إنني حين أكتبُ هذه الكلماتِ لأشعرُ بحسرةٍ شديدةٍ في حلقي وألم شديد يعتصرُ قلبي على بني وطني و قومي الذين انساقوا ولا يزالون ينساقون خلف عدوِهم الذي لا يسوقهم إلا إلى المجزرةِ من أجلِ أن يذبحهم على الأشهادِ كما النعاجِ، وهم مع ذلك يضحكون سُرُورًا، ويفرحون ويمرحون حُبُورًا، كما تفرحُ الشاةُ التي تساقُ إلى منحرِها وهي لا تعلمُ و لكنها تنظرُ إلى ما حولها في الطريقِ وقد سيقتْ في يومِ العيدِ على أطفالٍ يلعبون هنا وهناك فتنظرُ إليهم وتلاعبُهم ولا تعلمُ المسكينةُ أنَّ هذا هو آخر ما ستراه في حياتِها.
نعم أشعرُ بالحزنِ و الألمِ بل بالمرارةِ ، ومع ذلك لا ينبغي أن نستسلمَ لليأسِ أبدًا بل علينا أن نَظَلَّ نقاومُ و نمانعُ هذه الحربَ الضروسَ حتى آخرَ رمقٍ في حياتِنا و حتى آخرَ نَفَسٍ من أَنْفَسِنَا و حتى آخرَ قطرةِ دمٍ في عروقِنا ، هكذا علمنا أجدادُنا الأولون من بناةِ الحضارة و هكذا أقاموا هم هذه الحضارةَ .
سنظلُ نقاومُ حتى يقضي اللهُ أمرًا كان مفعولًا ، ننتظر فيه إحدى الحسنيين ، إما النصرَ أو الشهادةَ .
و مِنْ ظواهرِ "حربِ الحضارات" الواضحةِ الجليةِ ما يُعْرَفُ على الساحتين الإعلاميةِ و الدوليةِ بـــ "سَدَّ النَهْضَةِ" .
و العجيبُ أنَّ هذا الاسمَ هو اسمٌ مُسْتَحْدَثٌ للسَدِّ ، اسْتُحْدَثَ له فقطّ بعدَ وصولِ الإخوانِ المسلمين – زعموا- للحكمِ في مصرَ ، بعد أنْ كانَ يُعْرَفُ منذ مدةٍ طويلةٍ بــ "سَدِّ الأَلْفِيَّةِ" ، و الأعجبُ مِنْ هذا أنَّ أحدًا في مصرَ أو غيرها – مع كثرةِ "المَكْلَمَةِ الإعْلَامِيَّةِ" حولَه و حولَ غيره – لم يَلْتَفِتْ لهذا الأمرِ أو يتحدث عنه أو حتى يتساءل عن سببِ تغيِر الاسمِ و علاقة ذلك بتوقيتِ التغييِر مع أنَّ المسمى واحدٌ ؟!
و العجيبُ أيضًا أنَّ أحدًا لم يسأل عن ماهيةِ الاسم الأصلي القديمِ لهذا السَدَّ ؟ فما هي "الأَلْفِيَّةُ" ؟ و ألْفِيَّةُ مَنْ ؟ و لِمَنْ ؟ و لماذا نهرُ النِّيلِ دونَ غيره ؟
و لكنْ على كُلِّ الأحوالِ لنَنْظر نحنُ الآن إجابةَ هذه الأسئلة – و أَجْرُنَا في ذلك على اللهِ - .
لنعرفَ بعدَها لماذا تمَّ تغييرَ الاسمَ مِنَ "الألْفِيَّةِ" إلى "النَهْضَةِ" بعد ظهورِ الإخوانِ في المشهدِ المصريِ ؟ و ما عَلَاقَةُ هذا الاسمُ بالمشروعِ الإخواني الموسومِ بــ "مشروعِ النَهْضَةِ" ؟ و ما عَلَاقَةُ الإخوانِ بهذا السَدِّ ؟ و هل وافق " مرسي" على البِدْءِ في بناءِ السَدِّ و باركَ ذلك كما أُشِيعَ وقتها ؟
و لكنْ أولًا ما هي "الألْفِيَّةُ" و ما عَلَاقَةُ عَقِيدَةِ "الألْفِيِّةِ السَعِيدَةِ" عِنْدَّ اليهودِ بمشروع النَهْضَةِ الإخواني ؟ و ما الرابطُ بين المشروعِ الإخواني و المشروعِ الصهيوني ؟ ثم ما علاقة هذا كلِّه بــ "حَرْبِ الحَضَاراتِ" ؟!
و للإجابة على ذلك كلِّه و كشفِ ألغازِه نستعين باللهِ فنقول :
إنَّ الألْفِيِّةَ السعيدةَ هي عقيدةٌ يهوديةٌ يَتَلَخَصُ فيها الحُلُم اليهوديُ بالحياةِ السعيدةِ أو الجنةِ الأرضيةِ ، إذْ لا تكادُ اليهودُ تؤمنُ بالحياةِ الآخرةِ و لا تكادُ تجدُ في كتبِهم ذكرًا لليومِ الآخرِ أو ليومِ القيامةِ و إنما الدينونةُ عندَّهم أرضيةٌ و يعتقدون أنَّ الجنةَ إنما تتحققُ على الأرضِ بحياةٍ سعيدةٍ ،تكن لهم فيها سِيَادَةُ العالم و يّنْتَقِمُونَ فيها منْ كُلِّ أعدائِهم و يُبِيدُونُ منْ ليس يهوديًا من مسلمٍ أو نصرانيٍ أو غيرهِ تحتَ حكمِ المسيحِ ، و مُدَّةُ ذلك تكونُ ألفَ عامٍ و ذلكّ على نحوِ ما سَنُبَينُه في الأُسْبُوعِ القادمِ إِنْ شاءَ اللهُ .