السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فأما الزبد فيذهب جفاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى إحدى الليالى الصافية كان عالم الفلك «ويليام هيرشل» (١٧٣٨-١٨٢٢) يمشى مع نجله على أحد الشواطئ، عندما سأله الابن إذا ما كان يؤمن بالأشباح؟ كان يعلم أن أباه العالم لا يؤمن بتلك الخرافات، لكن إجابة الأب جاءت مختلفة، فقد قال له «بالطبع أنا أؤمن بالأشباح»، وأوضح العالم الكبير لابنه أنه لا يقصد بالطبع الأشباح البشرية، بل يقصد أشباحا من نوعٍ آخر، فإنه إذا نظر إلى السماء سيرى ملايين الأشباح، كل نجمة فى السماء هى شبح لنجم من المحتمل ألا يكون موجودا فى اللحظة التى ننظر فيها إلى السماء، لأن ما نراه هو ضوء سافر آلاف أو ملايين السنين الضوئية حتى يصل إلينا، ولكى يسافر الضوء كل هذه المسافة فإنه يستغرق أزمنة كبيرة قد تمتد إلى آلاف بل ملايين السنين، لتصبح السماء المزدانة بالنجوم هى صورة من الماضى لمواقع وأشكال النجوم، أفنت النجوم كل هذا العمر وتركت لنا الأثر لتزين لنا السماء لحظة أن نراها.
من هنا جاءت الصفة التى تلتحق بكل من يلمع فى مجال ما، لأنهم مؤثرون فيصفونه بـ«النجم» فلان أو النجمة فلانة، ولكن هل كل هؤلاء يستحقون أن يطلق عليهم لقب نجوم؟ هل فعلوا ما سيبقى ويستمر أثره سنوات ولا أقول آلاف السنين؟ وإن كانوا على قدر التسمية فلمَ ظهرت الحاجة لتوصيفات مثل «سوبر ستار» و«ميجا ستار»؟ أعتقد أن هذه الإجابة بسيطة، وهى أشبه بإجابة «ويليام هِيرشل» على ولده، أى انظر إلى سماء الإبداع فى أى مجال بعد سنوات من وجودهم فيه، فإن رأيت نجوما فهؤلاء هم من يجب عليك أن تطلق عليهم هذا اللقب، وإن لم تر فإنهم ليسوا بنجوم، وإنما هم مجرد أجرام عابرة انعكس عليها ضوء النجوم فلمعت لفترة ثم ما لبثت أن انطفأت.
طالعتنا فى الفترة الأخيرة «إعلامية» ترى فى نفسها أنها نجمة تليفزيونية كبيرة، ولو تابعت برنامجها فلن تعرف عن أى شىء يتحدث هذا البرنامج؟ ولو حاولت أن تدرك الموضوع فلن يسعفك عقلك، فالبرنامج عبارة عن هذه المذيعة تخرج لتكلم الناس من وراء أطنان من مساحيق التجميل -بطريقة نائمة- عن اللاشىء، هى فقط تتلفظ بالهراء ولا شىء غيره، تبحث عن أى فضيحة، أو أى شىء قد يثير الناس، بالطبع هى لا تريد أن تثير تساؤلات -فهذا مفيد-، هى فقط ترى أن عليك تتبعها، وتتبع رأسها الخاوية وأسئلتها السخيفة اللامنطقية، مثل «قتلتها ليه؟»، فهى تظن أنها حينما تحدق نحو «المتهم» -الذى يصير مسكينا لمجرد أنه ظهر معها فى البرنامج فكل ضيوفها ضحايا لها- أنه سيعترف بكل شىء، فمن هو حتى يقف أمام جلال سلطانها ولمعان «أفورتها» بالطبع سيخر صريعا فى دموعه ويعترف بكل شىء بينما تقوم الكاميرا بتقريب الصورة على وجهه والابتعاد عنه بحركة سريعة مستفزة، ويضيف إليها مخرج البرنامج موسيقى من أحد الأفلام الأجنبية ذات الإيقاع الشائق.
ثم جاءت فضيحتها الأخيرة بعد أن اعتدت على ضيفة برنامجها بأن اخترقت حياتها ونشرتها للناس لتدعى -المذيعة- أنها تدافع عن فضيلة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ليست فيها، لتقوم عليها الدنيا هى الأكبر منذ بدأت فى نشر ضلالها على الناس، بعد أن اصطنعت هذه المرأة لنفسها خلطة إعلامية واتبعها الغاوون، لكن لا داعى للقلق فالناس يقبلون على أشياء كثيرة، لا لأنها مفيدة ومهمة، بل لأنها تبرز لهم ما يحدث فى تلك المرحلة، وسرعان ما سينفضون عنها مثلما انفضوا عن أشياء أخرى لمعت فى وقتها وانطفأت بذات السرعة، وكما أطلق عليهم زيفا لقب النجوم وقتها، لينحسر عنهم اللقب بعدها، ليصبح «الفنان المعتزل» أو «الإعلامية الشهيرة»، لأن فقط ما ينفع الناس هو الذى سيمكث فى الأرض، وأما الزبد فبالتأكيد سيذهب جُفاء.