الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"البوابة" في "عنبر الموت" بـ"حميات العباسية"

بعد وفاة مواطنين داخله من "الإجهاد الحرارى"

حميات العباسية
"حميات العباسية"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المستشفى يستقبل 700 حالة يوميًا.. و«عجز شديد» فى الممرضين والأطباء
لا مكان لقدم داخل «قسم الطوارئ».. و100 مريض للطبيب الواحد
مسئول ينفى وجود «الالتهاب السحائي».. و«الصحة» أمرت بنقل «مصابي الحر» إلى المستشفى فمات بعضهم على الأبواب
تسببت الموجة الحارة التى ضربت مصر على مدار الأيام الماضية -هى الأشد حرارة منذ 11 عاما- فى وفاة 97 مواطنا وإصابة ما يقرب من 1900 آخرين، ما أثار حالة من الذعر فى قلوب قطاعات عريضة من المواطنين، خصوصا فى ظل انتشار شائعات حول وجود فيروس غير معروف اجتاح البلاد وكان سببا فى حالات الإصابة. كان مستشفى حميات العباسية صاحب النصيب الأكبر من حالات الإصابة، فهو أكبر المستشفيات فى مصر المتخصصة فى الحميات وارتفاع درجات الحرارة، وخلال الأزمة كان المستشفى يستقبل ما يقرب من 700 حالة يوميا، ولهذا كانت جولة «البوابة» داخل أروقة المستشفى للتعرف على الأسباب الحقيقية وراء انتشار تلك الأقاويل، والوقوف على الحقيقة بتفاصيلها كاملة.
ما إن تدخل المستشفى - الذى يبلغ مساحته ٤ أفدنة- حتى يفاجئك الاستقبال غير المكيف الذى تضربه الشمس بأشعتها الحارقة من جميع الاتجاهات، فلا يوجد تكييف به، بحجة نقص الميزانية.. فى مدخل المستشفى وجدنا عددا من الحالات التى تصرخ بأعلى صوتها لعل أحدا من المسئولين فى المستشفى ينتبه إليها أو يعيرها أحد الأطباء أو الممرضين اهتماما فيسعفونها.
سهام حسن، والدة اثنتين من الحالات التى قابلناها فى مدخل المستشفى، قالت: «بقالى ساعة ماحدش عبرنى، وعيالى هيضيعوا منى»، وراحت تصيح داخل المستشفى طالبة من نائب مدير قسم الطوارئ الاهتمام بابنيها، وإلى جانب سهام تجلس ماجدة كمال التى حولها معهد الأورام بسبب ارتفاع شديد فى درجات الحرارة، وتقول إنها كانت فاقدة للوعى، لكن الأطباء بالمستشفى قاموا بإسعافها على الفور، وأصبحت الآن فى حال أفضل من قبل.
قسم الطوارئ بالمستشفى به ٩ ممرضات و١١ طبيبا، وفق ما أكدته لنا الدكتورة ميرفت يوسف، نائب مدير القسم، لافتة إلى أن هذا العدد يعبر عن عجز شديد فى عدد الممرضين والأطباء، وأوضحت أن المستشفى سبق أن طالب وزارة الصحة بزيادة أعداد الطاقم الطبى.
وأضافت ميرفت أن الأيام العشرة السابقة شهد خلالها قسم الطوارئ زحاما شديدا، إذ لم يكن بإمكان أحد وضع قدميه بداخله من كثرة المرضى، وأن الأطباء بالأقسام الداخلية كانوا يأتون يقومون بمساعدة قسم الطوارئ فى السيطرة على الحالات ومحاولة إسعافها، مشيرة إلى أن الطبيب من الممكن أن يعالج ١٠٠ مريض فى وقت قصير، لكن الأزمة فى أطقم تجهيز المرضى من ممرضات ومساعدات.
