ومع صيحات الهجوم على كتاب "الإسلام وأصول الحكم" خاصة تلك التى أطلقها الزعيم سعد زغلول والتى اتهم فيها الشيخ على عبد الرازق بأنه جاهل بقواعد دينه وبالبسيط من نظريته ، استأسد الكثيرون والذين كانوا يتحينون الفرصة لإرضاء الملك فؤاد المتطلع للخلافة ولإرضاء خيالاتهم الرجعية ، وإنبرى الشيخ محمد رشيد رضا محرضاً الجميع "لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه لئلا يقول هو وأنصاره أن سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه [المنار – 21 يونيو 1925 – مجلد 26 – صـ104] ثم أسرع الشيخ محمد بخيت بطبع كتاب أعده على عجل متهمًا الشيخ عبد الرازق بأنه بكتابه "يريد أن يعطل الأداة التى يمكن بها إحداث التغيير والتطوير فى الإسلام ، كما أنه يفضى فى آخر الأمر إلى إنكار الشريعة ذاتها" [محمد أحمد حسين – المرجع السابق – صـ85] ثم يأتى الشيخ الخضر حسين ليصدر كتاباً بعنوان "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" وأهداه إلى "خزانه صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر الأعظم برجاء التفضل بالقبول" وبعد الإهداء يأتى الاستعداء على ذات صفحة الإهداء "والصلاة والسلام على النبى وآله ، وكل من حرس شريعته بالحجة والحسام" [الشيخ الخضر حسين – نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم – صـ1] كما أصدر الشيخ محمد الظاهر عاشور كتابًا امتلأ بشحنات من الهجوم الظالم والظلامى ضد على عبد الرازق [محمد الطاهر عاشور – نقد علمى لكتاب الإسلام وأصول الحكم – 1344هـ] وعديد من الكتابات والمقالات والكتب إحتشدت جميعاً لتهاجم الرجل . ثم تكون القمة فى العداء عندما اجتمعت هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر محمد أبو الفضل بحضور 24 عضوًا ، واستدعت الشيخ وحاكمته باعتباره عضوًا فيها وحاصلًا على شهادة العالمية وقاضيًا شرعيًا ، وبعد ساعتين من الجدل والنقاش مع آذان صماء أصدرت المحكمة قرارها "اجتمعت هيئة كبار العلماء فى 12 أغسطس 1925 ، وقررت نزع شهادة العالمية من الشيخ على عبد الرازق ومحو اسمه من سجلات الجامع الأزهر وطرده من كل وظيفة لعدم أهليته للقيام بأيه وظيفة دينية أو غير دينية . [راجع النص الكامل للحكم فى : د. رفعت السعيد – الإرهاب إسلام أم تأسلم – صـ253] وعقب صدور الحكم أسرع شيخ الأزهر بالإبراق إلى الملك "شاكراً له غيرته على الدين من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وحفظ كرامة العلم والعلماء" [محمد رجب البيومى – الأزهر بين السياسة وحرية الفكر – صـ115] وأُرسل القرار الى عبد العزيز فهمى باشا وزير العدل لتوقيعه والتصديق عليه لكن عبد العزيز فهمى رفض التوقيع متخذًا موقفًا شجاعًا ليس فقط فى مواجهة الأزهر وشيخه وهيئة كبار علمائه وإنما أيضًا فى مواجهة الملك ، الذى يصطف حزب الأحرار الدستوريين الذى يشارك الباشا فى عضوية قيادته فى دفاعه عنه وضد حزب الوفد وزعيمه سعد زغلول وكتب "استحضرت هذا الكتاب وقرأته مرة وأخرى فلم أجد فيه أدنى فكرة يؤاخذ عليها مؤلفه ، بل على العكس وجدته يشيد بالإسلام ونبى الإسلام ويقدس النبى تقديسًا تامًا ويشير الى أن النبوة هى وحى من عند الله والوحى لا خلافة فيه ، ومن ثم ثقل على ذمتى أن أنفذ هذا الحكم الذى هو ذاته باطل لصدوره من هيئة غير مختصة بالقضاء ، وفى جريمة الاتهام بالخطأ فى الرأى من عالم مسلم يشيد بالإسلام ، وكل ما فى الأمر أن هؤلاء الذين يتهمونه يتأولون فى تفسير أقواله كلها ، وانتهت هذه الغضبة باستقالة عبد العزيز فهمى ومعه ثلاثة وزراء هم محمد على علوبة باشا وتوفيق بك دوس وإسماعيل بك صدقى . واشتعلت الأزمة ، وتفجرت معها مفارقة مثيرة للدهشة .. حلفاء الملك من كبار الملاك يدافعون عن الليبرالية ويدافعون عن الشيخ وكتابه وخصم الملك اللدود سعد زغلول يقف ضد الكتاب أى فى صف الملك . وتتوالى التداعيات .
آراء حرة
صيحات التجديد الديني ( 25 )
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق