الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإلحاد ظاهرة اجتماعية عالمية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكلمتُ أكثرَ مِنْ مرةٍ في أحاديثَ أحدثتْ دويًا في وقتِها- في زمنِ الإخوان- عنْ وجودِ ما يزيدُ عنْ مليوني ملحدٍ في مصر وأنَّ السببَ الرئيسَ في ذلك هم الإخوان أنفسُهم وأتباعُهم من شيوخِ السلفيين ومريديهم، وأنَّ هؤلاء الناسِ عملوا منذ مدةٍ طويلةٍ على ترسيخِ معلومةٍ في أذهانِ الناسِ مفادُها أنهم همُ الإسلامُ والإسلامُ همُ وأنَّهم رموزُ الإسلامِ المعبرون عنه الناطقون باسمِه تعالى، ومنْ كثرةِ ما رددوا ذلك وكرروه صدقهم الناسُ إحسانًا للظنِّ بهم وتصديقًا لظاهرهم الذي يبدو وكأنَّ الخشوعَ والصدقَ سمتُه الحقيقية.
ثم جاء الحكمُ إليهم أو جاءوا هم إليه، ليخلعوا عنْ وجوهِهم أقنعةً كانوا يلبسونها للتدليسِ على الناسِ أو الخوفِ منهم، وإذا تحت هذه الأقنعة مسوخ مشوهةً، ومناظر بشعة، وقلوب هي أقسى من الصَّوانِ وأفئدةً أصلبَ من الفولاذِ غلظةً لا ثباتًا .
وهنا صُدمَ الناسُ عامةً والشبابُ منهم خاصةً، ولكنَّ الصدمةَ لم تكنْ في هؤلاء بأشخاصهم ولكنها كانت شخصيتهم الاعتبارية التي رسخوها في أذهانِ الناسِ على مرَّ السنين منذ أنْ أُنشأت القنواتُ الفضائيةُ الدينيةُ، وكان هذا هو همهم الذي لا همَّ لهم سواه.
كانتِ الصدمةُ في الدينِ لا فيهم وهنا رأى الشبابُ الكذبَ والغشَّ والمخادعةَ والمخاتلةَ والظلمَ والفحشَ والبذاءةَ والتسفلَ وعدمَ احترامِ الأعراضِ بل وهتكِها هتكًا، إلى غير ذلك من رذائلِ الصفاتِ، ومساوئ الأخلاقِ، فنسبوها للدينِ لا لهم فأبغضوا الدينَ وكفروا به، لتظهرَ في مصرَ خاصةً وفي العالمِ العربي والإسلامي عامة: "ظاهرةُ الإلحادِ الاجتماعيةِ بين الشبابِ" لتكون طامةً كبرى من طاماتِ الربيعِ العربي والتي كلُها كبرى.
ولكنَّه وإذا كان الإنصافُ عزيزًا ، فإنَّ ذلك لا يدفعنا إلى أنْ نفرطَ فيه أو أنْ نحيدَ عنه، وذلك أنَّه إذا كان الإخوانُ وأتباعهم وشيوخُ السلفيين ومريدوهم يتحملون جزءًا كبيرًا من الوزرِ- إنْ لم يتحملوا الجزءَ الأكبرَ منه- لأنهم مثَّلوا السببَ الأكبرَ في ذلك، والمتسببَ في الشيءِ كفاعلِه كما تقرره القاعدةُ الأصوليةُ، إلا أنَّهم ليسوا السببَ الوحيدَ لظهورِ الإلحادِ.
فالإلحادُ ظاهرةٌ قديمةٌ جدًا وقدْ ذكرَ القرآنُ الملحدين ونسبهم إلى اعتقادهم في الدهرِ كما في قوله تعالى : (وقالوا ما هي إلا حياتُنا الدنيا نموتُ ونحيا وما يهلكُنا إلا الدهر) ولهذا سماهم علماءُ المسلمين بـــ الدهريين" أو "الدهرية"!
وأصلُ "الملحدِ" أنَّه هو الجائرُ عن الحقِ إلى الباطلِ، ومنه قوله تعالى: (إنَّ الذين يُلْحِدون في آياتنا) أي يجورون ويجانبون الصوابَ.
ومنه سُمي اللحدُ لحدًا، لأنَّه مائلٌ في ناحيةِ القبرِ، ولو كان مستقيمًا لكان شقًا لا لحدًا.
فهو مرضٌ مجتمعيٌ قديمٌ جدًا إذًا، وقد أخبرنا اللهُ عن سبيلِ معالجته في إشارةٍ قرآنية حين قال: (وقالوا ما هي إلا حياتُنا الدنيا نموتُ ونحيا وما يهلكُنا إلا الدهر وما لهم به من علمٍ إنْ هم إلا يظنون).
فأخبر جلَّ شأنُه أنَّ أصلَ هذا الداء في: الجهلِ (و ما لهم به من علم) وفي : انعدامِ اليقين وذهابِه (إنْ هم إلا يظنون)، وهو تشخيصٌ دقيقٌ للمرضِ يستتبعُ معالجته بنفي أسبابِه، وذلك ببثِّ العلمِ ونشرِه والعملِ على زيادةِ الوعي والإيمان، ولهذا تجدُ في القرآنِ الكريمِ كلِه: العلمَ والإيمانَ مرتبطين ومتلازمين، إذْ فيهما معالجةُ هذا المرضِ الفتاكِ بالمجتمعِ عامةً وبالشبابِ منه خاصةً؛ "فعلاجُ الإلحادِ لا شكَّ بالعلمِ و الإيمانِ".