الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

علي التركي يكتب: أنيس منصور الذي لا يعرفه الباز «1»

علي التركي وأنيس
علي التركي وأنيس منصور ومحمد الباز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادته يخرج إلينا بين الحين والآخر، ليفجر الملفات والقضايا الشائكة، يحلَّل ويفسر، يثير صخبًا واسع النطاق في أذهان الجميع، يصول ويجول في كل شيء، لا يأبه بالحواجز والقيود، يعزف منشودته، ويغرد منفردًا بعيدًا.
«محمد الباز»، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة البوابة، ولكن لكل جواد كبوة، فأوقعه «الجموح» في فخ أنيس منصور، وصال وجال في عددٍ من الحلقات، يروي تحليلًا مغلوطًا عن حياة الفيلسوف.
وروى الباز، عن أنيس ما ليس فيه، واتهمه بالكثير، في تحليل متحامل للغاية على رجل لو استفدنا بميراثه الفكري، لساعدنا في حلَّ كل القضايا التي يعانيها مجتمعنا المُظلم.
لكن السؤال، هل نحن بصدد الدفاع عن أنيس منصور؟، وهل يحتاج ذلك أصلاً؟، بالطبع لا، فلدى الفيلسوف من الكتب ما تكفي أجيالًا وأجيال، ولديه مريدون يسعون له أفواجًا، لكن نحن بصدد إحقاق الحق، وتوضيح بعض التفاصيل التي تم سردها بشكل مناف للواقع.
قبل أن تقرأ
لم يترك لي «الباز»، فرصة الإبداع في الرد، فقد كان موفقًا في وصف ملفه بـ"المتناقض"، بالفعل عندما تقرأ الحلقة الأولى من استعراضه لأنيس، تجد بين الفقرات تناقض التحليل، ما بين الذم، الذي وصل إلى أعماق الأرض، والمدح الذي عانق السماء، وظني، أنه لم يقصد هذا بل هو ضمير قلمه الذي انتفض وأراد أن يلقي بكلمته حول شخص "أنيس منصور"، ويبعده بين الحين والآخر عن طريقه، وإعطاءه حقه الذي يستحقه، لتحلق الكلمات فوق الأهواء.
حاول «الباز» طوال الحلقات إخفاء الحقيقة، في محاولةٍ يائسةٍ للتمرد على أحد أكبر آلهة الكتابة عبر التاريخ - حسب تعبيره- لكن هيهات.
لا أنكر أني أشفق على «الباز»، من لعنات أنيس منصور، فهي لا ترحم المُحبين قبل الكارهين، تُطاردهم حيثما كانوا، تجعلهم يتنفسون بصعوبة بالغة، لا تقتلهم بالطبع.
سأبدأ من كلمات «الباز» نفسه، قال إنه لا يحتاج للبحث عن أنيس مع غيره، وقال إن كتبه قادرة على اقتحام القُراء حتى الآن، وكلاهما صحيح، اتهمه بالتملق للرئيس الراحل أنور السادات، والانقلاب على الزعيم جمال عبدالناصر، والتربُح من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
لم يجد «الباز» تهمة على الأرض إلا وألصقها بالفيلسوف، فاتهمه بـ"التلفيق، والتملق، والعبث، ونشر الخرافة... إلخ"، وروى مواقف حدثت بينه وبين الأديب الراحل «عباس العقاد»، بطريقة مُغايرة للحقيقة، ولا يملك أي أسانيد عليها، بخصوص مقاله الأول عن «صالونه الثقافي».
اتهم «الباز»، «أنيس»، بمُهاجمة المرأة، سعيًا وراء الشهرة، قال إن رحلته للحج، لا تؤكد إيمانه بالله، وكانت مُجرد مادة للكتابة.
لذا وجب التعرض لحقيقة العلاقة بين «أنيس» و«العقاد»، ورؤساء مصر السابقين، وعلاقته بالمرأة، وتأملاته الإيمانية وأشياء أخرى.
العقاد
بالنسبة للموقف الذي ذكر عن أول لقاء بين «العقاد» و«أنيس»، وعدم استحسانه لمقاله، ومحاولته إعادة كتابته، أكثر من أربعين مرة، لو أجهدنا أنفُسنا قليلاً، سنجد أن جزءًا من الرواية، صحيح، وذلك نابع من «العقاد» نفسه، لكن الجزء غير الصحيح، هو إعادة الكتابة، لأنها كانت عادة لأنيس نفسه، فقد دَأب على ذلك، وهو أمر ليس له علاقة بأي شيء آخر، ولكن رغبة منه، في أن تكون كتاباته أكثر بساطة وقربًا من القُراء.
لم أتفهم لماذا تعمد الباز، ربط مواقف بعيدة عن بعضها، فالحقيقة أن «أنيس» هو الوحيد الذي تمكن من ترويض «العقاد»، وهذا بشهادات الجميع.
أنيس استطاع أن يقتحم ذلك العبقري، الذي حطمته النساء، فجعلت منه إنسانًا سليط اللسان، يكيل الشتائم للجميع، فتحت أقدام «مي زيادة»، و«سارة»، و«هنومة»،«عائشة عبدالرحمن» تحطم قلبه، فوعد نفسه أن يعرف ألف سيدة، فتوفي ولم يظفر بقلب واحدة من بنات حواء، ولو كنت مكانه، لظفرت بهن جميعًا، لكن الفيلسوف، وفقًا لتقارير «نظام ناصر» عرف من النساء ألفًا.
الحقيقة أن العدوين اللدودين «العقاد وطه حسين»، كانا يتصارعان على صداقة «أنيس»، ودارت بينهما معارك من أجله، لكن الفيلسوف، فضل القرب من «العقاد»، ودأب على حضور صالونه المتواضع، تاركًا صالون «عميد الأدب العربي» الفخم.
الحقيقة أيضًا، أن «أنيس» رفض كل ضغوط «طه حسين»، الذي دائمًا ما كان يقول له: «ما الذي أعجبك في صاحبك.. وأنا أحمل ست دكتاتوراهات»، لكن الفيلسوف لم يتأثر بذلك، فالثقافة والفلسفة كانتا هدفه الأول من التقرب للعقاد.
الخلاصة أن العلاقة بين «العقاد» و«أنيس» كانت مَتِينة للغاية، لجأ لها الاثنان، لا واحد.
السادات
لم تكن العلاقة بين «السادات» و«أنيس»، كما صورها «الباز»، تقوم على تَملق الرئيس، بل أعمق بكثير من ذلك، كانت صداقة وشراكة، بين زعيم وفيلسوف، مثلما كانت بين أرسطو والإسكندر الأكبر، الكسائي وهارون الرشيد، وغيرهم الكثير.
استفاد السادات، من قرب أنيس منصور، ولم يستفد هو منه، فالفيلسوف كان يحلم بصناعة الرئيس الحالم، القائد المفكر، الحاكم الاستثنائي، أراد أن يصنع شيئًا مختلفًا، لأنه كان زعيمًا مختلفًا بالفعل، فلم يبخل عليه بثقافة أو فكرة، لكن لا يمكن أن يخرج ويصرح بما فعله، فالملوك والحكام لا يحبون إلا أنفسهم فقط.
والحقيقة أن الفيلسوف لم يلهث وراء السادات، بل هو من سعى إليه، لم يكن صحفي الرئيس، بل مُلهم الحاكم، ولو تحدث المُقربون، لقالوا إن زيارة القدس كانت حلمًا لأنيس نفسه.
«الباز» غير مُقتنع بذلك، لكن ماذا يفعل «أنيس» الآن، هل يندم على أنه لم يُصرح بذلك؟، هل كان يجب أن يقل ماذا فعل؟، بالطبع لا فهذه الحقيقة التي يريد البعض إنكارها دائمًا.
