لم أكن أتخيل يوما أن أشاهد، بأم عيني، هذا المشهد، بعد ثورتين متتاليتين فى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو. ثورتان دفع الشعب المصرى العظيم وأبناؤه من رجال القوات المسلحة والشرطة ثمنا باهظا لهما.
لم أكن أتخيل بعد كل تلك التضحيات ودماء الشهداء وآلام المصابين، أن يأتى سكرتير جمال مبارك والناطق الرسمى باسم الحزب الوطني، ورئيس تحرير الموقع الإلكترونى الخاص بالحزب، السيد يوسف ورداني، ويجلس بجانبى على المنصة وبجانب شيخ علماء الاجتماع فى مصر والوطن العربى أستاذنا الدكتور السيد ياسين، فى افتتاح مؤتمر الباحثين الشبان، باعتباره نائبا لوزير الشباب المهندس خالد عبدالعزيز.
حضر الرجل لإلقاء كلمة الوزير الذى اعتذر عن عدم حضور المؤتمر لارتباطه بحضور احتفالية عيد العلم.
عندما قدم الشاب نفسه باعتباره نائبا للوزير، لفت نظرى جلوس بسام صلاح كبير باحثى المركز العربى للبحوث وتلميذ السيد ياسين وأحد الذين شاركوا فى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو بقوة، كما توضح الصور المنشورة فى الصفحة الخامسة، فى آخر الصفوف فى المؤتمر.
تلك الصدفة العجيبة والمؤلمة، فى آن، جعلتنى أسترجع كلامك يا سيادة الرئيس حول «تمكين الشباب»، فعن أى شباب يا ترى كنتم تتحدثون سيادتكم، وهل هؤلاء الشباب أمثال سكرتير جمال مبارك وأعوانهم هم من كنتم تعنونهم عندما تحدثتم عن فكرة التمكين؟ وإن كانت الإجابة بالنفي، كما أعتقد، فلماذا فعل ذلك السيد وزير الشباب، الذى أعرف جيدا مقدار قربه من شخصكم الكريم، ومدى رأبه هو شخصياً فى العمل من أجل مصر وهل من قام باختيار يوسف وردانى فى هذا المنصب السياسى الرفيع شخص آخر غير وزير الشباب؟!.
لقد اكتشفت يا سيدى أننى لست وحدى الذى تتملكنى الحيرة والغضب، من تغلغل أنصار وقادة محسوبين على النظامين السابقين فى كل وزارات الحكومة وأجهزتها الفاعلة، لكن ما استغربته أن يمتد ذلك للشباب أيضا، صناع المستقبل، كما تطلقون عليهم سيادتكم، وبيد واحد من أخلص أتباعكم، هو وزير الشباب، الأمر الذى قد يفهم منه أنه توجيه رئاسى لا سمح الله.
سيدى الرئيس تتحدثون دائما، وأوافقكم الرأي، عن أن البلاد تخوض معركة وجود وتحديد مصير، فهل هؤلاء هم جنودنا فى هذه المعركة، لقد فروا بجلدهم عندما حان الزحف من قبل سواء فى ٢٥ يناير أو ٣٠ يونيو، ثم عادوا الآن ليلتقطوا الغنائم، الأمر الذى ذكرنى بمقولة الشاعر الكبير أمل دنقل فى قصيدته الشهيرة «سرحان لا يتسلم مفاتيح القدس»:
« آهِ، مَن فى غدٍ سوف يرفعُ هامَته؟
غيرَ من طأطأوا حينَ أَزَّ الرّصاصْ؟!
ومَن سوفَ يَخطبُ - فى ساحةِ الشهداءِ - سوَى الجُبناءْ؟
ومَن سوف يُغوى الأراملَ؟ إلا الذى سيئولُ إليهِ خَراجُ المدينةْ!!»
نعم يا سيدى هم يرفعون الرأس الآن، بعدما سكت أزيز الرصاص، ذلك الذى حصد أرواح الشرفاء وما زال يهدد من تبقى منهم.
وأنا هنا يا سيدي، لا أتحدث عن عموم أعضاء الحزب الوطني، فالقاصى والدانى يعرف رؤيتى جيدا فى هذا الموضوع، وبعضهم أصدقاء أعزاء لي، لكننى أتحدث عن رموز قدمت باعتبارها أبطال الفكر الجديد، فكر جمال مبارك، الذى أطاح بالبلاد والعباد ومكّن لأحمد عز ورجال الأعمال الفاسدين ليوغلوا فى دماء المصريين وأقواتهم، لم يراعوا إلّا ولا ذمة.
سيدى الرئيس إن هذا الوضع المعوج لا تساق به الأمم، وكما قلتم، وللمرة الثانية أوافقكم الرأي، فإن الشعب الذى ثار مرتين قادر على الثورة للمرة الثالثة، فهل هذا ما نسعى إليه وندفع باتجاهه؟
اسمعكم كثيرا تتحدثون عن العناصر الواجب توافرها فى المسئول السياسى الذى يخدم فى عهدكم، خاصة من الشباب، فهل هذه المواصفات تنطبق على هؤلاء يا سيادة الرئيس؟
أرجوكم يا سيادة الرئيس، لقد دفعنا ثمنا باهظا للدفاع عن هذا الوطن، وكدنا نفقد حياتنا وحياة أبنائنا، وما زلنا نعيش مهددين فى أرواحنا، من أجل أن يقوم هذا البلد من عثرته ونباهى به الأمم، لكن لم نثر أبدا لتمكين رجال جمال مبارك، ولا رجال خيرت الشاطر، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فلا تجعلونا نكفر ببلادنا، أثابكم الله.
المزيد: