الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية" تتاجر بـ"المدعمة" في السوق السوداء

"البوابة" تفتح أخطر ملفات الفساد فى قطاع الدواء

 صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تزوير الميزانيات لتحقيق أرباح صورية 
فواتير بيع منشطات جنسية باسم شركة قطاع عام
لبن الأطفال والأنسولين وأدوية الكبد يتم تهريبها بأسماء وهمية
14 مليون جنيه غرامات تأخير بسبب عدم توريد أدوية إلى وزارة الصحة
٦مليار جنيه مبيعات الشركة سنويًا.. و١٧٠ مليون جنيه مديونيات لم يتم تحصيلها
٣٠ مليون جنيه حجم مبيعات لإحدى لجان الإغاثة الوهمية.. و١١مليون جنيه شيكات مزورة ارتدت إلى الشركة بدون مستندات

بدون مقدمات، لو أن جزءا ضئيلا من تفاصيل تلك الجريمة حدث في أي دولة أخرى، لاهتزت كل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، وسارع القائمون على شئون الحكم بتعليق رقاب المتورطين على المشانق، فنحن أمام قضية عنوانها العبث بحياة المصريين، لأنها تطال واحدة من الشركات المملوكة للشعب المطحون حتى النخاع، مهمتها توفير الأدوية المدعومة لغير القادرين، بداية من لبن الأطفال والأنسولين، وليس نهاية بالسموم والمواد المخدرة.
هذه الشركة راح المسئولون عن إدارتها يبتكرون الأساليب الملتوية لتحقيق الملايين عبر تزوير الفواتير وتحرير مستندات لجهات صرف وهمية سواء أشخاص أو صيدليات أو جمعيات خيرية.
تعد الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية كبرى شركات قطاع الأعمال المسئولة عن تجارة الأدوية المحلية والمستوردة المدعومة من الدولة برأس مال يصل إلى ٦ مليارات جنيه سنويا، تحولت إلى قبلة للنهب المنظم، وذلك بعدة طرق ملتوية تكفى بأن تذهب بالمتورطين فيها إلى الزنازين، فالفساد الذي اجتاح أروقة الشركة أدى إلى فشل إدارة ملف الدواء بعد أن خيم الفساد عليه بشكل واضح.
فقد قام المسئولون عن إدارة الشركة بالمساهمة في تنشيط السوق السوداء وفتح أبواب العبث على مصراعيه لبيع الأدوية المدعمة، لكنهم ذهبوا بالدعم إلى تجار السوق السوداء ليربحوا مئات الملايين، الأمر الذي كان محفزا لطرح العديد من التساؤلات.
ولكن.. كيف تحولت الشركة القابضة للأدوية المالكة لإحدى عشرة شركة ما بين تصنيع وتجارة الأدوية إلى واحدة من أكبر رموز صناعة وتجارة الدواء في مصر والشرق الأوسط إلى شركات خاسرة لا تستطيع أن تصرف مرتبات موظفيها؟
الإجابة هنا ستكون من واقع المستندات التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد ضرب بجذوره في الكيانات الاقتصادية المهمة، حيث جرى تخريبها عمدا لصالح مافيا الدواء، رغم أن هذا الملف يدخل في نطاق الأمن القومى المصرى، وتشير المعلومات التي حصلت عليها «البوابة» إلى تورط المسئولين عن الشركة المصرية لتجارة الأدوية في بيع الأدوية المدعمة في السوق السوداء ولتجار المخازن و«مافيا حرق الأدوية»، وذلك بالمخالفة للقانون وفقا للمستندات الموجودة بحوزتنا، الشركة تقوم ببيع الأدوية المستوردة المدعمة من ألبان وأنسولين وخلافه في السوق السوداء، وتقوم بتسريبها للمخازن والتجار، وذلك بالمخالفة للقانون والتعليمات التي تحظر بيعها نهائيا لأى جهة بخلاف الصيدليات، ولكن لأن الفوضى هي السائدة يتم البيع للمخازن وتجار السوق السوداء باسم جمعيات خيرية وهمية لا وجود لها، ومخازن وأشخاص غير معتمدين بالفروع التي يقومون بالشراء منها، وينص القانون على أن يقوم صاحب الصيدلية عميل الشركة بتسليم صورة السجل التجارى وصورة البطاقة الضريبية وصورة الرخصة للفرع الذي يقوم بالشراء منه، ولكن بحسب المستندات التي حصلت عليها «البوابة» البيع يتم بدون أي أوراق ومستندات وأن الأدوية تذهب إلى مخازن وتجار السوق السوداء بأسماء وهمية وبعضها مغلق منذ عشرات السنين، وهذا ما أكدته أذون البيع الخاصة بمصنع الغزل والنسيج الذي قامت إدارة التفتيش بالشركة بالاعتراض على قيمة ما يتم بيعه باسم هذا المصنع وخاصة لبن الأطفال.
