الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

النص الكامل لكلمة «السيسي» أمام البرلمان الإثيوبي

 الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حصلت "البوابة نيوز"، على نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي ألقاها أمام البرلمان الإثيوبي، اليوم الأربعاء، التي أكد فيها أن مصر مستعدة لتحمل مسئوليتنا التاريخية تجاه قارتها الأفريقية، وحان الوقت كي تتحقق نبوءة الزعيم الأفريقي نكروما، الذي نادى بوحدة وتنمية القارة السمراء.
وقال نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام البرلمان الإثيوبى:
السيد/ رئيس جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
السيد/ رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
السيد/ رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبى
السيد/ رئيس المجلس الفيدرالى الإثيوبى
السيدات والسادة أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالى
الحضور الكريم،
إنها لحظة تاريخية فارقة... تلك التي أقف فيها أمامكم... في بيت الشعب الإثيوبى... لأحمل لكم رسالة أُخُوَّة صادقة ومحبة خالصة... وأيادٍ ممدودة بالخير... تنشد التعاون من أجل التقدم والرخاء... من أخوتكم في مصر... الذين تطلعوا معكم لتلك اللحظة... التي تجسد إرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون على كل المستويات ومن خلال مختلف المحافل... فنحن ومنذ بدء التاريخ... ننهل ونرتوى من نهر النيل العظيم... الذي أجراه الخالق ليحمل الحياة والنماء لشعوب حوضه... إنه النهر الذي باتت مياهه تجرى دماءً في عروق المصريين والإثيوبيين الذين سيظلون دومًا أشقاء... ولن يسمحوا لأى خلاف بأن يدب بينهم أو أن ينال من قوة الروابط التي تجمعهم... وهو ما يؤكده تواصلى المستمر مع أخى رئيس الوزراء الإثيوبى منذ لقائنا الأول في مالابو... وثقتى كاملة في أنه يتطلع معى إلى توثيق وتفعيل ما بيننا من صلات والبناء عليها في كل المجالات... وقد تأكدت تلك الثقة عندما سعدت بلقاء الأخ العزيز، رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبى في القاهرة بصحبة نخبة من أعضائه ووفد الدبلوماسية الشعبية...
إن تلك الصلات التي تجمع بين بلدينا زادت قوة بانتمائنا معاَ إلى عائلة واحدة هي قارتنا الأفريقية التي تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها... حيث كانت مصر من أشد المتحمسين لأن تكون هذه المدينة مقرًا لها... لقد كان وقوف بلدينا في طليعة الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية أقوى تعبير عن إدراكهما لارتباط مصير أبناء تلك العائلة الأفريقية وحتمية نضالهم معًا من أجل التحرر والاستقلال والوحدة... وأنه لا بديل عن تلبية نداء التعاون حتى يمكن لشعوب أفريقيا مجابهة التحديات التي كانت تواجهها... واليوم وإن اختلفت طبيعة التحديات لكنها زادت جسامة وتعقيدًا... على نحو بات يحتم علينا درجة أوثق من التعاون والتضامن ومزيدًا من الفهم المشترك للبناء على ما يجمعنا...
السيدات والسادة،
إننى وباِسم تلك الأخوة وهذا المصير المشترك... ومن منطلق مسئوليتنا جميعًا إزاء شعوبنا وأجيالنا القادمة... أدعوكم اليوم كى نكتب معًا صفحة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية الإثيوبية... نسطر فيها آمال وطموحات شعبينا... نتطلع فيها إلى مستقبلنا المنشود... مستقبل زاخر بالرخاء ومفعم بالأمل... ونستلهم فيها أفضل ما في تاريخنا من قيم سامية ومواقف مُشرقة لن ينساها التاريخ... من رحلة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام طلبًا للأمان في بلادنا التي باركها الله في الإنجيل والقرآن... إلى لجوء المسلمين الأوائل لإثيوبيا هربًا من الاضطهاد، حيث لقوا الحماية والرعاية من أهلها... وصولًا إلى كفاحنا ضد الاستعمار وتدخل القوى الطامعة في بلادنا...
