الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

اللواء محمد زكي عكاشة يكشف: قطار العبور انطلق من "الاستنزاف"

اللواء محمد زكي عكاشة
اللواء محمد زكي عكاشة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن لحظة الصفر فى الانتصار الذى حققه الجيش المصرى ورد الكرامة فى ٧٣، بل بدأت مع خروج جموع المصريين دون اتفاق مسبق، عقب لحظات من إلقاء الرئيس جمال عبدالناصر خطاب التنحى على خلفية هزيمة ٦٧.
يصف اللواء أركان حرب محمد زكى عكاشة، قائد ثانى سرب «ميراج ٥» المتمركز فى قاعدة طنطا الجوية، الذى قام بالهجوم على القطاع الشمالى فى حرب الاستنزاف، وروى فى آخر حواراته الصحفية مع «البوابة»، الذى حظيت به قبل رحيله بشهرين، كيف أن التحضير لانتصار قواتنا المسلحة على العدو الإسرائيلى واسترداد سيناء انطلق من يومى ٩، و١٠ من سنة ٦٧.
يقول: «بدأت حرب أكتوبر ٧٣ يوم ١١ يونيو ٦٧ فحينما خرج الشعب العبقرى المذهل يومى ٩، و١٠ بعد هزيمة ساحقة، ليتمسك بقائد مهزوم كان خروجه أحد مواقف الشعب العبقرية التى تناولها العالم كله بقمة السخرية والاستهزاء، وأن هذا الشعب يعبد الفرعون ويؤله الحاكم إلى آخر هذه الأقاويل الكثيرة التى تقال عنا، وهو ما نردده نحن فى بعض الأحيان عن أنفسنا، ثبتت صحة رؤية هذا الشعب بعد الهزيمة بست سنوات، وأن هذا القائد كان ولا بد أن يبقى لكى يعيد بناء الجيش، ونخوض المعركة والحرب مرة أخرى، لنسترد أرضنا وبعدها نتحاسب، وهو ما عبر عنه الشعب بخروجه المذهل يومى ٩ و١٠، الذى كان رفضا للهزيمة وليس حبا فى عبدالناصر كشخص، ولم نعترف بأننا هزمنا، بل خسرنا موقعة ومعركة ستعقبها معارك أخرى، ومن هنا يوم ١١ يونيو بدأ التجهيز لحرب ٦ أكتوبر بما حدث فيها، فالنجاح تراكمى وليس وليد لحظة، ومنذ هذا اليوم بدأ كل فرد فى مصر من الرئيس عبدالناصر إلى أصغر مصرى موجود فى الشارع يعمل لهدف واحد وهو هزيمة العدو الإسرائيلى واسترداد أرضنا بفضل شىء واحد مهم جدا الذى كان سببا لهزيمتنا فى ٦٧ وهو أهل الثقة وأهل الكفاءة، كان للرئيس عبدالناصر بعض التصورات الخاطئة ما قبل ٦٧ جعلته يستعين بأهل الثقة، ورأى نتيجة ذلك بالهزيمة، ما جعله يرتد عن أوهامه، فكان من الطبيعى أن يعين الفريق محمد فوزى وزير دفاع، وعبدالمنعم رياض رئيس أركان، والفريق مدكور أبوالعز للقوات الجوية، وبدأت كل المناصب تشغل بأهل الكفاءة وليس من أهل الثقة، ومن هنا كان العمل يجرى كما جاء فى كتب العلم العسكرى «تخطيط، دراسة، توقيتات، تدريب، محاسبة»، وهو ما تجمع فى بوتقة واحدة كان من نتيجته الانتصار فى الحروب.