«الباز» لديه إصرار كبير على أن الفيلسوف استفاد من السادات، لكن لا دليل على ذلك، إنما لدينا ما هو عكس ذلك، فأنيس لم يستفد بشيء من الزعيم الراحل، فأغلب جوائزه حصل عليها في عصر «ناصر» و«مبارك»، وجائزتان فقط في أواخر عصر السادات !!!!!!!!!!!!!!!!
ناصر
تحدث «الباز» فقط عما قاله أنيس ضد الراحل عبدالناصر، ولم يذكر لنا، إذا كان هجومه علي النظام الناصري حق أم باطل، لكن الحقيقة أن الفيلسوف لم يُهاجم سوى نكسة نظامه في 67 فقط، ولم يستعرض سيئات حكمه، وكلها في كتاب، «جمال عبدالناصر المُفترَى عليه والمُفترِي علينا"، روى من خلاله، كيف كان النظام هشًا يعتمد على المحسوبية والولاءات؟، رصد فيه كيف رأى الويلات مع رجال ناصر ؟.
الحقيقة أن أنيس كان عاشقًا لناصر، مؤيدًا لثورة 23 يوليو منذ البداية، كان مُولعًا بشخصيته، مثل جميع الشعوب العربية، التي أحيا بداخلها القومية والعروبة.
لكن في عام 1963، نشر الفيلسوف مقالاً في أخبار اليوم، تحت عنوان «حمار الشيخ عبدالسلام»، تعقيبًا على رواية «السلطان الحائر»، لتوفيق الحكيم، فاعتبرها ناصر ورجاله إسقاطًا على تأميم الصحف التي كانت مُكبلة، لا تنطق إلا بلسان السُلطة، فما كان منهم إلا أن فصلوه من العمل، والجامعة، التي كان مُعيدًا فيها، قطعوا عنه كل شيء، قيدوا حركته، منعوه من الظهور، حرموه من قلمه، من جمهوره، حاولوا قتله، بل القتل أقل وطأة من منع «أنيس» من الكتابة، والسبب مُطالبته بالحرية التي يعشقها، فلم يكن ناصر الهدف بل «الفساد والطغيان».
ولا يجب أن نُذكر بموقف «ناصر» من زواج «أنيس»، ورفضه مُصاهرة الضباط الأحرار للصحفيين، وسنعتبرها موقفًا أخطأ فيه الزعيم، وتراجع عنه، تحت ضغوط من الأستاذ هيكل.
مبارك
العلاقة بين أنيس ومبارك، تحتاج لردٍ منفصل، وكيف كانت طبيعتها، ليس مع الرئيس فقط، بل مع زوجته سوزان، وكيف حاول الفيلسوف الهروب منها مرارًا وتكررًا، رغبة في الراحة، بعد مباراة عصيبة مع الراحل السادات...
لكن لنا في تلك العلاقة حكايات....
الدين
لم يحسن «الباز»، شرح إيديولوجية «أنيس» الدينية، لم نفهم طبيعة الاتهام، هل هو مُلحد، أم مُؤمن، لكن سنجيب بالحقيقة، أنه كان مجددًا، هذه الحقيقة التي لا يمكن تزييفها.
الحقيقة أن «أنيس» نفسه اعترف بإلحاده، ولم يخف ذلك، وقالها علانية في العديد من ندواته، واعتبره مرحلة يجب أن يمر بها الفلاسفة، لكن اغتيال السادات غير مسار تفكيره، وجعله يعيد بحثه القديم عن الخالق، فذهب في بداية الثمانينات لرحلة الحج، يستطلع النور الإلهي، وخرج لنا بكتاب «طلع البدر علينا»، يروي لنا انطباعاته عن رحلته الإيمانية، ومنذ ذلك الوقت، ظل يُناجي ربه سرًا وعلانية، يدعو له، يطلب منه المغفرة والرحمة، لم تكن مطلقًا كما قال «الباز»، مجرد مادة للكتابة، فقد دأب منذ أكثر من 25 عامًا، على مناجاة ربه على صفحات الأهرام والشرق الأوسط.
