاصة بغسيل الأموال والتحويلات المالية، وقروض دولية مقدمة للبنان وهي قوانين ملحة في ظل تهديدات دولية بعزل لبنان عن النظام المالي الدولي والتوقف عن إقراضها.
وفي مواجهة تصميم بري على عقد الجلسة، أصر جعجع يؤيده تكتل التغيير والإصلاح برئاسة العماد ميشال عون على إدراج قانون الانتخابات، وصلت الأزمة لمرحلة حرجة، حتى أن تسريبات إعلامية تحدثت عن نية الأحزاب المسيحية قطع بعض الطرقات في مناطق نفوذهم ومنع بعض النواب من الوصول إلى مقر المجلس.
وازدادت الأزمة حدة نظرا لأن حزب القوات اللبنانية اعتبر أن غياب أكبر قوتين سياستين في لبنان القوات والتيار العوني يفقدها ميثاقيتها (أي ميثاق العيش المشترك والمشاركة في السلطة بين المسلمين والمسيحيين).. فيما يؤكد رئيس مجلس النواب أن مشاركة النواب المسيحيين المستقلين توفر الميثاقية للجلسة.
وبعد أن وصلت الأمور للذروة جاء من الحل من الرياض، فالعاصمة السعودية التي جمعت قادة الدول العربية والأمريكية الجنوبية جمعت أيضا جزءا كبيرا من أعضاء الحكومة اللبنانية من أطياف مختلفة في مقدمتهم رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء الأربعة سمير مقبل ووائل أبو فاعور وجبران باسيل وعلي حسن خليل، إضافة إلى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.
وأتاح هذا التجمع الفرصة لإجراء اتصالات سياسية واسعة انتهت بتسوية تتضمن إقرار قانون استعادة الجنسية الذي تهتم به القوى المسيحية؛ لأنها ترى أن أغلب المهاجرين من المسيحيين مما قد يعيد التوازن المفقود بين الطوائف جراء الهجرة المسيحية الواسعة.
كما تم الاتفاق على قانون تحرير أموال البلديات (منح البلديات لحصتها من أموال شركات المحمول) لتوفير التمويل لحل أزمة النفايات.
أما الأهم فكان الاتفاق على إدراج قانون الانتخابات النيابية على رأس جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة، ثم تشكيل لجنة نيابية مصغرة من جميع الكتل مع مهلة شهرين لإنجاز مشروع قانون انتخاب متوافق عليه، وفي حال فشل اللجنة تتم إحالة كل المشاريع الانتخابية المطروحة الى اللجان المشتركة.
الجديد في الأزمة السياسية الأخيرة، أنها كادت تصل إلى تأزم إسلامي مسيحي بدلا من الاستقطاب السني والشيعي في لبنان والانقسام بين 14 آذار بقيادة تيار المستقبل و8 آذار بزعامة حزب الله السائد في البلاد منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري في عام 2005.
فقانون الانتخابات أربك كل التحالفات والخصومات التي استقرت في لبنان عقب اغتيال الحريري وخروج القوات السورية من البلاد.
فجعجع وعون العدوان القديمان في ساحات الحرب الأهلية وميادين السياسة اختبرا أول نجاح عملي لورقة إعلان النوايا بينهما باعتبارهما أكبر حزبين في البلاد، وإن كان جعجع قد تصدر المشهد بإصراره على إدراج القانون، أو أن يقاطع الجلسة، وبالتالي يعتبرها غير ميثاقية، وما يترتب عليها من فقدان للشرعية بل وتهديد للتعايش المشترك وفقا للأعراف السياسية اللبنانية التي تستند لما يعرف بالميثاق الوطني الذي أسس الدولة اللبنانية الحديثة والذي وضعه الرئيس اللبناني الماروني المسيحي بشارة خوري، ورئيس الورزاء السني رياض الصلح في عام 1943.
في المقابل فإن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أصر على عقد الجلسة ومؤكدًا أنها ميثاقية، وذلك تخوفا على البلاد من استمرار تعطيل مجلس النواب اللبناني بعد أن وصلته تحذيرات دولية متعددة ولأنه يعلم أنه لو انتظر إرضاء كل الأطراف لما انعقد المجلس.
أما تيار المستقبل وحزب الله الخصمان اللدودان في الساحة السياسية اللبنانية فكانا موقفهما الأكثر تشابها، فكلاهما كان يريد عقد الجلسة بعد أن تعطل العمل التشريعي في البلاد منذ خلو منصب الرئاسة في 25 مايو من العام الماضي، مما يهدد اقتصادها جراء عدم إقرار قوانين مالية مهمة دوليا فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال إضافة إلى خطر ضياع قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار.

كما أن المستقبل وحزب الله في الوقت ذاته لايريدان إغضاب حليفيهما المسيحيين الكبيريين، فحزب القوات اللبنانية هو أكبر وأهم حليف لتيار المستقبل، والتيار الوطني الحر الذي أسسه العماد ميشال عون هو أهم وأكبر حليف لحزب الله، بينما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري هو الحليف الأقرب لحزب الله، وشريكه في قيادة الطائفة الشيعية وفي المواجهة مع إسرائيل، كذلك بري بالنسبة لتيار المستقبل هو المحاور المفضل، والمنافس المقرب بين كل مكونات 8 آذار الأخرى.
وبينما يبدو للعالم أن المعضلة الكبرى في لبنان هي انتخاب رئيس للبلاد بعد عام ونصف من الفراغ الرئاسي، فإن قانون الانتخابات هو المشكلة الأعمق التي يصعب التوافق عليها.
الاصطفاف الإسلامي المسيحي الذي خلقه قانون الانتخابات هو لأسباب تتعلق بالمصالح وليس باختلاف الأديان، فقانون الانتخابات هو أهم قانون سياسي في لبنان، وأهم حتى من انتخاب رئيس للبلاد لأنه على أساس هذا القانون يتشكل مجلس النواب الذي ينتخب بدوره الرئيس، ويشكل الحكومة ويضع القوانين.
وفي بلد طائفي مثل لبنان، فإن قانون الانتخابات البرلمانية هو الذي يحدد النتيجة إلى حد كبير قبل إجراء الانتخابات، وليس تقلبات الرأي العام أو برامج الأحزاب.
فالناخب اللبناني يختار بناء على عوامل طائفية وحزبية ومناطقية وعشائرية وليس على أساس عوامل سياسية كما في دول العالم الأخرى، وغالبا مايتبع الناخب زعيمه مهما تغيرت إتجاهاته.
فالدروز أيدوا زعيمهم وليد جنبلاط عندما تحالف مع سوريا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وبعدها، ثم واصلوا تأييده عندما أصبح خصما لها قبيل اغتيال رفيق الحريري عام 2005 ثم عودته عن هذا العداء إثر اقتحام عناصر حزب الله لمناطقهم فيما يعرف بأحداث 7 مايو 2008، وظلوا على تأييدهم لجنبلاط حتى بعد أن عاد معاديا لنظام الرئيس بشار الأسد مؤيدا للثورة السورية بكل أطيافها حتى المتطرف منها أحيانا.
وينطبق هذا على معظم الطوائف اللبنانية ولو بصورة أقل، أما ما يغير النتائج في لبنان فهو توزيع الدوائر، فالمسيحيون يشكون مثلا من أن جزءا كبيرا من أصواتهم يهدر في مناطق يشكلون فيها أقلية مثل عكار حيث توجد أغلبية سنية، وبالتالي فإن النواب المسيحيين في هذه المنطقة يتم اختيارهم من قبل السنة، والنتيجة أن القوى المسيحية الأربع الكبرى في لبنان (التيار الوطني الحر ، القوات اللبنانية ، الكتائب ، تيار المردة) لا تحوز سوى نحو نصف عدد المقاعد المخصصة للمسيحيين في البرلمان البالغ عددها 64 مقعدا والبقية يمتلكها النواب المسيحيون المستقلون أو نواب مسيحيون ينتمون لكتل تابعة لطوائف أخرى.
ولذا يطالب المسيحيون بتغيير قانون الانتخابات، ولكن يظل الاتفاق على مضمون القانون أمر صعب للغاية لأن كل حزب سياسي في لبنان يريد قانونا على مقاسه يزيد حصته من النواب لا أن يخفضها، كما أن مفهوم العدالة مبهم، فالبعض وخاصة من المسيحيين يميلون لقوانين تجعل كل طائفة تختار نوابها، في حين يقول آخرون إن هذا ترسيخ للطائفية.
ولأن القاعدة السحرية للحياة السياسية في لبنان هي "لا غالب ولامغلوب"، وفي أي قانون انتخابات سيكون هناك من خاسر وفائز، والسياسي اللبناني لا يحب أن يكون خاسرا فسيحتاج الأمر إلى تسوية عبقرية للخروج بقانون للانتخابات النيابية.