أدعوكم أيضًا لنأخذ العبرة من الصعاب التي خضناها... ومن العقبات التي اعترضت سبيل علاقاتنا... لكى نتخطى سلبيات الماضى التي يجب أن نتفق على أنها لن تضع قيودًا على الحاضر... ولن تعيق تطلعاتنا نحو المستقـبل... نعم... نحن بحاجة إلى بناء جسور الثقة... لكننا نريد أيضًا أن نسد فجوات الشك والريبة التي ما كان يجب لها أن تُترك لتتمدد... أو أن تصبح هُوَّة تفصل فيما بيننا... وتلك مسئولية مشتركة تقع على عاتق السياسيين والمثقفين والإعلاميين في بلدينا... باعتبارهم قادة الرأى والفكر... وعليهم أن يرتقوا إلى قدر المسئولية الجسيمة التي يحملونها أمام الله وأمام الشعوب... فمن الواجب علينا معًا أن نترك لأجيالنا الجديدة ميراثًا أفضل مما آل إلينا...
كما نحتاج إلى أن نكتب معًا صفحة جديدة في تاريخ علاقاتنا الثنائية نستفيد فيها من مبادئ العصر الحديث الذي نعيشه... وعلى رأسها التعاون وتحقيق المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة... فمن يَنشُد التقدم في عالم اليوم يدرك أن عليه تجنب النزاعات غير المُجدية... والنأى ببلاده عن الصراعات التي تستنفد الطاقات والموارد الثمينة... والتي يجب توجيهها عوضًا عن ذلك إلى التنمية وتحقيق الرخاء... من أجل الارتقاء على دروب العلم والمعرفة وامتلاك الأدوات التي تكفل استدامة التقدم والرقى...
السيدات والسادة،
أدعوكم اليوم لكى نضع معًا ركائز مستقبـل أفضل لأبنائنـا ولأحفادنـا... مستقبلٌ تُضاء فيه كل فصول المدارس في إثيوبيا... ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم... مستقبلٌ يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا... ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا... ولكى يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما... فلا ينبغى أبدًا أن يأمن أحدنا على مستقبله دون الآخر... أو أن يبنى رفاهيته على حساب أخيه... فكما أن لبلدكم الشقيق الحق في التنمية... وفى استغلال موارده لرفع مستوى معيشة أبنائه... وكما لا ينبغى أن يشهد القرن الحالى مشاهد الجفاف والمجاعة التي أدمت قلوبنا جميعًا وتألمنا لها في القرن الماضى... فإن لأخوتكم المصريين أيضًا الحق ليس فقط في التنمية ولكن في الحياة ذاتها... وفى العيش بأمان على ضفاف نهر النيل الذي أسسوا حوله حضارة امتدت منذ آلاف السنين ودون انقطاع...
إن هذه الحضارة التي أقامها المصريون أدركت منذ القدم قيمة النهر العظيم فكان يوم وفائه عيدًا... وخاطبه المصريون بالشعر والغناء كأنه يسمع ويعى مدى اِرتباطهم به... إن ذلك التخليد ليس إلا تعبيرًا بسيطًا عن محورية النيل الذي كان ولا يزال المصدر الوحيد للمياه... بل وللحياة... لما يقرب من 90 مليون مصرى يعيشون على جانبيه ويتعلقون به... وتقوم حياتهم في الوادى الضيق الذي يشقه نهر النيل وسط صحراء شديدة الجفاف تمثل نحو 95٪ من مساحة مصر... كما أن نشأة الدولة المصرية ذاتها ارتبطت بدورها الرئيسى في تنظيم الحياة حول نهر النيل... وفى إدارة حقوق المواطنين في الاستفادة من مياهه... وقد امتد هذا الدور على مدى العصور التالية تأكيدًا للارتباط الوثيق بين مصر وبين نهر النيل... فقامت الحضارة المصرية وأبدعت في مختلف مجالات الحياة لتسهم في إثراء التراث البشرى... واليوم وبرغم زيادة السكان بمعدلات كبيرة وتعاظم الاحتياجات وتوسعها لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة... لم تشهد موارد مصر من المياه أية زيادة تتناسب مع كل هذه الاستخدامات الأساسية... إننا بإذن الله عازمون على أن تعود مصر لمكانتها وعلى أن تزداد حضارتها تألقًا... على أن يكون التعاون والمشاركة وسيلتنا لتحقيق النماء والازدهار والرخاء لنا في مصر ولأشقائنا في إثيوبيا وفى حوض النيل بأكمله... لاسيما في ظل ما لدى دول الحوض من الموارد ومن الإمكانيات البشرية... وذلك في إطار سياسة الانفتاح على أفريقيا التي تحرص عليها مصر الجديدة.. التي لا تكتفى بالأقوال بل تتخذ من الأفعال سبيلًا لتعزيز علاقاتها العضوية مع قارتها الأم ودولها الشقيقة...
السيدات والسادة،
إن لدينا اليوم الفرصة السانحة لنصوغ معًا رؤيةً طموحًا للمستقبل... حتى يسجل التاريخ أننا كنا على قدر المسئولية التي تحملناها... وأننا سعينا دون تقصير لضمان حقوق شعوبنا الأساسية... بما في ذلك الحق في حياةٍ كريمةٍ خاليةٍ من الجوع والعطش... ومن الظلام والفقر... للوفاء بالوعود التي قطعناها على أنفسنا لأبناء الوطن نحو مزيد من التنمية... والتي نثق أنها سوف تمتد حتمًا لتعُم دول المنطقة وقارتنا بأكملها... عندما نقدم مثالًا يُحتذى به للتعاون والعمل المشترك والمثمر... لدينا اليوم هذه الفرصة... من خلال إنفاذ الإرادة السياسية التي أنجزت اتفاق المبادئ الذي وقعنا عليه في الخرطوم مؤخرًا... وذلك باِستكمال الإجراءات الدستورية في دولنا حتى يدخل حيز النفاذ دون إبطاء أو تأجيل... فالعبرة ليست بالكلمات والشعارات... ولا بتوقيع الوثائق والاتفاقيات... وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص... ولسوف تذكر الأجيال القادمة أننا اخترنا في لحظات حاسمة أن ننحاز إلى مستقبل أفضل... وألا نبقى أسرى للماضى... وأن نحلق نحو آفاق أرحب من التعاون... دون قيود من الشك والريبة... وسوف تجد الأجيال القادمة أيضًا أن الاتفاق الذي أنجزناه كان هو السبيل إلى ذلك الأفق الذي مضينا إليه... على أساس قوى من الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك حول المبادئ والإجراءات التي أرسيناها معًا من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه...
كما أن اتفاقنا لابد أن يدفعنا لاستغلال القواسم المشتركة التي تجمع بين مصر وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان في إطار حوض النيل الشرقى... والتي تؤهل هذه الدول الشقيقة جميعًا للبناء على ذلك الاتفاق الذي وقعنا عليه... من خلال صياغة وتنفيذ الخطط للتعاون وللاستفادة من مواردنا المشتركة للتغلب على المشكلات وتحقيق الفوائد المتبادلة...
فلنعمل إذن من أجل مواطنينا... ولنقدم لأبناء قارتنا نموذجًا يُجسد معانى الأخوة والتفاهم... ويتبنى في ذات الوقت مبادئ التعاون والإنصاف وتبادل المصالح بين الدول... بل إننى أدعوكم أيضًا انطلاقًا من هذه النقطة... وكنواب للشعب الإثيوبى إلى النظر إلى ما هو أبعد من ذلك... إلى العمل مع أشقائكم في مصر وفى باقى دول حوض النيل لبناء توافق أشمل وأوسع فيما بيننا... يسمح بتجاوز الخلافات والنقاط العالقة في الاِتفاقية الإطاريــة لمبادرة حوض النيل... حتى تتسع كى تشمل كل دول الحوض وتلبى احتياجاتها جميعًا... ولكى نمضى بكل ثقة نحو آفاق من التعاون الذي لم يعُد من قبيل الترف... بل إن التخلف عنه صار بمثابة إضاعة لفرص سانحة... وإهدار لعوائد كان يمكن لنا تحقيقها... فالموارد متوافرة ومتاحة... ولا ينقصنا سوى توظيفها واستقطاب الفواقد منها... واستخدامها فيما ينفع شعوبنا التي طالما تاقت نحو التنمية والرخاء...
