الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قمع بتأييد شعبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في قصة الأطفال الشهيرة الراعي الكاذب، كان الراعي يصرخ في الناس بوجود ذئب يهدد القطيع، ليتجمع أهالي القرية ويكتشفوا أن الراعي يكذب وليس هناك تهديد للقطيع ويكرر الصبى صرخاته عدة مرات كذبًا وعندما جاء الذئب ليفترس القطيع لم يستجب أحدًا لصرخات الراعي الكاذب!
في مصر ومنذ 25 يناير استهلكت القوى الثورية طاقتها في الهجوم على السلطة ونجحت مرحليا في إلصاق كل الأزمات التي يعانى منها الشعب بالسلطة الحاكمة خلال فترة المجلس العسكري وخلال فترة الإخوان والآن في فتره الرئاسة المؤقتة للمستشار عدلي منصور ثم تحول الأمر باتجاه المشير السيسي باعتباره الرجل القوى الذي يقترب بقوة من كرسي الرئاسة.. وعلى طريقة الراعي الكاذب أطلق النشطاء نداءات استغاثة كثيرة مؤخرا للشعب.. ولكن لم يجب أحد سواء من أجل إسقاط قانون التظاهر أو مواجهة قانون الإرهاب.
لماذا حدث ذلك؟ الإجابة يمكن أن تجدها في متابعة طريقة هجومهم على النظام الجديد بعد 30 يونيو، وعلى شخص السيسي ويجدها الناس متكررة ومتشابهة ومستوحاة من الدعاية المضادة الإخوانية والتي تعانى في كثير منها من تزيد غير مبرر أو غير مفهوم بالنسبة للشعب الذي طالبه بالترشح عبر قطاعه غير الثوري أو "حزب الكنبة "كما يطلق عليه وهو القطاع الذي لم يجد أي نفع أو جدوى منذ ثورة يناير وحتى الآن.. القوى الثورية قالت إن سبب ذلك هو التفاف الجيش على مطالب الثورة.. ثم طمع الإخوان فيها.. ثم رغبة السيسي في السلطة.. لكنها لا تعترف بالفشل أبدا فلا هي نظمت نفسها ونجحت في الاستحقاقات الانتخابية السابقة وقدمت مشروعها الخاص المختلف، ولا هي قدمت حلول حقيقة لأوجاع الناس من أجل حل المشكلات، بل وخاطرت بمدنية الدولة حينما عصرت الليمون وانتخبت مرسى وجماعته التي كانت نتيجتها إطلاق موجهة إرهابية عاتية حينما استخدمت ذات أسلوب انتزاع مبارك من السلطة مع المعزول مرسى.
القوى الثورية هذه المرة تستهدف السيسي بنفس الأسلوب وذات الطريقة تصيد الأخطاء والهفوات.. الفيديوهات الكوميدية.. الصور المركبة.. وعلى الأرض التظاهر.. السباب على الحوائط.. الاشتباك العنيف مع الأمن الذي غالبا ما يسفر عن سقوط قتلى ومن ثم المطالبة بالقصاص ليسقط آخرون.
يتكرر المشهد يوميا تقريبا دون تغيير في الآليات والوسائل.. الثورية لم تجد من الشعب هذه المرة نفس درجة الاستجابة التي وقعت في يوم 25 يناير أو 28 يناير لأن اللعبة استهلكت والشعب الذي ثار لم يجد أي مغنم من وراء ثورته.. فعزف تماما عن هؤلاء.. بل وأصبح يمقت هذا الأسلوب.. فماذا كان رد القوى الثورية؟
لم يذكر التاريخ المصري شيئا عن استخدام أي قوى ثورية لسب شعوبها كأسلوب للتغيير نحو الديمقراطية أو لدفعه إلى تحسين أوضاعه السياسية أو المعيشية.. فالقوى الثورية قررت أن الشعب الذي ثار معهم على مبارك وعلى الإخوان ومرسى أصبح عبدا.. أو خائفا.. حتى السيدات المصريات الفضليات لم يسلمن من ألسنتهم البغيضة.. وأصبحن جميعا متهمات في جرائم شرف.. وللأسف.. حتى دعاة الدين أو من يطلقون على أنفسهم إسلاميين انحدروا إلى نفس المنحدر فأصبح من الطبيعي أن تجد ألفاظا خادشة للحياء ينطقون بها محذرين الشعب من انتخاب المشير كما حذروهم من قبل من الإرهاب في حالة عزل مرسى، وهو ما ضاعف عزلتهم عن الشعب الذي أصبح يراجع موقفه من الجميع ولا يستمع إلا إلى نفسه ومصالحه.
أعتقد أننا خسرنا هذه القوى الثورية التي أخطأت الطريق.. فالسيسي حتى الآن كتاب مغلق.. لم يحكم فعليا حتى يمكن إلصاق الاتهامات به.. فإذا أخطأ أو تورط في جرائم لن يكون لدى القوى الثورية المستهلكة أي قدرة على أن تواجهه لأنها نادت الناس كثيرا.. ثم سبتهم.. ثم اتهمتهم في شرفهم.. فمن سيجيبهم ساعة المعارضة الحقيقة؟
الأزمة أن ذلك سينسحب بلا شك على القوى السياسية المعارضة التي تورطت في نفس الطريق.. فقوى اليسار تخشى كثيرا من سباب صبية السياسة كما حدث مع المرشح الثوري الرئاسي حمدين صباحى الذي تورط في تصريحات، فهم منها أنه سيحاكم المشير في حالة نجاحه مما اضطره إلى النفى والتراجع، وهو ما أفقده تعاطف الكثيرين وأدى لتخوفهم في الوقت ذاته فمن يخشى الصوت العالي لواحد كيف سيحكم 90 مليون صوت عال مختلف.
في اعتقادي أن تمترس القوى الثورية في خندق الهجوم المبالغ فيه و"الأفورة" في الهجوم على السيسي ضرره أكثر من نفعه والأفضل سياسيا هو التركيز على المعركة وحصد الأصوات لحمدين صباحى، لأنها ستساند مرشحي المعارضة في البرلمان القادم الذي سيختار رئيس الوزراء صاحب الصلاحيات الأهم بموجب الدستور الجديد.. وكذلك طرح حلول واقعية وبدائل على الناس وإعادة كسب تعاطفهم حتى يمكن قيادتهم مرة أخرى لمواجهة الدولة سياسيا للحصول على حقوقهم لأن هناك تخوفا مشروعا من أن تستغل السلطة القادمة حالة الانسحاب وتتغول على حساب الحقوق والحريات وبتأييد شعبي.