الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ظاهرة الأولتراس في مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأولتراس حديث الساعة في الشارع المصري، فبعد ساعات تحل الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، ثم تتجه الأنظار في انتظار الأحكام القضائية ضد المتهمين في مذبحة بورسعيد، وبعدها بأيام، وتحديدًا في الأول من فبراير، يمر عام كامل على الجريمة التي سقط من جرائها شهداء من مشجعي النادي الأهلي، لم يرتكبوا ذنبًا إلا الزحف خلف فريقهم لتشجيعه في مباراة يخوضها ضد النادي المصري في بورسعيد.
كل الاحتمالات واردة، وقد تمثل تحركات الأولتراس خلال الأسبوع المقبل حدثًا تاريخيًا بارزًا، ومن هنا يأتي التقرير التالي عن الظاهرة التي يهتم بها المصريون جميعًا.
“,”Ultra“,” كلمة لاتينية بمعنى “,”فوق الطبيعي“,” أو “,”الفائق“,”.. و“,”الأولتراس“,”.. تطلق على مجموعات المشجعين الذين ينتمون لأنديتهم بحماس بالغ.. ويشجعون فرقهم ويؤازرونها ببذل أقصى طاقاتهم، مضحين بالوقت والمال.. داعمين لفريقهم المحبوب في النصر أو الهزيمة.. حريصين على التمييز عن باقي المشجعين.. بارتدائهم قمصان “,”تي شيرت“,” الفريق.. ورفع أعلامهم وشعارات مجموعاتهم والتشجيع المتواصل طوال فترة المباراة بلا انقطاع. كما يتميزون “,”بدخلاتهم“,” الفنية قبيل المباراة.. والحرص الشديد على متابعة مباريات فريقهم في أي مكان.. خارج ملعبه.. أو خارج مدينته أو خارج بلاده أو حتى خارج قارته.. ويلتزم من ينضم لمجموعة الأولتراس.. “,”بروح الأولتراس“,” والتي تعني بالأساس “,”الجماعية وإنكار الذات والأخوة“,”.. فالكل أخوة والكبير منهم مسئول عن رعاية وحماية الصغير.. ولا أحد يسأل أخاه في المجموعة عن دينه أو مستواه التعليمي أو انتمائه السياسي.. وتدار المجموعة بتوزيع المسئوليات والمهمات على الجميع.. ويمكن اختصار آلية عمل وتنظيم “,”الأولتراس“,” بأنها أقرب لآلية وسلوك عمل “,”خلايا النحل“,” في دقتها وانتظامها وتوزيع العمل بين أفرادها.
على الصعيد العالمي.. ظهرت فكرة الأولتراس في بدايات الأربعينيات في البرازيل، ومنها انتقلت لباقي دول أمريكا اللاتينية، والظاهرة باسمها المعروف “,”الأولتراس“,” ظهرت لأول مرة في إيطاليا - في أواخر الخمسينيات - وشكلها مجموعة من العمال من أنصار نادي “,”الانتر“,” في العاصمة روما.. ومنها انطلقت لكل دول أوروبا والعالم.
في العالم العربي كان أول ظهور لجماعات الأولتراس في 1989 لمشجعي نادي الاتحاد الليبي “,”أولتراس دراجون“,” إلا أن نظام القذافي سارع بعد أسبوعين من إعلانها لتصفيتها.
كان الظهور الثاني عربيًا في الجزائر، ثم كان الظهور الأبرز والأكثر انتشارًا في الأندية التونسية وخاصة الأندية الجماهيرية كالترجي والإفريقي والنجم الساحلي.. ومع ميل بعض هذه الجماعات للعنف صدر قرار بحل جميع تلك الجماعات في عام 2010.
وفي مصر، عرفت الأندية المصرية الشعبية، خاصة الأهلي والزمالك، رموزًا من كبار المشجعين.. يقودون الجماهير في المدرجات أثناء المباريات.. ثم تطور الأمر لتتشكل “,”روابط المشجعين“,” والتي كانت في الغالب تتكون بمعرفة إدارات الأندية وبدعم مادي منها.. لمناصرة الفرق الرياضية وفي ذات الوقت لمناصرة مجالس الإدارة.
مع بداية الألفيه الثانية.. بدأت تشكل في النادي الأهلي مجموعات للتشجيع تبلورت إلى “,”أولتراس أهلاوي“,” في عام 2007 مع احتفال الأهلي بالمئوية. وكذلك الحال في الزمالك، حيث ظهر أولتراس “,”وايت نايتس“,” في نفس العام تقريبًا.. وتبعها في الظهور أولتراس “,”يولودراجون“,” المشجع لنادي الإسماعيلي.. ثم “,”الجرين ماجيك“,” أولتراس نادي الاتحاد السكندري.. ثم أولتراس نادي المصري البورسعيدي.. وشهدت الأعوام 2009 إلى 2011 سلسلة من المواجهات الساخنة والعنيفة بين جماعات الأولتراس وبين أجهزة الأمن.
وشارك شباب الأولتراس في الثورة منذ يومها الأول.. وأشاد الجميع بدورهم البارز في موقعة الجمل بالدفاع عن الثوار في الميدان.
وفي سجل شهداء الثورة.. كان لشباب الأولتراس نصيب.. فيسقط “,”شهيدًا“,” لـ“,”الوايت نايتس“,” شهاب أحمد، برصاص الداخلية في شارع محمد محمود.. ويسقط طالب نهائي الطب ولاعب التنس في النادي الأهلي محمد مصطفى، شهيدًا في أحداث مجلس الوزراء.
وعقب مذبحة استاد بورسعيد، في أول فبراير 2012 والتي راح ضحيتها 74 شابًا من أعضاء الأولتراس.. ترفع كل جماعات الأولتراس راية المطالبة بالقصاص العادل للشهداء.. والتصدي للفساد المنتشر في الوسط الرياضي خاصة في اتحاد الكرة والإعلام الرياضي.
وبقدر ما اكتسب شباب الأولتراس من تعاطف وإعجاب جماهيري.. بقدر ما تعرضوا للنقد والرفض لسلوكهم الذي رأى فيه البعض، الكثيرَ من الجموح والانفلات والفوضى والتعالي.. وميلهم لاستخدام العنف.. حيث تم اتهام عناصر من الأولتراس بأنهم كانوا وراء أحداث الشغب أمام السفارة الإسرائيلية.. والاعتداء على مبنى مديرية أمن الجيزة.. وإزالتهم “,”شعار“,” وزارة الداخلية من على المبنى الرئيسي للوزارة، ورسم جدارية لخالد سعيد على جدران الوزارة في الذكرى الأولى لرحيله.. ومع موقفهم القاطع برفض عودة نشاط كرة القدم للملاعب المصرية قبل القصاص لشهداء بورسعيد.. واقتحامهم مبنى اتحاد الكرة، ومحاصرة النادي الأهلي واقتحام التدريب.. وما جرى من مساجلات بينهم وكل الأجهزة المعنية في الدولة قبل إقامة مباراة السوبر في سبتمبر الماضي.. واقتحام فندق اللاعبين لمنعهم من لعب المباراة.. واقتحام مكاتب واستوديوهات قناة فضائية للمطالبة بمنع برنامج رياضي يقدمه مذيع عرف عنه هجومه المتكرر عليهم كما يرون.. والتدخل في انتخابات اتحاد الكرة واشتراطهم انسحاب رموز بعينها، مسئولة - حسب رؤيتهم – عن الكثير من قضايا الفساد في الوسط الرياضي.. وارتباط تلك الرموز الرياضية بعهد المخلوع مبارك وأولاده.. وأخيرًا مطالبتهم بإقالة مجلس إدارة النادي الأهلي على خلفية تحقيقات بشبهة فساد طالت رئيس النادي.
ويبقى السؤال:
الأولتراس.. جناة أم ضحايا؟
الأولتراس.. ثوار أم فوضويون؟
الأولتراس.. أولاد ناس أم مدمنون؟
الأولتراس.. صناع أفراح وحياة أم صناع أحزان وموت؟
يذهب المتعاطفون مع الأولتراس إلى أنهم حالة شبابية.. ضد الفساد في كافة مؤسسات الدولة السيادية والخدمية، والمؤسسات الأهلية والأندية الرياضية خاصة الفساد المتوغل في القطاع الرياضي.. والذي حول الرياضة، وكرة القدم تحديدًا، من لعبة شعبية إلى “,”بيزنس“,” مالي ضخم، يتفشى فيه الفساد والمصالح الشخصية وغسيل الأموال والأشخاص والسعي للمناصب القيادية في الأندية والاتحادات الرياضية كوسيلة للتسلق لأعلى السلم الاجتماعي والسياسي وتوظيف الرياضة، وكرة القدم على الأخص، في أغراض سياسية تخدم النظام السياسي، وتجمل صورته.
الأولتراس.. حالة شبابية.. لخلق فضاء حر يتسع لتحلق فيه نفوس وطاقات شباب يسعى للحرية وكسر القيود والخروج من رتابة المألوف والعادي.. ليصنع المبتكر والمدهش والمثير للحماس والصدام مع قيم الاستبداد والفساد المهيمنة على العقول والأرواح.