لا يذكر دفتر تاريخ مصر أن شخصاً رفض بمحض إرادته الخالصة أن يجلس على عرش هذه البلاد . حين جاء هذا العرش يسعى إليه على صينية من ذهب . غير رجل واحد هو الأمير كمال الدين حسين . الذي تنازل عن عرش مصر . ليكون من نصيب الأمير المفلس أحمد فؤاد . والذي أصبح بذلك السلطان فؤاد . ثم فؤاد ملك مصر .
لكن دفتر التاريخ لأسباب غير معروفة . لا يلقى الكثير من الضوء . حول شخصية الأمير غريب الأطوار الذي عزف عن شهوة السلطة وجاه الحكم وصولجانه .
هل رفض الأمير كمال الدين حسين مقعد حكم البلاد ومنصب سلطان مصر بعد رحيل والده السلطان حسين كامل . وكتب على نفسه إقراراً بذلك عن طيب خاطر لأنه كان رجلاً مكتئباً يكره حياة القصور والملوك ؟
أم أنه تخلى عن عرش مصر لأنه لا يريد أن يحكم بلداً تحت حماية أجنبية مستعمرة هي بريطانيا التي كانت تحتل مصر ؟
من هو هذا الرجل ؟
كيف عاش .. وكيف مات ؟
وكيف رفض منصب حاكم البلاد الذي يثير شهية ولعاب أي رجل؟
توافد على حكم مصر من الولاه والسلاطين والملوك من أسرة محمد على 13 رجلاً . من بعد عميد هذه العائلة محمد على باشا الذي حكم مصر من عام 1805 حتى 1848 ميلادية ومن بعده ابنه إبراهيم باشا . الذي حكم فقط عشرة شهور من يونيو 1848 وتوفى ليحكم مصر من جديد محمد على باشا عاماً واحداً توفى بعده .
ثم جلس على سدة الحكم في مصر عباس حلمي الأول ابن طوسون باشا . وجاء بعده محمد سعيد باشا . ثم إسماعيل باشا . ومن بعده حلمي باشا .
أما قصة تولى السلطان حسين كامل عرش مصر في عام 1914 في بداية الحرب الأهلية الأولى . فقد بدأت مع إعلان الحماية البريطاني على مصر . وكانت الدولة العثمانية وقتها صاحبة السيادة القانونية ليس أكثر على مصر. أما بريطانيا فقد كانت صاحبة السلطة الفعلية منذ احتلالها مصر عام 1882 . أما خديو البلاد فقد كان كما وصفته الصحف المصرية مجرد صاحب السلطة الشرعية .
ومن هنا جاء تفكير بريطانيا في تجميع هذه السلطات كلها في يدها . من خلال نظام الحماية الاستعماري . لكن لم يكن هناك مصري يجرؤ على الموافقة على خطوة كهذه . وجاءت الحماية على مصر . دون موافقة المصريين وعلى شكل مجرد إعلان من وزارة الخارجية البريطانية . وتحولت دار المعتد البريطاني في القاهرة ليصبح اسمها دار المندوب السامي . وزادت بريطانيا من إحكام قبضتها على مصر . بإضافة مسئولة الإشراف على علاقات مصر الخارجية لهذا المندوب . الذي أصبح في الواقع وزيراً لخارجية مصر .
وتم إلغاء لقب الخديو لأنه لقب عثماني يمنحه سلطان الآستانة لحكام مصر . وخلع الإنجليز الخديو عباس الثاني الذي كانت معيناً من قبل الآستانة . وأعطوا حكم مصر للأمير حسين كامل . الذي منحوه أيضاً لقب سلطان لتزول سيادة تركيا على مصر للأبد !
وحين جلس السلطان حسين كامل على عرش مصر . كان قد بلغ الحادية والستين من عمره . وكانت له أنشطة كثيرة في مصر . فهو الذي أنشأ الجمعية الزراعية الخديوية . والجمعية الخيرية الإسلامية بعد وفاة مؤسسها الشيخ محمد عبده . كما ترأس جمعية الإسعاف وتولى رئاسة مجلس الشورى لمدة عامين .
وبدأت مصر تعانى من السياسات البريطانية تحت ظل الحماية . وكان من أشدها قسوة قيام السلطة العسكرية البريطانية بمداهمة القرى المصرية . واقتياد الفلاحين المصريين إلى ميادين القتال في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء . ولم يكن الفلاح يحصل سوى على خمسة قروش إذا خدم السلطة البريطانية داخل مصر ترتفع إلى ثمانية قروش إذا كانت خدمته خارج مصر .
وعانى هؤلاء الأمرين وبدأوا يهربون من خدمة السلطة العسكرية البريطانية . وكانت غضبة عظيمة شارك فيها حتى الأفندية . لكن المثير أن بعض أبناء أسرة محمد على وقفوا إلى جانب الفلاحين في ثورتهم هذه . وكان من هؤلاء الأمير كمال الدين ابن السلطان حسين كامل.
ونشرت الصحف المصرية رسالة للأمير كمال الدين إلى والده سلطان مصر . قال فيها . يا صاحب العظمة السلطانية . ذكرتموني عظمتكم عرش السلطنة . من تأجيل نظام وراثة العرش السلطاني . إلى ما بعد بحثه . وقد تفضلتم عظمتكم فأعربتم لي عن رغبتكم في أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية . منحصرة في الأكبر من الأبناء . ثم من بعده لأكبر أبنائه وهكذا على الترتيب . وإنى لأذكر لعظمتكم هذه المنة الكبرى . لما في هذه الرغبة من التشريف لي .
لكن الأمير كمال الدين حسين فاجأ المصريين بما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر . إذ أعلن في بقية الرسالة تنازله عن عرش مصر قائلاً : " على أنى مع اخلاصى التام لشخصكم الكريم وحكمكم الجليل . مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي على حالتي الآن . يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخرى . لذلك أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لي عن كل حق أو صفة أو دعوى . كان من الممكن أن أتمسك به . في إرث عرش السلطنة المصرية بصفتي ابنكم الوحيد . واني بهذه الصفة أقرر الآن تنازلي عن كل ذلك .. توقيع كمال الدين"!.
هكذا وبكل بساطة تنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر . الذي قرر الإنجليز إعطاءه إلى الأمير أحمد فؤاد بعد وفاة السلطان حسين كامل . وقيل من ضمن ما قيل عن أسباب تنازل كمال الدين عن العرش . أنه لم يرد أن يحكم بلاداً تحت حماية بريطانيا .
لكن المؤكد أن الأمير كمال الدين كانت شخصيته مختلفة كثيراً عن سواه من أمراء أسرة محمد على . فقد كانت له ميوله الفنية والرياضية . كان يتحدث التركية والفرنسية والإنجليزية ـ وتزوج من الأميرة نعمت الله شقيقة الخديو عباس ولم يرزق منها . وكان يتميز كما قالت مجلة اللطائف المصرية بالأدب العالي والعلم الواسع والثقافة الرفيعة .
وكان الأمير كمال الدين حسين أيضاً رياضياً كبيراً . يميل الى الصيد والقنص . وعالماً رحالة شهيراً يحب السفر والاستكشاف . وفضائله الجمعية الزراعية المصرية كثيرة وكان رئيساً لها .
وعاش الرجل الذي تنازل عن عرش مصر حتى بلغ 57 عاماً . لكنه أصيب بالمرض وهو في أوروبا وتوفى في أغسطس 1932 . وأقيمت له جنازة عظيمة . بعد أن أعيد جثمانه على ظهر الباخرة " دارتينيان " من أوروبا وهى منكسة الاعلام . وبكى المصريون فى جنازته التى انتهت بدفن جثمانه فى مقابر الأسرة الملكية بمسجد الرفاعى إلى جوار القلعة .
لكن دفتر التاريخ لأسباب غير معروفة . لا يلقى الكثير من الضوء . حول شخصية الأمير غريب الأطوار الذي عزف عن شهوة السلطة وجاه الحكم وصولجانه .
هل رفض الأمير كمال الدين حسين مقعد حكم البلاد ومنصب سلطان مصر بعد رحيل والده السلطان حسين كامل . وكتب على نفسه إقراراً بذلك عن طيب خاطر لأنه كان رجلاً مكتئباً يكره حياة القصور والملوك ؟
أم أنه تخلى عن عرش مصر لأنه لا يريد أن يحكم بلداً تحت حماية أجنبية مستعمرة هي بريطانيا التي كانت تحتل مصر ؟
من هو هذا الرجل ؟
كيف عاش .. وكيف مات ؟
وكيف رفض منصب حاكم البلاد الذي يثير شهية ولعاب أي رجل؟
توافد على حكم مصر من الولاه والسلاطين والملوك من أسرة محمد على 13 رجلاً . من بعد عميد هذه العائلة محمد على باشا الذي حكم مصر من عام 1805 حتى 1848 ميلادية ومن بعده ابنه إبراهيم باشا . الذي حكم فقط عشرة شهور من يونيو 1848 وتوفى ليحكم مصر من جديد محمد على باشا عاماً واحداً توفى بعده .
ثم جلس على سدة الحكم في مصر عباس حلمي الأول ابن طوسون باشا . وجاء بعده محمد سعيد باشا . ثم إسماعيل باشا . ومن بعده حلمي باشا .
أما قصة تولى السلطان حسين كامل عرش مصر في عام 1914 في بداية الحرب الأهلية الأولى . فقد بدأت مع إعلان الحماية البريطاني على مصر . وكانت الدولة العثمانية وقتها صاحبة السيادة القانونية ليس أكثر على مصر. أما بريطانيا فقد كانت صاحبة السلطة الفعلية منذ احتلالها مصر عام 1882 . أما خديو البلاد فقد كان كما وصفته الصحف المصرية مجرد صاحب السلطة الشرعية .