وكشفت المستندات أن المسحوبات من الألبان المدعمة من فرع دمياط للمصنع كبيرة جدا، وبمتابعة كروت الصنف تبين أنه سحب صنف واحد وهو لبن الأطفال بما يعادل ٢٦٢٦ علبة في الفترة من ١١/٨/٢٠١٤ إلى ٢٦/١/٢٠١٥، وذكرت المذكرة أن السحب كان كالتالى: الكمية المنصرفة لبن الأطفال (نكتاليا ١) أخضر ٨٣٨ علبة، و(بيوميل ٢) أزرق ٦٠٤ علبة و(نكتاليا ٢ أزرق) ٤٦٩ علبة، (ليبوماتيك ٢ أزرق) ٣١٧ علبة، (بيوميل ١ أخضر) ٢٦٥ علبة، (ليبوماتيك ١ مستورد) ١٣٣ علبة بإجمالى ٢٦٢٦ أي متوسط الشهر ٣٧٥، فكيف لمصنع غزل ونسيج أن يصرف كل هذه الكميات، وكشفت المذكرة الذي حررها قطاع التفتيش بالشركة أن هذه الأصناف لم تصرف أصلا وأن جميع المسحوبات تم سدادها نقدا وبأسماء أشخاص لا علاقة لهم بالمصنع، وأنه لا يجوز سحب ألبان لأى جهة حكومية، إضافة إلى مستشفى اليوم الواحد، كما تبين أن المصنع والمستشفى سحبا الآلاف من حبوب «أريك» وهى أقراص منشط جنسى، وكذلك الأنسولين المدعم.
الأخطر من ذلك حسب المستندات قيام الشركة ببيع الألبان المدعمة إلى تجار السوق السوداء ومخازن بأسماء وهمية، ففى فرع الشركة بالعباسية قام المسئولون ببيع كميات من الأدوية المدعومة بـ٨ ملايين جنيه إلى جمعية تحمل اسم «شبان فرسان» تبين أنها وهمية، إلى جانب أنها لم تكن من بين المؤسسات المسجلة على الفرع، ولا يوجد لها أي أوراق، والأدهى من ذلك أنه من المفترض أن يتم سداد مستحقات الشركة من بيع الألبان المدعومة إلى الجمعية المزعومة، إن كانت قد بيعت بالفعل بشيكات بنكية مثل ما هو متبع مع المؤسسات حسب اللوائح البنكية، إلا أن الأوراق الرسمية كشفت بجلاء تفاصيل تلك الواقعة التي ترقى إلى مستوى الجريمة المكتملة الأركان، فقد تبين أن المبالغ المستحقة تم سدادها نقدا بأسماء لأفراد عاديين، وهو ما يؤكد أن تلك الأدوية تم تسريبها للسوق السوداء والمخازن، الأمر الذي ترتب عليه ضياع الدعم وعدم وصوله لمستحقيه، فضلا عن ضياع حقوق الدولة لأن هذه الجهات لا تقوم بدفع ضرائب لأنها ليس لها وجود، وبالتالى تضيع ملايين الجنيهات على الخزانة العامة.
الفضيحة الكبرى في مسلسل التلاعب بالمال العام أن أحد فروع الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية قام بالتعامل على الورق مع إحدى لجان الإغاثة، ويطلق عليها «أمان فلسطين»، وهى حسب المستندات والأوراق لجنة لها حسابات وأرصدة مالية في البنوك، البيع لهذه اللجنة تجاوز التسعين مليون جنيه من الأدوية المستوردة والمدعمة، بالمخالفة للتعليمات التي تنص على عدم بيع الأدوية للقطاعات الخيرية، فقد كشفت مذكرة مقدمة إلى التفتيش والرقابة تؤكد أن الأدوية تخرج باسم اللجنة على الورق وتباع في السوق السوداء، خاصة أن جميع الشيكات المستحقة على عمليات البيع ترد إلى الشركة بأسماء لأفراد، وهى شيكات صادرة من فروع متعددة لبنوك مختلفة، وهو ما يعنى أن البيع على الأوراق للجنة الإغاثة «أمان فلسطين» والسداد يأتى عن طريق أفراد وليست اللجنة.
كما أشارت المذكرة إلى أن قطاع التفتيش والرقابة ذهب إلى فروع الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الأدوية برمسيس لإجراء جرد مفاجئ على الشركة بتاريخ ٢٠/٣/٢٠١٤، وبفحص الفرع تبين وجود شيكات مرتدة بمبلغ ٤ ملايين و٧٠٠ ألف جنيه، وبفحص هذه الشيكات تبين أنها تخص لجنة الإغاثة «أمان»، وبمراجعة مديونية اللجنة لدى الفرع تبين وجود مديونية بمبلغ ٨ ملايين و٢٧٥ ألفا و٢٨ جنيها، والكارثة الأكبر أنه بمتابعة مسحوبات لجنة الإغاثة الوهمية في الفترة من ١/٣ إلى ٢٠/٤ تبين أنها بلغت ٣ ملايين جنيه و١٩٢ ألفا، فكيف تم سحب أدوية بكل هذا المبلغ في أقل من شهر؟ خاصة أن معظمها أدوية مدعمة، التقرير الصادر بشأن التفتيش توصل إلى أن صافى المديونية على اللجنة بلغ أكثر من ١١ مليون جنيه، كما توصل التقرير إلى ما هو أكثر جرما، فلا يوجد بالفرع أي مستندات تفيد التعامل مع اللجنة بهذه المبالغ، فأين ذهبت كل هذه الأدوية التي تتجاوز ١٠ ملايين جنيه بدون مستندات وبأسماء وهمية.
المذكرة المرفوعة من أعضاء الرقابة والتفتيش المكونة من المحاسبين ماجد عزيز ومحمد بحر ومحمود فهمى، تضمنت تساؤلات عن أسباب التقاعس في مسائلة المتسببين في الفساد الذي اجتاح الشركة المملوكة للدولة، إلى جانب تستر الشركة القابضة للأدوية على بيع أدوية بأكثر من ١٠ ملايين جنيه ما بين مدعم ومستورد بدون مستندات دالة على شرائها طبقا لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات.
أما الكارثة التي كشفتها المستندات أن اللجنة المزعومة حصلت على أدوية مستوردة ومدعومة بقيمة ٧٥ مليون جنيه، واتضح بعد ذلك تسليم هذه الأدوية للمخازن طبقا لاعتراف الموزعين وفرع رمسيس في التحقيقات التي جرت بشأن تلك الواقعة، ولم يكتف الفاسدون داخل الشركة المصرية بذلك الأمر، بل إن سيدة تدعى «هدى» تم الصرف لها باسم لجنة الإغاثة «أمان» أدوية بمبلغ ١٤ مليون جنيه، منها أدوية مدعمة ومستوردة بمبلغ ٥ ملايين جنيه، واكتشفت الشركة أن السيدة ليس لها حساب وأن الشيكات مزورة.
الفساد وصل إلى حدود لا تطاق هذا ما أكده أحد العاملين بالشركة - رفض ذكر اسمه – مؤكدا أن رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب ومديرى المناطق البيعية والمسئول عن الصيدليات والفروع، كذلك محمد وهب الله رئيس اللجنة النقابية داخل الشركة مسئولون جميعا عن الفساد في قطاع الدواء، وأضاف أن وقائع إهدار المال بالشركة لا تعد ولا تحصى منذ عصر مبارك وأن العامل المشترك في كل هذا الفساد هو محمد وهب الله لأن جميع رؤساء مجالس إدارة الشركة المصرية التي توالت على الشركة منذ ٢٥ يناير وحتى الآن تأتى بوهب لنفوذه الواسع، حيث يتولى نائب رئيس اتحاد العمال المصرى وعضو لجنة الأزمات بالشركة القابضة للأدوية.
وأكد بعض العاملين بالشركة أنهم تقدموا أكثر من مرة ببلاغات وشكاوى للنيابة والشركة القابضة، ولم يتحرك أحد.
