الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

دين السيسي وناصرية ناصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أولًا وقبلَ كلِ شيءٍ أعلمُ علمًا يقتربُ من حدِ اليقين أن الرجل لن تقع عيناه على ما أكتبه ولو أعلم أنه ينظر ما كتبته، فأنا لا أكتبُ قدحًا في ناصر ولا مدحًا ولا أجامل السيسي ولا أنافقه وأعوذ بالله من ذلك، فما ذلك لي بخُلُق، ولست رجلَ دولةٍ ولن أكون، وإنما أنا رجلُ ملةٍ حتى أموتَ إن شاء الله، وإنما أكتبُ الآن ومن قبلُ ومن بعدُ إعمالا لحق الله تعالى الذي أوجبه على كل من أُوتي ذروا من العلم أن يبينونه للناس ولا يكتمونه.
لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر ذكيًا جدًا عندما ذهبَ بعد اصطدامه مع الإخوان إلى ضريحِ البنا ووقف خاشعًا مليًا، وحرص على أن يطّلع على ذلك الأشهاد، ليعلن أنه بمواجهته للإخوان ليس ضد الدين بل ليس ضد الإخوان أنفسهم وإنما هو ضد تطرفهم وعنفهم وانحرافهم وها هو ذا الدليل أنه يزور ضريح قائدهم.
نعم كان تصرفًا ذكيًا ولكن أثبت السيسي أنه أذكى وأعلم وأحكم، حين أطل في حوارٍ له يوجهه للمصريين كاشفًا فهمه العميق للدين واعتزازه بكونه "مصري مسلم" ليتسامى فوق الانتماءات الضيقة للإخوان وغيرهم.
ويرتفع فوق ذلك باتصالٍ مباشر مع الله الذي لم يجعل بينه وبين الناس وسائط.
نعم، أصرَّ السيسي في أول خطابٍ على أن يبين للناس- على الرغم من عدم فهم المحاورين لذلك ومحاولة البعد عن هذه النقطة-: ها أنا ذا، وها ذا ديني الذي أنتمي إليه وأعتز به كما اعتز وأنتمي لوطني، وها هي الأخلاق التي هي لب الدين الحقيقي والدلالة الحقيقية على التدين الحقيقي، وكلما حاول المحاوران الابتعاد – لعدم الإدراك لأهمية ذلك ومحوريته – أصرّ هو على أن يعود إليه مرة أخرى، لأنه يريد تكريس معنى واضحٍ في نفوس المصريين أنه ليس ضد الدين أو ليس ضد الإسلام تحديدًا، وأنه يمثل صورة المسلم الحقيقي الفاهم لدينه والذي يطبقه على نفسه بل ويعيشه.
ولكنه لما ضاق ذرعًا بمحاوريه انتقل إلى حيث يريدون، لكنه أصرّ في مواضع آخر مع رجال الصناعة والتجارة ومع غيرهم، أن يبين فهمه العميق للدين والذي يقتصر على الشعائر الظاهرية، وأن لهذه الشعائر ثمارًا أن لم تنتجها فلا قيمة لها.
ونتائج هذه الشعائر هي الأخلاق وهي ثمرة الدين الحقيقية التي أراد أن يبلغها في حواره الأول وسماها بـــ"إنسانية الإسلام".
بيّن فهمه للإسلام الذي قدّم لأولِ مرة في تاريخ البشرية أول قانونٍ للتعايش بين الأديان بل ومع الآخر في مطلقه.
بيّن فهمه للدين في خطورة الكلمة والتي لها شأنٌ وأي شأنٍ، من لم يعرفها ويقدرها قدرها فما عرف الدين بل ولا عرف الله ولا راقبه.
بيّن فهمه للدين الذي يعلم أن الأذى والسب والشتم والقذف مردود على قائله وعلى صاحبه، وأن على الشخص المتدين حق التدين أن يتسامى ويتعالى على سفاسف الأمور ويكرهها ويحب معالي الأمور، وأن الإساءة إلى شخصه ترفعه ولا تضعه وتزيده ولا تنقصه لأنها بباطلٍ لا بحق.
هكذا كان انطباعي على أحاديث السيسي في حديثه حقيقة الدين.
ما يجعلني أعتقد أنه في ذلك لا ينحو نحو يسارية ناصر ولا يمينية وتطرف الإخوان.
ولكنه يقف على طريق الدين الصحيح بنقائه وصفائه ووسطيته واعتداله.