تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
للمرة الأولى في تاريخ الدساتير المصرية قاطبة، تتعرض إحدى مواد الدستور الجديد إلى المواطنين من ذوي الإعاقة، فقد خصصت المادة “,”72“,” للحديث عن هذه الفئة التي طالما عانت من مختلف ألوان التمييز السلبي والتهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وقد جاء في المادة المشار اليها أن الدولة ترعى المواطنين من ذوي الإعاقة صحيًّا وتعليميًّا، مرتكزة بشكل أساسي على مفهوم الرعاية سيئ السمعة بالنسبة لملايين المعاقين، فهو ذات المفهوم الذي اعتمدت عليه كل السياسات السابقة من قبل الدولة تجاه ذوي الإعاقة، وقد ثبت فشله بامتياز، فلم يزل المعاقون يعانون أسوأ صنوف التهميش والتمييز في كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية.
وبدت المادة “,”72“,” وكأنها عروة تزين عنق النظام الجديد، يتباهى بأنه يهتم بالمعاقين، دون أن يتحمل تبعة أو تكلفة تجاه تلك الفئة.
فلم تكن الجريمة التي اقترفها المستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية للدستور، إزاء 12 مليون مواطن مصري من ذوي الإعاقة أقل أهمية من الجرائم التي اقترفها ضد فئات وشرائح اجتماعية عديدة في الدستور المزعوم، والذي أضحى حاكمًا لحياة المصريين، وهو فاقد للحدود الدنيا من التوافق المجتمعي.
كما أهمل تمثيل جماعات وشرائح اجتماعية وقوى سياسية كبيرة في تأسيسية الغرياني، تم تجاهل تمثيل ملايين المواطنين المصريين من ذوي الإعاقة في الجمعية المطعون على شرعيتها، رغم محاولات حركات ومؤسسات ناشطة في مجال الإعاقة، وفي مقدمتها المجلس القومي لشئون الإعاقة.
وقد استعيض عن غياب ممثل للمعاقين لعقد جلستي حوار مع ممثلين عنهم، إلا أن ما قدموه من أوراق عمل ومذكرات كان مصيره سلة مهملات المستشار حسام الغرياني.
وفي جلسة التصويت النهائية تليت المادة 72 بصياغتها المعيبة، وعندما طلب أحد أعضاء الجمعية استبدال مصطلح “,”ترعى الدولة“,” بمصطلح “,”تلتزم الدولة“,” بتفعيل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على دمجهم في المجتمع طبقًا لمطالب المعاقين أنفسهم، وتأسيسا على ما ورد في مذكرة المجلس القومي لشئون الإعاقة، رفض الغرياني الاستجابة لما قاله العضو، مؤكدًا أن لجنة الصياغة قد تلقت تلك المذكرات والأوراق إلا أنها فضلت الصياغة الحالية، وهو يدرك تمامًا أن هذه الصيغة لا تلزم الدولة بأي حق من حقوق المعاقين أو حقوق أسرهم.
وما يؤكد وعي الغرياني بخلو مضمون مصطلح الرعاية من أية دلالات تحمل معاني الإلزام والالتزام من قبل الدولة أنه وافق على تعديل مصطلح “,”ترعى الدولة حقوق مصابي الثورة، وأسر الشهداء“,” إلى “,”تكفل الدولة رعاية مصابي الثورة وأسر الشهداء رعاية كاملة“,” وقد استجاب في ذلك لممثل مصابي الثورة وأسر الشهداء في الجمعية التأسيسة، والذين لا يتجاوز عددهم 10 آلاف شخص.
ومن المفهوم هذا الاهتمام بمصابي الثورة لما يحمله من دعاية سياسية للنظام الإخواني، وهو ما ينعكس أيضًا في الدعم الكبير الذي يتلقاه من قِبَل الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، في الوقت الذي لا يزال يعاني فيه المجلس القومي لشئون الإعاقة من مصاعب شتى تعوِّقه عن أداء دوره، رغم كونه منوطًا بدعم حقوق نحو 12 مليون مواطن مصري من ذوي الإعاقة.
المهم في ذلك كله أن تلك الصياغة المعيبة في المادة 72 تطرح مخاوف حقيقية بشأن التزام الحكومة نحو حقوق المعاقين ودعم مجلسهم، وتحويله لمجرد قطعة ديكور أو حلي في “,”فاترينة“,” قصر الاتحادية، فرغم وعد الرئيس محمد مرسي بدعم المجلس وتوفير مقر دائم منذ 3 أشهر، لا تزال عقبات الروتين والبيروقراطية تقف حائلاً دون تحقيق وعوده، ومع ذلك قد تخيب الأيام المقبلة ظنوني، ولا يزال أمام الدكتور هشام قنديل متسعًا ليثبت مدى إيمانه بقضية المعاقين كمواطنين من الدرجة الأولى.
وكل ما يريده المعاقون هو تمكينهم من كافة حقوقهم المهدرة حتى يستطيعوا الوفاء بما عليهم من واجبات تجاه الوطن، فلا واجب يؤدى دون حق يوفى، ليس من باب المنة أو العطية أو الصدقة أو الشفقة، فهذه حقوق لا عطايا.