إذا كان اعتقادنا أنَّ العصرَ القادمَ
في مصرَ هو عصرُ العلمِ، وإذا كان على الدولةِ واجب أنْ تهتمَ بالتعليمِ الوطني
فترفعَ منْ كفاءةِ المعلمِ ومنْ قيمةِ المناهج بالإضافةِ إلى توفيرِ جو ملائمٍ
للتعلمِ وبيئةٍ صالحةٍ لتلقى العلم، فإنَّ عاملًا منْ أكبرِ عوامل الهدمِ ينبغي
على الدولةِ في المقابلِ الالتفاتَ إليه والتعاملَ معه بمنتهى الجديةِ نظرًا
لخطورتِه ليس فقط على الشبابِ والنشءِ ولكن على الأمنِ القومي أيضًا، ألا وهو "التعليم
الأجنبي" والذي يعدُ آفةً منْ أخطرِ الآفاتِ وجرثومةً قاتلةً ينبغي أنْ تحاصرَ
وأنْ تعاملَ كما تعاملُ الفيروسات بمنطقِ الحجرِ الفكري .
ففي
الحقيقةِ أنَّ أكثرَ هذه المدارسِ والجامعاتِ الأجنبيةِ في مصرَ ليست إلا معاملَ
تفريخٍ للخونةِ والجواسيسِ تتخفى وراءَ المدارسِ والتعليمِ .
وحتى
لا يتسرعَ أحدُهم فيطلقَ أحكامًا أو اتهاماتٍ من نوعيةِ "أرباب نظرية
المؤامرة" أو الحساسية المفرطة تجاه الغربِ وما شابهها، أسوقُ شهادةَ رجلٍ
مسيحيٍ نظرَ نظرةً علميةً فاحصةً ودارسةً ودرسَ الأمرَ بعنايةٍ، فوصلَ إلى ما وصلَ
إليه الباحثُ المسلمُ المتجردُ عن الهوى والمتعري من التعصبِ، عنْ خطرِ تلك البؤرِ
التجسسيةِ المتسترةِ وراء "المدارس الأجنبية" .
ففي
كتاب الأستاذ "جرجس سلامة" عن تاريخِ التعليمِ الأجنبيِ في مصرَ يقولُ: "حتى
أصبحَ التعليمُ الأجنبيُ دولةً داخلَ الدولةِ، يوجهُ النشءَ الوجهةَ التي يراها ويصبغهم
بالصبغةِ التي يرغبها، دون إشرافٍ فعليٍ من الدولةِ عليها" .
ويقول
:"بلْ بلغَ الأمرُ إلى حدِّ أنْ اشتملتْ بعضُ الكتبِ المستعملةِ على معلوماتٍ
خاطئةٍ مضللةٍ عن مصرَ ذاتِها! وكان كلُ ذلك يُدَرَّسُ لأبنائِنا مع انعدامِ وجودِ
أيِّ توجيهٍ قوميٍ يوجهُ شبابَنا الوجهةَ الوطنيةَ الصحيحةَ."
وقال
:"وزادَ من خطورةِ كُلِّ ذلك أنَّ جميعَ المدارسِ الأجنبيةِ دون استثناءٍ!،
قد أسهمتْ في إضعافِ اللغةِ العربيةِ! ؛ فهي تُلْقي في خِضَمِّ الحياةِ المصريةِ
كلَّ عامٍ منْ ينظرون إلى غيرِهم من طبقاتِ المتعلمين في المدارسِ الحكوميةِ
الوطنيةِ نظرةً متعاليةً، وينظرون إلى اللغةِ العربيةِ نفسَ النظرةِ"
والرجلُ
غيرُ مسلمٍ ولا ينظرُ من الوجهةِ التي ننظرُ نحنُ منها ولكنَّه رجلٌ وطنيٌ يحبُ
بلدَه كما نحبُ، والأمرُ أيضًا من البيانِ والوضوحِ ما يكشفُ لكلِّ ذي بصرٍ مدى
استخدام أعدائِنا للتعليمِ كأداةٍ لصبغِ الناسِ بالصبغةِ التي يرونها ويوجهونهم
إلى اتجاهاتٍ غيرِ صحيحةٍ في الوطنيةِ أو في غيرها من شئونِ الدينِ والاعتمادِ على
تقبلِ المتعلمين للأخذِ عن معلميهم في بثِّ أفكارٍ مدمرةٍ على أيدي هؤلاءِ
المدرسين أو إنْ شئتَ الدقةَ فقلْ المبشرين .
نعم،
لقد علمَ أعداؤنا أنَّ حاجةَ الناسِ إلى العلمِ والتعلمِ أعظمُ من حاجتِهم إلى
الطعامِ والشرابِ، ولهذا اتجهوا إليه وكان سبيلُهم في ذلك أنْ سلكوا طريقًا
مزدوجًا، فعملوا على تدميرِ التعليمِ الوطني وإفسادِه من جهةٍ وإنشاءِ التعليمِ
الأجنبي كبديلٍ عنه من الجهةِ الأخرى .
ذلك
أنَّ التعليمَ هو الضامنُ الحقيقيُ لتنشئة جيلٍ أو أجيالٍ مصبوغةٍ بصبغةِ معلميهم ومُوَجَهينَ
حيثُ يريدُ مدرسِوهم، وتوجيهِ أفكارِهم إلى الجهةِ التي يريدها هؤلاءِ المعلمون،
فيكبرُ الصغيرُ ليصيرَ رجلًا فيجد نفسَه مطبوعًا بطابعٍ جديدٍ، يحبُ السيدَ
الأبيضَ الذي رباه على قِيَمِهِ وعَلَّمَه أنَّه السيدُ وأنَّ الدنيا كلُها عبيده .
فينبهرُ
به ويحبُه إلى الدرجةِ التي يصيرُ بها عبدًا له، يمهدُ الطريقَ للسيدِ الغازي كي
يحتلَ بلادَه ويخلصَها من التخلفِ الذي تعيشُ فيه، وهو مع ذلك لا يشعرُ أنَّه عبدٌ
مسخرٌ ولكنْ يرى نفسَه كبيرَ الأحرارِ ما دامَ يرفعُ شعارَ الحريةِ والإخاءِ والمساواةِ .
آراء حرة
المدارسُ الأجنبية في مصر
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق