الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قرارات رفع الأسعار بين الرفض .. والدهشة !

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت لا أود أن أخوض فى مسألة رفع أسعار الوقود، لاعتبارات كثيرة، من بينها أن عدد من الأصدقاء نصحني بأن الموضوع شائك وملتبس، وقد يحتاج إلى حوار هادئ بين متخصصين فى الاقتصاد، بالذات وأن عجز الموازنة قد بات كبير ويهدد البلاد بانهيار اقتصادى ربما يكون وشيك إذا لم تتخذ الدولة إجراءات وصفوها بأنها حازمة وصعبة، ولكن ما حدث بعد رفع الأسعار وقبلها أصبح فى حاجة إلى حوار هادئ، والأمر نفسه، أمر زيادة أسعار الوقود، ومدى قدرته على علاج الموازنة، هو أيضاً فى حاجة إلى حوار هادئ قد يتسع له مقال قادم بإذن الله.
دعونا لا نبدأ بالقرارات نفسها، وإنما دعونا نبدأ من الأساليب، والأجواء، والتداعيات التى مهدت وأحاطت ، وتداعت بخصوص هذه القرارات.
فى البداية ، بداية هذه القصة، انتشرت، ومنذ بضعة أسابيع، شائعات تؤكد أن الحكومة تنوى زيادة أسعار الوقود فى غضون أيام أو أسابيع، وقد نفى عدد من كبار المسئولين ما أسماه هذه "الشائعات" جملة وتفصيلاً مؤكدين على أن الحكومة ستواصل دعم الطبقات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، ولكن السيد الأستاذ الدكتور إبراهيم محلب رئيس الوزراء أعلن، قبل إعلان رفع الأسعار بأيام ، وبالتحديد فى 2/7/2014، أن هناك زيادة محدودة ومُحددة لأسعار الوقود ستتراوح بين 2 إلى 6% .
عندما أُعلن عن الزيادة فى الأسعار لم يقم بالطبع رئيس الوزراء بالاعتذار عن ما كان أعلنه ، لكنه أصر على أن "تحريك" الأسعار لصالح محدودي الدخل، رغم أن الغاز الطبيعي والسولار - وهى أنواع الوقود الأكثر تأثيراً في نقل البضائع والنقل العام- قد زاد أولها 175% والثانى 65%، أما البنزين 80 الذى يعتبر وقود سيارات الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى فقد زاد هو الآخر بنسبة 77%، وفى المقابل زاد البنزين 95، بنزين الأثرياء، بنسبة 20%، وزاد بنزين 92، بنزين الشرائح العليا من الطبقة الوسطى بنسبة 40%، ويمكنك عزيزى القارئ أن تحكم بنفسك أي أنواع الوقود هي التي زادت أسعارها بنسبة أكبر ولصالح من؟ ويمكنك بعد الوصول إلى الإجابة أن ترد على "محلب" الذي أصر على: أولا: أن "التحريك" إنما بغرض تجنب دعم الأثرياء مع الإبقاء على دعم الفقراء. ثانياً : أن "تحريك" أسعار الوقود لن يؤدي إلى غلاء أسعار السلع.
بشكل مواز لتصريحات محلب، خرج علينا بعض المسئولين عن التموين لكي يؤكدوا على أن هذا "التحريك" إنما يهدف إلى الاستمرار فى الخدمات التموينية المقدمة لمحدودي الدخل، ووصف بعضهم أنواع السلع الغذائية التي تُصرف على بطاقات التموين بأنها من أجود الأصناف، وهي نفسها الموجودة فى أرقى السوبر ماركت.
فى تطور لاحق خرج علينا محلب مع عدد من كبار المسئولين لكى يؤكدوا أنهم سيضربون بيد من حديد على أي شخص يرفع الأسعار ويستغل حاجة الناس.
السيسي من ناحيته استدعى الحكومة "لبحث آثار ارتفاع أسعار الوقود على المواطنين " يوم 5/7/2014، ثم عاد يوم 6/7/2014، أى فى اليوم التالى مباشرة، ليُعلن أن "الجماعة تستغل قرار زيادة أسعار الوقود بتهييج الناس.. ورهاني على وطنية الشعب"
ولأننا نعتبر أننا لسنا فى فيلم نشاهد الآن لقطاته الأخيرة، وإنما فى مسلسل لم تكتمل حلقاته بعد، فإن آخر لقطة من هذه الحلقة من حلقات المسلسل تُعلن عن "إضراب سائقى السرفيس بالجيزة لرفع أسعار الوقود والجيش يدفع بأتوبيسات"، وقد جاءت هذه التداعيات بعد أن أعلن محافظ الجيزة عن رفع أجرة سيارات السرفيس بنسبة 10%، وكان رد فعل التاكس الأبيض هو نفس رد فعل السرفيس، فقد رفعت الحكومة سعر بداية العداد من 2.5 جنيه إلى 3 جنيهات، وسعر كل كيلو متر من 125 قرش إلى 140 قرش، فكان رد فعل سائقى الأجرة بعد ذلك بساعات هو قطع الطريق أمام ماسبيرو.
والآن دعونا نتأمل وقائع الحلقة الأولى من مسلسل علاج الأزمة الاقتصادية ونسجل للوطن وللتاريخ الملاحظات التالية:
1- لا أريد أن أسارع باتهام رئيس الوزراء بالكذب عندما أعلن فى 2/7 أن أسعار الوقود ستزيد بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 6% لأن هناك احتمالا آخر أن د. محلب لم يكن يعلم بالزيادة الحقيقية المرتقبة لأسعار الوقود، ربما لأنه مشغول بالمتابعة الميدانية "للحنفيات" و"اللمبات" ... الخ، ولكننى أعتقد وبوضوح أن د. محلب لو كان يعلم ولم يعلن الحقيقة على الناس، فإنه يستحق كل اللوم، ولو كان لا يعلم وهو رئيس للوزراء فإنه أيضاً يستحق كل اللوم ولن نعذره أبداً إذا كان لا يعلم.
2- كيف يمكن للحكومة أو الدولة أن تُقدم على إجراءات اقتصادية من المتوقع أن تؤدي إلى تداعيات ونتائج اقتصادية - اجتماعية كبيرة دون أى مشاورات أو حوار مجتمعي، وبالذات مع الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية؟!
3- لماذا يُصر د. محلب وكبار المسئولين على استخدام لغة "تحريك الأسعار" بدلاً من "رفع الأسعار" ؟ هل يتصور د. محلب وكبار المسئولين أن "تحريك" مقبولة أكثر من "رفع"؟ أم أنهم يتصورون أن الناس ستعتبر أن ما حدث ليس رفع للأسعار لمجرد أننا أطلقنا عليه "تحريك" بدلاً من "رفع" ؟ فى الحقيقة أن الناس تفهم أن "التحريك" هو "الرفع" والحقيقة أن الناس تُستفز جداً من استخدام اللغة الملتوية وتعتبر ذلك استهانة بعقولها.
4- كيف يمكن للناس أن تصدق أن الحكومة رفعت الدعم عن الأغنياء لكى تصل به إلى الفقراء فى الوقت الذى زاد ما يمكن أن يؤثر على الفقراء بنسب تتراوح بين 65% إلى 175%، بينما زاد ما يمكن أن يؤثر على الأثرياء بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40% ؟!
5- تأكيدات كبار المسئولين ود. محلب على أن "تحريك" أسعار الوقود لن يؤثر على أسعار بقية السلع هو أمر مُثير لاستفزاز الناس إلى أقصى درجة ولا يتعارض مع الواقع الذى يعيشه الناس فحسب، ولكنه يتعارض مع المنطق أيضاً، ومعناه أن د. محلب، مرة أخرى، إما أنه لا يُصدقنا القول، أو أنه لا يعرف النتائج المحتملة والمنطقية لما اتخذه من قرارات.
6- تصريحات كبار المسئولين بخصوص جودة السلع التى تُصرف على بطاقة التموين تُثير الحزن والأسى والاستفزاز، لأن هذا الكلام يتعارض تماماً مع الواقع الذى يعيشه الناس التى تحصل على هذه السلع بالفعل، وأنا، مرة أخرى، أكرر إذا كانوا يعلموا ولا يقولون الصدق فتلك مُصيبة، وإذا كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم، ويكفى أن أؤكد لكم هنا أن ما يُصرف من سلع تموينية، مثل الزيت والأرز، هى أنواع لا يمكن على الإطلاق أن توصف بأنها ممتازة أو جيدة أو حتى مقبولة.. ولن أتورط فى وصفها لأنها فى النهاية "نعمة ربنا" وشعبنا الغلبان يضطر اضطراراً إلى أكلها.
7- استدعاء السيسى للحكومة لبحث آثار ارتفاع أسعار الوقود على المواطنين يثير الدهشة والتساؤلات : هل السيسى لم يكن يعلم بارتفاع الأسعار ؟ إذا كان ذلك كذلك فهى مصيبة، وإذا لم يكن كذلك والأمر يتعلق بتدارس الآثار المتوقعة بعد اتخاذ القرار وليس قبلها فإن المصيبة تكون أعظم.
8- تصريحات السيسي بأن الجماعة تستغل القرارات لتهييج الناس، ورهانه على وطنية الشعب، تثير الحزن والأسى لأنها قد تُعطي انطباعا بأن من يرفض القرارات إخواني وأن من يقبلها وطني، وهذا أمر فى منتهى الخطورة لأن أعداد كبيرة من الناس، وأقصد هنا الناس العادية، و ليس القوى السياسية ، ترفض هذه القرارت، ووصفها بأنها غير وطنية، أو أنها تستجيب لتهييج الإخوان ، قد يدفعها إلى أن تتعاطف مع الإخوان، وعلى السيسى أن يدرك أنه يجب أن يقبل بوجود معارضة، وبالذات على أسس اجتماعية، غير إخوانية، أما إلصاق تهمة الإخوان بالمعارضين فهو أمر لن يُضر معارضيه السياسيين من غير الإخوان فحسب، ولكنه سيقوى أيضاً من الإخوان ، ويُعيدهم للمشهد بوصفهم القطب الثانى فى المجتمع فى مواجهة الدولة.
9- عندما تزيد أسعار الغاز الطبيعى بنسبة 175% فهل من المنطقى أن تكون الزيادة فى أسعار التاكسى الأبيض 10 - 12 % ؟! وعندما تكون الزيادة فى السولار 65% فهل من المنطقى أن تكون الزيادة فى أسعار السرفيس 10% ؟!
10- عندما يقوم السرفيس بالإضراب لأسباب منطقية ومفهومة نتفاوض معه أم يدفع الجيش بأتوبيسات لحل الأزمة؟ لمصلحة من يتم الدفع بالجيش فى مسألة تتعلق بالتفاوض الاجتماعى وتحديد الأسعار العادلة للأطراف المختلفة؟ لمصلحة من تُدفع فئات اجتماعية للصدام مع الجيش؟
أرجو أن تكون الحلقات القادمة من مسلسل علاج الأزمة الاقتصادية أقل استفزازاً من الحلقة الأولى، وأرجو أن تسمح لنا ظروف البلد وتداعيات الأحداث بالتعليق على القرارات نفسها فى مقال قادم بإذن الله.