«رأس العش» تضىء ظلام الهزيمة
استطاعت مصر وقواتها المسلحة خلال ست سنوات من ٦٧ إلى ٧٣ أن تخيب توقعات العالم التى أجمعت على أنه لن تقوم لها قائمة إلا بعد ٣٠ عاما، ومن بقايا قوات مهزومة فى نظر ذلك العالم تمكنت من مواجهة العدو الإسرائيلى فى رأس العش جنوب بورفؤاد، وكانت هذه المعركة أول شمعة تضىء الظلام الذى حل على مصر عشية الخامس من يونية ٦٧، وتوالت بعدها الشموع والمعارك الشرسة التى أظهرت قدرة المقاتل المصرى الحقيقية، يتابع القائد الباسل زكى عكاشة: «بدأنا ندرس ونناقش المدى المتوسط والقريب والبعيد، بالطبع لم يكن يجدى أن نحارب بعد شهر واحد، لكن كان علينا أن نشعر العدو أننا لن نتركه وبدأت الاشتباكات بعد وقف إطلاق النار بـ٢٠ يوما بمعركة «رأس العش» فى ٣٠ يونيو، وكانت من أعظم المعارك العسكرية، فلقد أثبت المصرى أنه وسط هذا الخضم من الظلام قادر على إضاءة شموع الانتصار.
ونجحت فصيلة من ٣٠ فردا وبعض الضباط فى التصدى لسرية إسرائيلية مدرعة مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية، وأوقفوها وهزموها، ولم يتمكن العدو من الوصول إلى هدفه وهو احتلال مدينة بورفؤاد. وفى كتابه «حديث النسور» الذى سجل فيه الرحلة إلى انتصار أكتوبر من الهزيمة إلى العبور تتوالى بطولات الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف التى كانت «البروفة الجنرال» كما يصفها البعض للحظة العبور، وكان إغراق المدمرة إيلات يوم ٢١ أكتوبر ٦٧، حيث انطلق أول صاروخ فى التاريخ، ليصيب وحدة بحرية معادية فى أثناء الحرب: «انتقلت إلى مكتب العقيد عادل هاشم، حيث البلاغات من قاعدة بورسعيد كانت متلاحقة، تنساب كما تنساب الأنغام العذبة فى سيمفونية جميلة، صاروخ نمرة واحد طلع، نمرة واحد أصاب الهدف، صاروخ نمرة اتنين طلع.. صاروخ نمرة اتنين أصاب الهدف، الهدف تحطم هكذا فى دقائق معدودة تحطمت أكبر وحدة بحرية إسرائيلية لقد غرقت مدمرتهم الكبيرة إيلات، لقد أهنا كبرياءهم».
أستدعى فى أثناء كتابتى هذه السطور ملامح اللواء عكاشة وعنفوان الشباب فى روح جندى مصرى لم تبارحه حتى وهو فى السبعين، نقل لى عدوى حماسته وهو هناك يتحرق مع أفراد سربه لرد كرامتنا جميعا قبل الدفاع عن سمعة الجيش المصرى ومقاتليه، خاصة سلاح القوات الجوية: «فى ١٤ و١٥ يونيو توالت ضربات من قواتنا الجوية رغم الأقوال الكثيرة التى ترددت عن أنها ضربت على الأرض والطيارين جروا أو كانوا نائمين إلخ، وهى أحاديث عارية من الصحة تماما، وفى ٢١ يونيو من نفس عام ٦٧ كانت المعركة الشهيرة للبحرية وإغراق المدمرة إيلات، كان من الواضح بعد هذه المعارك أننا قادرون على محاربة الإسرائيليين وهزيمتهم، لكن الأمر كان يحتاج إلى وقت، وهو ما تم بإعادة بناء الجيش وبناء الخطوط الدفاعية على الضفة الغربية للقناة، إلى جانب التجهيز والتدريب والتخطيط، واستمر هذا التصعيد حتى دخلنا حرب الاستنزاف لمدة ٥٠٠ يوم قتال مسرحها شاسع مترامى الأطراف ممتد من العريش حتى الإسكندرية ومن إيلات حتى صعيد مصر، بل وصلت معارك الاستنزاف إلى أبيدجان بتفجير الحفار الإسرائيلى، كانت هذه الـ٥٠٠ يوم كانت ملاحم فى كل لحظة للجيش المصرى فى كافة أسلحته من دفاع جوى وصاعقة بحرية جوية كل أفرع الجيش.
