لم أكن يوما كاتبًا سياسيًا، ولا أدعي ذلك أبدا، كرهت السياسة منذ بداية عمري، ودخلت السجن بسببها في أيام طيش الشباب، وأدركت مبكرا ما في السياسة من كذب ومؤامرات وأهداف خفية، كان أول درس حقيقي تعلمته من أستاذي الدكتور عز الدين فودة أستاذ العلوم السياسية، والذي كانت أول محاضرة له مجرد كلمتين بليغتين قالهما "السياسة رياسة".. قالهما وانصرف!.
وحتى بعد أن أصبحت رئيسا لتحرير مجلة "آخر ساعة"، وكان مفروضا أن أكتب مقالا سياسيا كل أسبوع لم أكتب في السياسة بشكل مباشر، دائما كان قلمي لا يرى سوى الناس البسطاء "الغلابة"، لم أقتنع أبدا بأي سياسة لا تضع الناس ومصالحهم في عيونها، وتنعكس بالإيجاب على حياتهم.
أما عن رجال السياسة فحدث ولا حرج، لم أثق يوما في أحدهم، كنت أراهم مجرد حواة برعوا في الكذب والنفاق ولديهم قدرات شيطانية في تحويل الحق إلى باطل والعكس، اليوم يقولون شيئا ويقسمون عليه بأغلظ اليمين، وغدا يقولون العكس تماما وأيضا يقسمون عليه بكل حلفان ويمين!.
ولم أسلم من شرور وأذى السياسة، رغم أني لا علاقة لي بها، ووجه الأشرار لي كل ألوان الاتهامات الباطلة والعجيبةن اتهموني بأنني أعيش في قصر على النيل رغم أنني مازلت أعيش في نفس الشقة المتواضعة ذات الأربعة جنيهات إيجارا!.
واتهموني بأنني أحب الرئيس مبارك، وأنا أحبه فعلا لكن أغرب تهمة وجهت لي أن الرئيس مبارك كان يحبني وقال لي أحدهم صراحة: "أنت كنت ترد على تليفون مبارك عندما يتصل بك"!
وما أكثر الأسماء والشخصيات اللامعة التي سقطت من نظري، رأيتهم دائما ينافقون ويتحولون، كما تتحول الحرباء في لحظة خاطفة، الذين كانوا ضد الثورة أصبحوا معها وركبوا أمواجها، والذين كانوا ضد الإخوان أصبحوا حلفاء وشركاء ومناصرين لهم، وبعد ذلك انقلبوا عليهم وطالبوا بإعدامهم!.
من هؤلاء سياسيون وناشطون وإعلاميون، هذا غير الشخصيات النكرة الذين لم يكن أحد يعرفهم وأصبحوا اليوم نجوم الصحافة والفضائيات ولست أظن أنني الوحيد الذي يكرههم فملايين غيري من الناس لا يحبون السياسة ولا يثقون في أهلها الناس لم تعد تصدقهم، بل تنفر منهم وتشعر كما لو أن هؤلاء تفوح منهم روائح الثعالب النتنة!
وكما كرهت السياسة وأهلها كرهت شعاراتها الكبيرة الرنانة وأصبحت أقرأها كما لو أنني أطالع كتب الكذب والنفاق والمصالح وأري أن هذه الشعارات من بنات أفكار الشيطان.
وأنا..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!.