انتقلنا إلى غرفة الرعاية المركزة لنجد فيها الدكتور حمدى إبراهيم، مدير المستشفى، الذى أكد لنا أن المستشفى لا يوجد به أى عدوى، ولا يوجد أى فيروس غامض به، وأن المستشفى به ١٤ سرير رعاية، ويعمل على زيادتها لتناسب مع احتياجات المستشفى، وأرجع السبب فى حدوث الوفيات فى حالات الإجهاد الحرارى إلى حدوث إجهاد فى العضلات، وإحساس بالخمول والتعب وفقدان فى الوعى ومع ارتفاع الحرارة، وعندما يتدخل المستشفى بإعطاء المريض بعض السوائل تعود الأمور إلى طبيعتها، وإذا استمر الوضع يبدأ مركز السيطرة على الحرارة فى المخ يتأثر بارتفاع درجة الحراة، فيكون سببا فى دخول المريض فى غيبوبة، كما يصبح الجسم يكتسب الحرارة ولا يخرجها على هيئة «عرق».
المرضى الأكثر عرضة للإجهاد الحرارى هم كبار السن، هكذا يوضح مدير المستشفى، الذى قال إنهم قاموا بتزويد غرف الملاحظة فى الاستقبال، وتم فتح قسمين فى المستشفى لاستقبال المرضى، وأكد أنهم طالبوا بزيادة أعداد الأطباء حتى يتم السيطرة على الوضع، وأوضح أن الحالات التى توفيت من الإجهاد الحرارى بعضها التهاب فى المخ، مؤكدا أن ما يشاع عن حالات التهاب السحائى غير صحيح.
الدكتور أشرف الإتربى، مدير عام الإدارة العامة لمستشفيات الحميات بوزارة الصحة، كشف لنا أن إجمالى الإصابات منذ ارتفاع درجات الحرارة تجاوز ١٩٠٠ مصاب، وبلغ إجمالى الوفيات ٩٥ حالة، وأكد أن ٧٠٪ من هذه الحالات من كبار السن وعندهم أمراض مزمنة، مؤكدا أن ما حدث فى الـ١٠ أيام الأخيرة لم يحدث فى مصر منذ ١١ عاما، وأوضح أن المستشفيات والوزارة لم تكن مؤهلة لمثل هذا الحدث ولكن «ربنا ستر» واستطاعوا أن يتداركوا تلك الأزمة، لافتا إلى أن المستشفى به ٢٣٣ سريرا، ١٤ منها للرعاية المركزة، وأضاف: حتى يومنا هذا بعض الحالات التى تم حجزها لا تعانى من أى شىء سوى الإجهاد الحرارى والالتهاب الرئوى، ونفى وجود أى فيروس غامض أو التهاب سحائى أو «مارسا»، كما ادعى البعض، واستطرد قائلا إن الذعر الذى حدث بين المواطنين ترتب عليه وجود تكدس فى الحالات داخل قسم الطوارئ فى المستشفى.
منشور "الصحة" يثير الذعر
قالت الدكتورة رحاب عبدالله، إن تعميما تم توزيعه على عدد من مستشفيات وزارة الصحة بنقل جميع المصابين بالإجهاد الحرارى إلى مستشفى حميات العباسية، وأضافت أن هذا المنشور لم يتم تنفيذه فقط فى مستشفيات الأمانة، ولكن تم تعميمه على كل مستشفيات الجمهورية، موضحة أن هناك بعض حالات إجهاد حرارى جاءت إليهم من بنى سويف ومن المحافظات، وتوفوا على أعتاب باب المستشفى، وأكدت أن هذا المنشور تسبب فى كارثتين أولاهما أنه أثار الرعب فى نفوس المواطنين وسمح لعدد من الأطباء بالتشكيك بوجود فيروس غامض منتشر بين المرضى، وثانيهما أنه تسبب فى تدفق العديد من المرضى على مستشفى حميات العباسية من جميع الحالات، فكل من كان يعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة كان يحول إلى المستشفى، ما تسبب فى وفاة عدد كبير من المرضى على باب المستشفى.
أوضحت رحاب أن من بين الحالات التى جاءت إليهم فى المستشفى مصابين بالسرطان والالتهاب الرئوى، مشيرة إلى أن حالات الإجهاد الحرارى «ماتستحملش» الانتقال من مكان إلى آخر، وأضافت أن هناك بعض المسعفين الذين أكدوا لها أن بعض المستشفيات التى حولت إليهم المرضى كانت تقوم بتعيين إحدى الممرضات للوقوف أمام المستشفى ومعها «ترمومتر لقياس درجات الحرارة»، وإذا علمت بأن هناك ارتفاعا فى درجات الحرارة فإنها تقول لهم «امشوا روحوا الحميات».