مكاسب الاستنزاف
يلفت اللواء عكاشة فى «حديث النسور» إلى أن أول وأهم مكاسب حرب الاستنزاف هو ظهور وبناء عقيدة قتال مصرية، فبعد المواجهات المتعددة برا وجوا وبحرا مع العدو الإسرائيلى وبالدروس المستفادة من تحليل كل مواجهة أو اشتباك، نجد أن القائد والضابط والجندى المصرى أصبح يخطط وينفذ ما يراه هو من خبرته الواقعية، وليس من النظريات التى يقول بها الخبراء السوفييت. وتجلى هذا بصورة كبيرة فى القوات الجوية والدفاع الجوى. فخبرة القتال انعكست على الارتفاع بمستوى الطيارين والموجهين وأطقم الطائرات الأرضية، وأطقم الدفاع الجوي.
ثانيا أن الاشتباك المستمر مع العدو البرى أو الجوى بواسطة الجيوش الميدانية على طول الجبهة، أفاد فى أسلوب تجهيز مسرح العمليات وتحصينه. كما أمكن معرفة مدى الإصابة والتدمير للدبابة المصرية والإسرائيلية والمقارنة بينهما، فبدأ التركيز على الصواريخ المضادة للدبابات والتى كانت مفاجأة للعدو الإسرائيلى فى حرب ١٩٧٣. ثالثا أن قتال حرب الاستنزاف أفرز الاجتهاد والفكر المصرى الذى نجح فى تعظيم وسائل ومعدات القتال المتاحة، فمثلا اللواء الجوى ٢٠٥ مقاتلات قاذفة. تمكن قائد اللواء المقدم طيار/ محمد عبدالرحمن من تجهيز دفعة من الطيارين للقتال فى زمن قدره ٣ شهور بمتوسط ٦٥ ساعة طيران لكل طيار، مقابل طيارين تدربوا فى روسيا فى مدة ٦ أشهر بمتوسط ٣٠ ساعة طيران لكل طيار. أما المكسب الكبير فهو أن حرب الاستنزاف حطمت الحاجز النفسى بين مصر وإسرائيل على كافة المستويات السياسية والعسكرية، بتوالى العمليات وتحقيق نجاح يتلوه نجاح سقط هذا الحاجز نهائيا. وشاهدنا كيف كانت الوحدات تتسابق وتتنافس على الإغارة أو خطف أسير، حتى إن ١٥٪ من قوات الجبهة قامت بالعبور والقتال الفعلى فى الشرق مع العدو. كما وضح هذا بصورة أكبر على الطيارين المصريين، فأصبحت الطلعات الجوية المصرية سواء قصف لمواقع العدو أو اعتراض طائراته تتم بصورة يومية عادية. وبسقوط هذا الحاجز النفسى وبتوالى الانتصار تولدت روح أكتوبر. وعلى عكس ما يروج من افتقار العسكريين إلى الحس الثقافى، وحتى لو كان للبعض منهم علاقة به فهى قاصرة على العلوم العسكرية، فإن عكاشة يعول أولا وكثيرا على الثقافة ودورها فى حسم المعركة مع الإرهاب والأفكار المتطرفة، من خلال إحياء الذاكرة المصرية ونقلها للأجيال الجديدة، لتدرك قيمة الانتماء للهوية المصرية وإحياء الانتماء والوطنية الموجودة لدى الشعب، خصوصا أنه صارت الخيانة وجهة نظر، فهناك بعض الشباب ممن يقدمون على الأفعال الشائنة بذريعة أنه رأيه، هذه الآراء التى تهدم كيان الوطن والجيش المصرى وهو لا يدرى أن هذا الجيش هو جيشه هو، بل يراه جيشا معاديا، هذه الفئة من الشباب التى تعادى جيش بلدها وتراه عدوها فكيف أتعامل معه؟! والحل الأمثل مع هؤلاء الشباب بإدخالهم معسكرات عمل وتثقيف حتى يفهم معنى كلمة مصر ومعنى قيمة الوطن وكل هذه القيم.