اعتبره البعض من الدراويش، من شدة تضرعه، من فروض الولاء والطاعة، التي كان يقدمهما في مقالته، بشكلٍ مستمر، فكان أنيس يصف نفسه، بأنه واحد من الأواهين البكائين، وله مقال يحمل نفس العنوان نشر في «الشرق الأوسط»، بتاريخ 25 ديسمبر 2008.
السؤال الأهم، هل كان أنيس ناشرًا للخرافة كما اتهمه «الباز»، لا كان مجددًا لهذا الدين، فملف «تجديد الخطاب الديني»، كان من أهم أولوياته، طالب بمنع فوضى الفتاوي، وضع آليات سهلة ومرنة لذلك، تلك المُعضلة التي لا نجد لها حلاً الآن، رغم أن كتبه ومَقالاته فيها الحلول.
كان «أنيس» يرى التجديد الديني ضرورة مُلحة، للتصدي للجماعات الإرهابية، ومواكبة العولمة والتحضر، كان أول من طالب بمراجعة الأحاديث المشوهة، حارب وحده خفافيش الظلام والدجالين والمشعوذين، وأبطال الفتاوى الجنسية، وأتباع ابن تيمية، وأجنحة الفكر التكفيري في المنطقة العربية، طالب بتنقية ما يسمى الإعلام الإسلامي وحذر من وصول المتأسلمين إلى السلطة، وشن حملة على الخطباء من أهل القرى، وطالب بتقييد تصاريح الخطابة، ولأننا صم لم نسمع ما قاله، لم نقرأ له.
الخلاصة.. كُتب ومقالات أنيس عن الدين، هي المُخلص الوحيد من الوحل والتطرف الذي نعيش فيه.
المرأة
الشيء الوحيد المُتفق فيه مع «الباز»، هو أن أنيس كان محبًا للمرأة، ولم يكن يومًا عدوًا لها، بل باحثًا عنها، مُولعًا بها، لم يُحاربها يومًا، كان يريدها «أفروديت» إلهة الحب والجمال عن الإغريق، يداعبها ويشاكسها، يساعدها في التحرر من عُبودية رجل أَنهكها، يريدها فقط أن تكون في أفضل حال، كان مؤمنا أن حريتها، قوة للمجتمع.
«أنيس» كان مُولعا بأُمه، «الصديقة والمعلمة»، كان يرثيها صباح مساء، يتذكر كيف جعلت منه رجلًا متكاملًا مثقفًا، يدين لها بالفضل، كان يريد كل النساء «أمه»، فقد كانت نظرته لها أعمق، كان يرى ذلك المخلوق الأنثوي الذي يستحق أفضل ما هو عليه، حاول الضغط عليه مرارًا وتكررًا، لم ييأس ولو لبُرهة، كان يُريدها ملكة، وسط مجتمع يراها مجرد «دمية جنسية».
أما عن الزواج، لم يكن يومًا ضده، بل كان يراه كما نراه جميعًا، منظومة محكوم عليها بالفشل، فأراد أن يخفف عن الناس وطأته، ويروح عن المعذبين في الأرض «المتزوجين»،
لم يكن حديث أنيس عن المرأة رغبة منه في الشهرة، التي لا يحتاجها بالفعل، فكُتبه تجوب السبع قارات، ومريدوه بالملايين.
وأخيرًا وليس آخرًا.. لنا موعد آخر

علي التركي

مدير عام تحرير موقع "البوابة نيوز"

للتواصل:

Ali_turkey2005@yahoo.com

 

مقالات تهمك:-

أنيس منصور الذي لا يعرفه الباز "1"

"أنيس" و"هيكل" في مزاد صاحبة الجلالة "2"

"أنيس" و"الإخوان" وصفقة 2005 "3"