رانيا تخصص شائعات
عبر حسابها على موقع «فيسبوك» تسببت الدكتورة رانيا ساهر، مدير مكافحة العدوى بمستشفى الزيتون التخصصى، عندما كتبت أن هناك ميكروبا غامضا، لكنها سرعان ما تراجعت عن كلامها وقامت بكتابة بوست آخر قالت فيه «إلحاقا للبوست اللى نزل باسمى عن حالات مستشفى الزيتون التخصصى، تم التأكد بأن جميع الحالات كانت بسبب درجة الحرارة العالية وضربات الشمس، وعليه قام المستشفى بعمل محاضرات توعية للمرضى وأهالى المنطقة بأسباب وأعراض ضربات الشمس وطرق الوقاية منها، وكيفية التعامل مع الحالات، فرجاء من الجميع نصح الناس، وربنا يعدى الموجة دى على خير».
عقبت الدكتورة رحاب عبدالله، طبيب بمستشفى حميات العباسية، على ذلك المنشور قائلة «إن الدكتور عادل العدوى تأخر كثيرا فى تنظيم مؤتمر صحفى، ليعرف المواطنين بحقيقة الوضع الذى تمر به مصر، وسمح لمثل هؤلاء الأطباء إثارة الذعر بين المواطنين»، وأشارت إلى النتائج الكارثية التى تسبب فيها منشور وزارة الصحة الذى تم توزيعه على المستشفيات وسبقت الإشارة إليه.
زيارة مفاجئة للحميات
فوجئنا فى أثناء جولتنا بالمستشفى بوجود اثنين من معاونى وزير الصحة، وهما الدكتورة رنا زيدان والدكتور أحمد السبكى، اللذان قام الدكتور عادل العدوى وزير الصحة بتكليفهما بعمل مرور دورى على مستشفيات الحميات ومتابعة الأوضاع بها، فقالت لنا الدكتورة رنا زيدان إن الوزارة قامت بتوزيع بروتوكول العلاج من ضربات الشمس والإجهاد الحرارى على المستشفيات، وأمرت بتركيب عدد من التكييفات داخلها، موضحا أن بهذه التكييفات الجديدة سوف تساعد على التصدى لموجة الحر الشديد التى واجهتها مصر فى الآونة الأخيرة، ومن ناحيته قال الدكتور أحمد السبكى إن الوزارة استطاعت أن تلملم شتات نفسها، وألزمت جميع المستشفيات بالالتزام بكل القواعد التى يجب أن تتبعها رغم الأرواح التى حصدتها موجة الحر الأخيرة.
قصة فيروس "مارسا"
قال بيان صادر عن المركز المصرى للحق فى الدواء إن هناك العديد من الأمراض تنتشر فى فصل الصيف منها «مرسا» وغيره، من الممكن أن يكون هو السبب الرئيسى وراء وفاة المواطنين، والبعض من هذه الأمراض معروف، والآخر غير معروف، موضحين أن الإصابة دائما ما تأتى من التجمعات فى فصل الصيف والحرارة العالية، ومن أبرز أعراضها ارتفاع ضغط الدم. وأضافوا أن من هذه الأمراض غير المنتشرة بكثافة الحمى الشوكية أو الالتهاب السحائى، وفيروس «مارسا» الذى انتشر الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن نسبة الوفيات من هذه الأمراض كثيرة جدا ويصعب الشفاء منها لو تأخر التشخيص.
ومن جانبه نفى الدكتور عمرو قنديل، رئيس قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة لـ«البوابة»، انتشار أى من الفيروسات التى تحدث عنها بعض المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية، وقال إن المستشفيات لم ترصد أى حالات حتى الآن مصابة بالحمى الشوكية أو الالتهاب السحائى، مؤكدا أن الحمى الشوكية تنتشر فى فصل الشتاء، مشيرا إلى أن الإصابات بعيدة كل البعد عن القول بوجود وباء، ومن تسبب فى انتشار تلك الشائعات من الأطباء «مابيفهموش».