فالتحديات التي تواجهنا سواءً في حوض النيل أو في أفريقيا عديدة وعلى جبهات واسعة... فما بين الفقر والبطالة وسوء استغلال وإدارة الموارد... وبين قضايا السلم والأمن ومكافحة الإرهاب البغيض الذي يتربص بنا والجريمة المنظمة التي تتاجر بأبنائنا وتقتات من دمائهم... فضلًا عن تفشى الأمراض والأوبئة والتهديدات المرتبطة بتغير المناخ وتدهور البيئة والتصحر... لا بديل لمصر وإثيوبيا كقطبين رئيسيين في القارة... سوى أن تعملا على المستوى الثنائى ومع أشقائهما في أفريقيا... للتغلب على تلك التحديات التي أصبحت تهدد شعوبنا بل وتستهدف كياننا ووجودنا ذاته...
واسمحوا لى هنا أن أشير بصفة خاصة إلى أحد أبرز التحديات التي تواجه منطقتنا والتي لا تقل خطرًا عن الجفاف أو الأمراض... إنه وباء الإرهاب الذي يحصد الأرواح ويقسم المجتمعات ويقضى على نسيجها... إن عدوى هذا الوباء تنتقل عبر الحدود وتتحدى سلطات الدول... فلا يمكن اليوم أن نفصل بين التنظيمات الإرهابية التي تسعى للتمدد في أقاليم أفريقيا المختلفة... الأمر الذي تتطلب معه جهود مقاومة الإرهاب والقضاء عليه عملًا جماعيًا على مختلف المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية... فما لم نعمل معًا على استئصاله.. لا يمكن أن يكون أحدنا بمأمن من شره...
السيدات والسادة،
لقد حان الوقت كى تتحقق نبوءة الزعيم الأفريقى العظيم "نكروما" عن "نهضة إثيوبيا الحكيمة"... والتي أطلقها في ختام الاجتماع التأسيسى لمنظمة الوحدة الأفريقية منذ أكثر من خمسين عامًا... ومصر اليوم تقف بكل عزم إلى جانب إثيوبيا لكى نحول معًا تلك النبوءة إلى حقيقة واقعة... إنطلاقًا مما أكده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في نفس الاجتماع حينما تحدث عن مجئ مصر "بقلب مفتوح وعقل مفتوح وتقدير للمسئولية مفعم بالنية الصادقة وهى مستعدة أن تتحمل إلى كل الحدود مسئولياتها التاريخية تجاه قارتنا الأفريقية"... ولا يفوتنا بهذا المقام الإشارة إلى ما ذكره رئيس الوزراء الإثيوبي العظيم "ميليس زيناوي" خلال زيارته للقاهرة عندما ذكر أن نهر النيل يُعد بمثابة الحبل السُرى الذي يربط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما يؤكد أن تدفق مياه النهر من المنبع إلى المصب ما هو إلا حصص إلهية قدرها الله لنا جميعا.
وإننى أؤكد أمامكم مُجددًا التزام مصر بهذا الواجب... وحرصها على الوفاء به على أسس من التعاون والمشاركة... باعتبارهما أقوى دافع وأفضل ضمان حتى تكلل جهودنا بالنجاح...
إن مصر الزاخرة بالإمكانيات والطاقات وبخبرات وقدرات أبنائها... وبما لديها من العلاقات الممتدة والمتشعبة إقليميًا ودوليًا... ومن الانفتاح على العالم في مختلف المجالات... على استعداد لأن تستثمر بكل دأب في مشاركة فعالة مع أشقائها في إثيوبيا ومن أجلهم... نهدف إلى أن يكون أهم عوائدها هو تحقيق التنمية والفائدة المشتركة في مختلف المجالات... لاسيما تلك التي يلمسها المواطنون في القرى والحقول وفى القطاعات التي تمس حياتهم ومستقبلهم...
وأخيرًا وليس آخرًا... أؤكد لكم باِسم الإنسانية التي تجمعنــا... وأخوتنا الأفريقية التي نعتز بها... ونيلنا الذي يوحدنا... إننى بينكم اليوم لنكسب معــــًا... لنصنع مستقبلًا واعدًا وحياة مزدهرة لنا جميعًا.. فلا سعادة لأحدٍ بشقاء الآخرين... لنقر حقوق شعبينا بتحمُلٍ كاملٍ للمسئولية... وبضمائر نقية... لنؤكد معًا قيمًا نبيلة... أراد الله العلى القدير... أن ننشرها فيما بيننا... وأن تكون دستورًا لحياتنا معًا... إعلاءً لقيمة الإنسان... الذي كرمه الله... وأمره بعمارة الأرض... ولنساعد معًا في إحياء نفوس بريئة مصداقًا لقوله تعالى "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"