الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: جلست على مقعد أمير الصحافة!

نقابة الصحفيين
نقابة الصحفيين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعم جلست على مقعد أمير الصحافة العربية أربع سنوات كاملة. عملاق وأستاذ شارع الصحافة محمد التابعي. صاحب المدرسة الصحفية المميزة. الذي حول المقال الصحفي من مجرد سطور جامدة تعتمد على السرد الممل والألفاظ الرنانة. إلى كلمات جذابة رشيقة ذات معان عميقة. تجسد تماما ما يسمونه أسلوب "السهل الممتنع".
كنت في دراستي الجامعية للصحافة معجبا بأسلوب الأستاذ محمد التابعي. لكن علاقتي به بدأت يوم وفاته ورحيله عن الحياة!
في أول عملي بدار "أخبار اليوم" فوجئت ذات صباح بأستاذي مصطفى أمين رئيس التحرير. يستدعيني ويبلغني أن أمير الصحافة محمد التابعي قد توفى صباح اليوم، ويطلب منى كتابة تحقيق صحفي عنه.
أسرعت بالذهاب إلى منزل الراحل محمد التابعي في شارع ابن زنكي بحي الزمالك. وهناك التقيت بأرملته السيدة هدى التابعي. التي روت لي بدموعها قصة حياتها مع أمير الصحافة. ورحلته مع المرض والآلام حتى النهاية.
كان أمير الصحافة محمد التابعي صاحب مدرسة صحفية مستقلة وكان رائدا للغة البسيطة المتخففة من أثقال المجاز والقاموس اللغوي الكلاسيكي الرصين. ومارس معظم فنون العمل الصحفي. من الخبر إلى التحقيق والقصة الصحفية. إلى المقال السياسي والمقال النقدي الفني بل وكتب في الرياضة والحب والحياة.
ولد محمد التابعي في 18 مايو في عام 1896 في خليج الجميل ببورسعيد. وتوفى والده وهو في السابعة من عمره. وانتقلت عائلته إلى حي المنيرة بالقاهرة. والتحق التلميذ محمد التابعي بمدرسة السيدة زينب. وفيها تعرف إلى صديق عمره الكاتب الصحفي الكبير فيما بعد فكرى أباظة.
وانتقل التابعي إلى المدرسة العباسية الثانوية. التي تخرج منها ليلتحق بكلية الحقوق. التي تفوق فيها وحصل على ليسانس الحقوق. ليرشحه صديقه سليمان نجيب للعمل في قسم الترجمة في مجلس النواب المصري.
وفى عام 1921 كتب التابعي مقالا باللغة الإنجليزية في جريدة "الديلى ميل"، انتقد فيه أعمال الموظفين الإنجليز الذين يستنزفون أموال الدولة دون عمل. وكان ذلك المقال البداية الحقيقية الصحفية للتابعي.
وفى سنة 1920 عمل مع عبدالمجيد حلمي في جريدة "المسرح" ثم في جريدة "الأهرام" وكان يوقع مقالاته باسم "حندس" لأنه كان في وظيفته الحكومية. ثم قرر التفرغ للصحافة وفى عام 1925.. كانت نقطة التحول الكبيرة في حياته. عندما طلبته السيدة روز اليوسف للعمل معها في مجلتها ناقدا فنيا. ثم شجعته روز اليوسف على دخول معترك الكتابة السياسية.
وهنا بدأ محمد التابعي يكتب سلسلة عنيفة من المقالات ضد الفساد السىاسى في مصر. وفى سنة 1927 نشر عدة مقالات. انتقد فيها العائلة المالكة تحت عنوان "ملك تحت ستار الظلام"، وكانت النتيجة أنه حوكم بتهمة العيب في الذات الملكية. وحكم عليه بالحبس ستة أشهر لكن الحكم أوقف مع غرامة خمسين جنيها دفعها له الفنان يوسف وهبي.
وأصدر التابع مجلة "الكرباج" التي غير اسمها إلى "آخر ساعة". وأصبحت واحدة من أكبر الصحف والمجلات توزيعا وانتشارا. وفى سنة 1934 تعرض لأزمة صحية. فباع "آخر ساعة" لعلى ومصطفى أمين. ليتفرغ للكتابة في صحف الدار ومجلاتها.
وكان التابعي قد أنشأ معه محمود أبو الفتح وكريم ثابت جريدة "المصري" عام 1926. ثم باع نصيبه فيها لمصطفى باشا النحاس. وفى أوائل الخمسينات كان التابعي يحصل على أعلى مرتب صحفي في مصر وهو 7 آلاف جنيه. وقضى معظم شبابه مضربا عن الزواج. لكنه تزوج من الفنانة زوزو حمدي الحكيم ولم ينجب منها. وفى عام 1951 تزوج من السيدة هدى التابعي. وأنجب منها شريفة ومحمد.
كانت الصحافة هي حياة محمد التابعي.. ولم يكتف بنقل الأخبار. بل كان هو نفسه الخبر. فقد كان يحصل على أخباره من كبار الساسة والمسئولين بل والملوك الأمراء. الذين أصبح معظمهم من أصدقائه!
وكتب التابعي عدة مؤلفات شهيرة منها "نساء في حياتي" و"أسرار الساسة والسياسة" و" بعض من عرفت " و"ليلة غاب عنها الشيطان" وقصة "حياة أحمد حسنين".
وكان التابعي من أشهر الرجال أناقة في عصره. وكان يعيش حياة مترفة. وينزل في أجنحة الملوك في فنادق البلاد التي يسافر إليها. وكان أميرا للعشاق كما كان أميرا للصحافة. وقصة الحب بينه وبين الراحلة أسمهان معروفة وقد كتبها بنفسه. كما اكتشفت شخصيا ومن خلال بعض أوراقه الخاصة. أنه كانت هناك قصة حب مجهولة بينه وبين أم كلثوم.
وبعد سنوات من وفاة محمد التابعي حدث أن سافرت إلى مدينة استانبول في تركيا في مهمة صحفية ونزلت في فندق قديم مطل على خليج البوسفور، ومن اللحظة الأولى لدخولي غرفتي في الفندق كان يجتاحني شعور غامض غريب لم أعرف له سببا. وبعد أيام دخل إلى غرفتي نادل تركي عجوز. ما أن عرف أنني صحفي حتى أخبرني أنه يعمل في الفندق منذ أكثر من خمسين عاما. وأنه تعرف على صحفي مصري عظيم. كان قد تعود على النزول في هذا الفندق. وفى الغرفة التي كنت فيها بالتحديد. وعندما سألته عن شخصية هذا الصحفي.
قال لي النادل التركي العجوز: كان اسمه محمد التابعي!
وساعتها عرفت سر شعوري الغامض الغريب بمجرد أن دخلت هذه الحجرة!
ثم شاء قدري بعد سنوات أن أكلف برئاسة تحرير مجلة "آخر ساعة". هكذا وجدت نفسي أدخل مكتب أمير الصحافة وأجلس على المقعد الذي جلس عليه لسنوات. في مكتبه الذي صنع فيه بقلمه أمجاد مجلة "آخر ساعة" الصحفية!
وبعد أسبوع فوجئت بمكالمة تليفونية من السيدة هدى التابعي أرملة أمير الصحافة. وفوجئت بها لا تزال تذكر ما كتبته منذ سنوات طويلة عن وفاة التابعي.
وكانت سعادتى ومفاجأتى عظيمة عندما فوجئت بالسيدة هدى التابعى ترسل لى أكواما في من أوراق أمير الصحافة وبخط يده. ما نشر منها وما لم ينشر من قبل. وهالنى هذا الكنز الصحفى. فقد وجدت فيه على سبيل المثال بعض مذكرات التابعى السياسية. ووجدت فيه مجموعة رسائل نادرة متبادلة بىن محمد التابعى وأسمهان ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ. ووجدت فيه الخطابات المتبادلة بين التابعى وأم كلثوم.
وحملت نماذج من هذه الأوراق إلى أستاذ الكاتب الصحفى الكبىر محمد حسنين هيكل. فاطلع علي بعضها في ذهول. واقترح علىّ أن أبدأ بنشرها في "آخر ساعة" تحت عنوان "أوراق أمير الصحافة"، ففعلت ذلك. بل وجمعتها في كتاب يحمل نفس العنوان لمحمد التابعى!
ولم تنقطع الصلة بينى وبين السيدة هدى التابعى يوما. وان كانت هذه الصلة تليفونية في معظمها. ولم ألتق بها وجها لوجه إلا بعد سنوات. وربطت بينى وبين ابنته شريفة التابعى صداقة جميلة وأسعدنى أن شريفة التابعى قد خصصت موقعا على الإنترنت يحمل كل شىء عن والدها. الكتب التي أصدرها وكل ما كتب عنه. وصورا ناردة لمراحل حياته المختلفة.
لقد عاش محمد التابعى أميرا للصحافة. ومات أميرا لها. وسيظل نفس الأمير.