ومن هنا جاء تفكير بريطانيا في تجميع هذه السلطات كلها في يدها . من خلال نظام الحماية الاستعماري . لكن لم يكن هناك مصري يجرؤ على الموافقة على خطوة كهذه . وجاءت الحماية على مصر . دون موافقة المصريين وعلى شكل مجرد إعلان من وزارة الخارجية البريطانية . وتحولت دار المعتد البريطاني في القاهرة ليصبح اسمها دار المندوب السامي . وزادت بريطانيا من إحكام قبضتها على مصر . بإضافة مسئولة الإشراف على علاقات مصر الخارجية لهذا المندوب . الذي أصبح في الواقع وزيراً لخارجية مصر .
وتم إلغاء لقب الخديو لأنه لقب عثماني يمنحه سلطان الآستانة لحكام مصر . وخلع الإنجليز الخديو عباس الثاني الذي كانت معيناً من قبل الآستانة . وأعطوا حكم مصر للأمير حسين كامل . الذي منحوه أيضاً لقب سلطان لتزول سيادة تركيا على مصر للأبد !
وحين جلس السلطان حسين كامل على عرش مصر . كان قد بلغ الحادية والستين من عمره . وكانت له أنشطة كثيرة في مصر . فهو الذي أنشأ الجمعية الزراعية الخديوية . والجمعية الخيرية الإسلامية بعد وفاة مؤسسها الشيخ محمد عبده . كما ترأس جمعية الإسعاف وتولى رئاسة مجلس الشورى لمدة عامين .
وبدأت مصر تعانى من السياسات البريطانية تحت ظل الحماية . وكان من أشدها قسوة قيام السلطة العسكرية البريطانية بمداهمة القرى المصرية . واقتياد الفلاحين المصريين إلى ميادين القتال في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء . ولم يكن الفلاح يحصل سوى على خمسة قروش إذا خدم السلطة البريطانية داخل مصر ترتفع إلى ثمانية قروش إذا كانت خدمته خارج مصر .
وعانى هؤلاء الأمرين وبدأوا يهربون من خدمة السلطة العسكرية البريطانية . وكانت غضبة عظيمة شارك فيها حتى الأفندية . لكن المثير أن بعض أبناء أسرة محمد على وقفوا إلى جانب الفلاحين في ثورتهم هذه . وكان من هؤلاء الأمير كمال الدين ابن السلطان حسين كامل.
ونشرت الصحف المصرية رسالة للأمير كمال الدين إلى والده سلطان مصر . قال فيها . يا صاحب العظمة السلطانية . ذكرتموني عظمتكم عرش السلطنة . من تأجيل نظام وراثة العرش السلطاني . إلى ما بعد بحثه . وقد تفضلتم عظمتكم فأعربتم لي عن رغبتكم في أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية . منحصرة في الأكبر من الأبناء . ثم من بعده لأكبر أبنائه وهكذا على الترتيب . وإنى لأذكر لعظمتكم هذه المنة الكبرى . لما في هذه الرغبة من التشريف لي .
لكن الأمير كمال الدين حسين فاجأ المصريين بما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر . إذ أعلن في بقية الرسالة تنازله عن عرش مصر قائلاً : " على أنى مع اخلاصى التام لشخصكم الكريم وحكمكم الجليل . مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي على حالتي الآن . يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخرى . لذلك أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لي عن كل حق أو صفة أو دعوى . كان من الممكن أن أتمسك به . في إرث عرش السلطنة المصرية بصفتي ابنكم الوحيد . واني بهذه الصفة أقرر الآن تنازلي عن كل ذلك .. توقيع كمال الدين"!.
هكذا وبكل بساطة تنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر . الذي قرر الإنجليز إعطاءه إلى الأمير أحمد فؤاد بعد وفاة السلطان حسين كامل . وقيل من ضمن ما قيل عن أسباب تنازل كمال الدين عن العرش . أنه لم يرد أن يحكم بلاداً تحت حماية بريطانيا .
لكن المؤكد أن الأمير كمال الدين كانت شخصيته مختلفة كثيراً عن سواه من أمراء أسرة محمد على . فقد كانت له ميوله الفنية والرياضية . كان يتحدث التركية والفرنسية والإنجليزية ـ وتزوج من الأميرة نعمت الله شقيقة الخديو عباس ولم يرزق منها . وكان يتميز كما قالت مجلة اللطائف المصرية بالأدب العالي والعلم الواسع والثقافة الرفيعة .
وكان الأمير كمال الدين حسين أيضاً رياضياً كبيراً . يميل الى الصيد والقنص . وعالماً رحالة شهيراً يحب السفر والاستكشاف . وفضائله الجمعية الزراعية المصرية كثيرة وكان رئيساً لها .
وعاش الرجل الذي تنازل عن عرش مصر حتى بلغ 57 عاماً . لكنه أصيب بالمرض وهو في أوروبا وتوفى في أغسطس 1932 . وأقيمت له جنازة عظيمة . بعد أن أعيد جثمانه على ظهر الباخرة " دارتينيان " من أوروبا وهى منكسة الاعلام . وبكى المصريون فى جنازته التى انتهت بدفن جثمانه فى مقابر الأسرة الملكية بمسجد الرفاعى إلى جوار القلعة .