تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في الثامن من أكتوبر عام 1973م عنون الكاتب والأديب الكبير توفيق الحكيم عموده الصحفي بهذه العبارة "عبرنا الهزيمة"، وكان وصفا دقيقا لما حدث على الارض من الناحية الاستراتيجية.
فعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف كفيل بحسم نتيجة الحرب بأسرها، وهذا ما أدركه الكاتب الكبير الذي كتب عموده في صباح اليوم التالي على الأكثر للعبور حتى يتمكن من النشر في العدد الصادر صباح يوم 8 أكتوبر.
لكننا ورغم مرور 41 عاما وانتشار قواتنا المسلحة على كافة انحاء شبه جزيرة سيناء بكامل عتادها وعدتها لمحاربة فلول الجماعة المحظورة من العناصر الارهابية لم نبرح الضفة الغربية لقناة السويس ولم نصل ولو مسافة سنتيمتر واحد في عقل ووجدان سيناء.
وأخشى ما اخشاه ان نظل كذلك بعد انتهاء حربنا على الارهاب، ونصرنا فيها أكيد وحتمي فقد أقسم جيشنا على الا تعلو كلمة فوق الكلمة المصرية ودائما صدق قسمه ووعده، لكن يبقى العبور الى الانسان في تلك البادية هو الأمر الأصعب.
كتبت غير مرة في نفس هذه الزاوية مطالبا بضرورة كسر حاجز الغربة بيننا وبين الثقافة البدوية التي تسود في سيناء.. والحق ان هذا الحاجز يمتد الى كل الصحاري المصرية وسأظل أدعو في كل مناسبة الى نقل هذه الثقافة الى المركز لتندمج مع ثقافة النهر وأن نتوقف عن فرض هذه الأخيرة على أهالينا من أبناء القبائل والعشائر.
أدرك ان محور تنمية قناة السويس سيوفر آلاف فرص العمل لأبناء سيناء وأن الدولة جادة هذه المرة في حديثها عن تنمية شبه الجزيرة لكن وفي رأيي المتواضع لن يكتمل النجاح المطلوب في عملية العبور بالتنمية إلا إذا حدث هذا الاندماج الثقافي لاسيما وأننا بحاجة الى ادماج باقي عناصر الثقافة البدوية المنتشرة في الصحراء الغربية والشرقية وصولا الى أهلنا البدو في حلايب وشلاتين ولن يتم ذلك الا بالاحتفاء بمفردات هذه الثقافة من شعر وغناء وعادات وتقاليد بل وحكايات عن عز البدو وشدة بأسهم في الدفاع عن الأرض والعرض.
قبل أشهر أنتجت احدى شركات المحمول استعراضا غنائيا تضمن كوبليه واحدا يعبر عن كل الموزاييك المصري من الصعيد إلى الوجه البحري الى سكان السواحل والمدن وابناء البلد وتضمن أيضا كوبليه يعبر عن البدو في سيناء وقد أحب الناس ذلك الاستعراض وأظنه حافزا لجهات معنية بالانتاج الفني لتقدم لنا "السامر والدحية" السيناوي والمالوف المطروحي .
هذا التراث البدوي المصري الثري ونقله عبر الغناء والدراما والبرامج المتخصصة يساعد لا محال في عملية اندماجنا بأهالينا من سكان الاطراف.
وطالما تخاذلت النخبة الفنية والثقافية والاعلامية عن هذا الدور فاني ادعو وبوضوح ادارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة أن تبحث هذا الأمر وأن تتولى هي وضع حجر الأساس لهذه العملية الحيوية والهامة للحفاظ على أمن الدولة واستكمال عناصر بنائها وأن تكون الهيئة الهندسية مثلها الاعلى في ذلك بما تقوم به من مشروعات نعلمها جميعا بحيث تشرف الشئون المعنوية لقواتنا المسلحة على وضع برنامج متكامل هدفه ادماج هذه الثقافة على نحو يساعد على ادماج ابنائها فكفانا غربة وانعزالا عن أوصالنا التي ينتشر بعضها على أطراف مدننا بل وفي قلب القاهرة فكل منطقة أو حي يسبق اسمه كلمة "عرب" يسكنها بعض العشائر البدوية مثل عرب الجسر وعرب الشرفا وعرب الطوايلة ناهيك عن عرب الصف، ولاحساسهم بهذه العزلة الاجتماعية والثقافية فانهم لا يزالون يعيشون منغلقين على أنفسهم رغم وجودهم في قلب العاصمة.
انه لا نجاح للتنمية في سيناء أو غيرها قبل أن ننجح أولا في معركة العبور الى الثقافة البدوية التي يعني انتصارنا فيها عبورنا الى وجدان أهالينا في الاطراف الذين نركن الى سواعدهم في الدفاع عن حدودنا والذود عن شرفنا وعرضنا.