كما تؤكد المستندات أن غرامات التأخير عن عدم توريد الأصناف إلى وزارة الصحة بلغت أربعة عشر مليون جنيه وستمائة وثلاثة آلاف خلال الفترة من ١/٧/٢٠١٣ إلى نهاية ٢٠١٤ وأن هذه الغرامات لم يتم تحصيلها من الشركات التابعة للقابضة للأدوية، وهو ما أكدته المذكرة المعروضة على رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب بخصوص غرامات التأخير التي لم تخصم من الموردين، والتي بلغت كما تشير المذكرة إلى أكثر من ١٤ مليون جنيه بنهاية عام (٢٠١٤)، وأشارت إلى أن إجمالى الغرامات على السنة المنتهية في ٣٠/٦/٢٠١٤ بلغت ١١ مليونا و٦١٨ ألفا و٨٠٩ جنيهات لم يتم تحصيلها من الشركات، وأن إجمالى الغرامات عن الفترة من ١/٧/٢٠١٤ إلى نهاية العام (٢٠١٤) بلغت نحو ٣ ملايين لم يتم تحصيلها من الشركات وهذا بخلاف المخصوم من المراكز الفرعية، وأشارت المذكرة إلى أنه لم يتم خصم المبالغ من الموردين، ولم تتم تسوية هذا المبلغ حتى الآن بتعليمات من رئيس الشركة المصرية.
لم يقف إهدار المال العام عند هذا الحد داخل الشركة المصرية لتجارة الأدوية، وأشارت المستندات إلى أن حجم المديونية للشركة لدى الغير والمحالة للشئون القانونية ولم يتم اتخاذ أي إجراءات بشأنها بلغت ١٨٠ مليون جنيه حتى الآن، وأن هذه المديونية محبوسة داخل أدراج الشئون القانونية منذ ١٧ عاما، بخلاف ما تم إعدامه، وهو ما أشارت إليه المستندات الخاصة بلجنة الجرد المشكلة بالقرار رقم ٢٢ لسنة ٢٠١٤، حيث قامت اللجنة بعمل جرد فعلى على الطبيعة من واقع ملفات المديونات المحالة من القطاع المالى حتى نهاية ٢٠١٤، وأسفرت أعمال اللجنة عن الآتى:
بلغت جملة المديونيات حتى ٣٠/٦/٢٠١٤ التي تم جردها بالقطاع القانونى نحو ١٨٠ مليون جنيه، في حين أن المديونية طبقا لدفاتر القطاع المالى بلغت نحو ١٧٠ مليون جنيه، أي بفرق قدرة ١٠ ملايين جنيه بدون مستندات تثبت تلك الفروق في المديونية، فلماذا لم يتم حتى الآن التحقيق في هذه المديونية، رغم إحالة الأوراق إلى رئيس مجلس الإدارة د. محمد حسانين ود. تهانى طوس، العضو المنتدب اللذين قاما بالتنبيه على الشئون القانونية بعدم التحقيق في بعض المديونيات والتستر على المخالفين، وذلك لتمكين الفروع ومدير المناطق من شراء أدوية منتهية الصلاحية وإدخالها الفروع مكان الأدوية والمديونيات التي لم يتم تحصيلها لعدم وجود مستندات لها وسدادها بالإشعارات الوهمية، فلمصلحة من يتم تلك العبث بالمال العام.
ولم يكتف المسئولون داخل الشركة بكل العبث وإهدار المئات من الملايين، بل قام عضو مجلس الإدارة بالشركة محمد وهب الله باستئجار فرع للشركة في منطقة المنيل من شركة بنزايون، بما يعادل ٢٥ مليون جنيه حتى تاريخه، وحسب المستندات التي بحوزتنا فإن الشركة قامت باستئجار جزء من بنزايون المنيل كفرع للشركة المصرية ودفعت ٨ ملايين جنيه كمقدم عقد، إضافة إلى تطوير الفرع بمبلغ ٣.٢ مليون جنيه، وكذلك إيجار شهرى يتجاوز الخمسين ألف جنيه بزيادة ٩٪ كل سنة، وبعد أن قامت الشركة بتأجير الفرع لمدة ٥ سنوات، منها ٣ سنوات تم تجهيز الفرع فيها ولم تستفد الشركة منها بأى شيء، وبعد السنة الثالثة قامت بتجديد العقد بدفع ٥ ملايين جنيه مرة ثانية إضافة إلى تجديده لمدة عشر سنوات بزيادة ٩٪ كل سنة، وهو ما أدى إلى ضياع أكثر من ٢٥ مليون جنيه على الشركة، إضافة إلى أن الشركة قامت بتعيين أكثر من ٣٠ موظفا ببنزايون في الشركة المصرية، وإذا كانت الشركة قد قامت بشراء الفرع حسب سعر المتر كان لا يتجاوز ١٠ ملايين جنيه، وفى الحلقات القادمة سنكشف المزيد من الوقائع المثيرة.
النسخة الورقية