الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سَدُّ النَهْضَةِ و حَرْبُ الحضاراتِ (2-5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لكلِّ ما مرَ – في المقالِ السابقِ- و لغيره لم استغرب "فلتةَ لسانِ"! الابنِ و لا تصريحَ وزيرِ دفاعِه – وقتها- من أنهم حين ينتهون منْ أهلِ الأرضِ سيتوجهون لحربِ أهلِ السماءِ ، فقد كنتُ على ثقةٍ من أنَّ هؤلاءِ حين أتوا إلينا – نعم إلينا- في العراقِ و من قبلها في أفغانستان ، و في شتى أركان مَشْرِقنِا العربي كلِه ، لم يكونوا سوى امتدادٍ لأسلافهم من غزاةِ الحضارةِ القاتلةِ الدمويةِ المجرمةِ الأقدمين عادوا لأجلِ القضاءِ على الحضارةِ العظيمةِ : حضارةِ الحياةِ و الخيرِ و السلامِ ، أنهم رسلُ الحضارةِ الغازيةِ .
كنتُ على أتمِّ اليقينِ أنَّ هؤلاءِ ليسوا إلا عَرَضًا للمرضِ القديمِ ، مرضِ "حربُ الحضارات" ، و ليسوا إلا حلقةً من حلقاتِ الغزوِ الممتدِ عبرِ القرونِ من قِبَل الحضارةِ الغربيةِ على الحضارةِ العربيةِ الإسلاميةِ .
نعم كنتُ أعرفُ ، في حين كان الكثيرون مما يُطبقُ عليهم مصطلح "النخبة المثقفة" لا يكادون يفقهون حديثًا و يرددون شعاراتِ الغزاةِ دون وعيٍ ، و لكن للحقيقة – و الانصاف عزيز- قد كان بعضهم يعرفُ و لكنه كان جزءًا من هذه الحربِ الخسيسةِ ، و هؤلاءِ هم أحفاد "المعلم يعقوب" و ورثةِ خيانتِه و حاملي رايتِه ، ممن خانوا أوطانَهم و دينهَم و باعوا شرفَهم فتعانوا مع المحتلِ الغازي و كانوا يدَ المستعمرِ للسيطرة على الأرضِ و انتهاكِ العرضِ .
صحيحٌ أنَّ جماعة الإخوان كانتْ أيضًا من زمرةِ "ورثة يعقوب" و لكن الحقيقةَ أنهمْ لم يكونوا وحدَهم بل كان معهم من الخونةِ الكثيرين ، ممن باعوا أوطانَهم و دينهَم و انتمائَهم بل و أنفسَهم و أعراضَهم و شرفَهم في مقابلِ حفنةٍ من مالٍ قذرٍ أو منصبٍ ذاهبٍ أو جاهٍ زائلٍ .
و لكن الحقَ لا يموتُ أبدًا ، ذلك أنَّ اللهَ هو الحقُ و اللهُ باقٍ أبدًا .
ذلك أنَّ الصوابَ قد يتوارى و يختفي حينًا من الدهرِ و لكنَّه أبدًا لا يموت .
و لهذا لما هبّتْ على مشرقنِا رياحُ و عواصفُ "الربيعِ العربي" كنتُ أرى في ثناياها ما لم يره الكثيرون من أعراضِ "حربِ الحضاراتِ" .
ذلك أنَّ الغربَ يريدُ فرضَ ثقافتِه و التي هي خلاصةُ حضارتِه ، يريدُ الغربُ غزونا فكريًا و حضاريًا – و هي المرحلة الأخيرة من الغزو العسكري و نتيجته المحتومة حيثُ يفرضُ المحتل لغتَه و ثقافتًه و أسلوبَ حياتِه و تفكيرِه على البلدِ المحتلِ – بعدما فشل في غزونا عسكريًا عبرَ القرون .
يريدُ الغربُ منا أن نتبرأَ نحن من ثقافتِنا و أصالتِنا بمحضِ إرادتنا ، و أن نقتلعَ بأيدنا جذورَنا الممتدةَ عبرَ القرونِ في الماضي السحيقِ و ننتمي فكريًا و ثقافيًا – أي حضاريًا – إليه من غيرِ أن يجبرنا هو على فعل ذلك ، تحت شعاراتٍ رنانةٍ مطاطةٍ ينخدعُ فيها الكثيرون من أمثال "المدنية الحديثة" و "مواكبة العصر" و "العولمة" و "الديموقراطية" وما شابه ذلك من شعاراتٍ يتم فيها فرضُ ثقافةِ الغربِ علينا و لكن هذه المرة بإرادتِنا و باختيارِنا .
شعاراتٌ طنانةٌ لا تحملُ في طياتها إلا ألغامًا مدمرةً توشكُ أن تنفجرَ لتدمرَ المجتمعاتِ و تمزقها و تُحَوِّلَ أصحابَها إلى مسوخٍ مشوهةٍ لا هي تنتمى إلى جديدٍ تعيشُ فيه و لا إلى قديمٍ تنتمي إليه و يجري في عروقها ، و إنما هي مجموعةٌ من الأمشاجِ المختلطةِ غير المنسقةِ تنتجُ في الأخيرِ كائنًا مشوه الخِلْقَةِ و الخُلُق .
و حتى الخيرَ الذي تحتويه يتمُ تفريغها منه لتبقى فقط مساوئُها لتدمرنا به دون حسنةٍ واحدة .
و تسألُني ما علاقةُ كُلِّ هذا بما يعرفُ بــــ "سدِّ النهضةِ" فأجيبُكَ في الأُسْبُوعِ القادمِ إنْ شاءَ اللهُ ، و مدَّ في أعمارِنا .