تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لكننا لا يليق بنا أن ننتقل من ساحة الأستاذ الإمام محمد عبده دون أن نتحدث عن موقفه من المرأة ودعوته لتحريرها. والحقيقة أن محمد عبده قد أمعن في الدفاع عن المرأة إلى الدرجة التي دفعت إلى اعتقاد البعض بأنه المحرر الأساسي لكتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" وهو ما نفاه الاثنان. ونقرأ لمحمد عبده "الأسرة لبنة في بنيان الأمة التي تتكون من العائلات. وصلاح الأسرة هو صلاح الأمة، والرجل والمرأة متماثلان في الحقوق والأعمال، كما أنهما متماثلان في الذات والعقل والشعور، واعلموا أن الرجال الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة في بيوتهم، إنما يلدون عبيدًا لغيرهم" [الأعمال – الجزء الخامس – 208]، ويؤكد الأستاذ الإمام في كتابة أخرى "لقد كان الناس لجهلهم بوجوه المصالح الاجتماعية على كمالها لا يرون للنساء شأنًا في صلاح حياتهم الاجتماعية وفسادها حتى علمهم الوحى ذلك، لكن الناس لا يأخذون من الوحى في كل زمان إلا بمقدار استعدادهم. وأن ما جاء به القرآن من الأحكام لإصلاح حال البيوت بحسن معاملة النساء لم تعمل به الأمة على وجه الكمال، بل نسيت معظمه في هذا الزمان وعادت إلى جهالة الجاهلية" (المرجع السابق – الجزء الرابع – صـ654).
ثم يأتي محمد عبده إلى مسألة تعدد الزوجات فيقول "إن هذا النظام ارتبطت نشأته بزيادة أعداد النساء عن الرجال في المجتمعات الحربية القديمة. والإسلام لم يقر عادات الجاهلية، فما كان عن الجاهلين ليس من الصحيح أن نقول إن الإسلام قد جعله دينًا. وقد عمد الإسلام إلى إصلاح هذا الوضع بإلغائه تدريجيًّا حيث كان مباحًا بلا حدود، فوقف به الإسلام عند حدود الأربعة وضيقه باشتراط العدل، وهو أمر يندر حدوثه، ولا يصلح أن يتخذ قاعدة، مما يعنى الاكتفاء بزوجة واحدة إلا لضرورة قصوى" ويمضى الأستاذ الإمام "وإذا كان تعدد الزوجات في صدر الإسلام مفيدًا، فإنه يجلب اليوم المضار للأسرة والأمة، وإذا ترتب على شيء مفسده في زمن لم تلحقه فيما قبله، فلا شك في وجوب تغيير الحكم وعدم تطبيقه على الحالة الحاضرة" ثم يصيح في وجه الجميع "أما جواز إبطال هذه العادة [لاحظ أنه أسماها عادة] أي عادة تعدد الزوجات فلا ريب فيه، ومن ثم فإن من حق الحاكم والعالم أن يمنع تعدد الزوجات، باستثناء ما إذا كانت الزوجة عقيمًا ويريد الزوج الإنجاب، فللقاضي أن يتحقق من قيام هذه الضرورة ويبيح للزوج الزواج بأخرى" (المرجع السابق – الجزء الأول – صـ174 وأيضا الجزء الثاني – صـ 90) أما الطلاق فهو عند الشيخ محمد عبده محظور في ذاته مباح للضرورة مستندًا إلى قول على أبن أبى طالب لا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش. وفي حواشي بن عابدين "إن الأصل في الطلاق الحظر ألا لعارض يبيحه، فإذا كان بلا سبب يكون حماقة وسفاهة رأى وكفر بالنعمة كما أن على أبن أبى طالب لم يأخذ بطلاق الغاضب". بل أن محمد عبده سبقنا جميعًا عندما أخذ بنظام الخلع فقال "إن تخويل حق الطلاق للنساء هو مما تقتضيه العدالة الإنسانية لشدة الظلم الواقع عليهن من فئة غير قليلة من الرجال" (المرجع السابق – الجزء الثاني – صـ118).. ونتأمل كل ما كان ونقول بوركت يا سيدنا ومولانا، وبوركت تعاليمك التي يتناساها البعض. وتبقى بعض أبيات من شعر قيلت في الأستاذ الإمام:
كان يراعى في مديحك ساجد-مدامعه من خشية الله تذرف
إمام الهدى أنى أرى القوم أبدعوا-لهم بدعًا عنها الشريعة تعزف
فأشرق على تلك النفوس لعلها-ترق إذا أشرقت فيها وتلطف
فأنت لها أن قام في الشرق مرجف-وأنت لها أن قام في الغرب مرجف [ديوان حافظ إبراهيم – الطبعة الرابعة – صـ17].
أما أحمد شوقى فقال:
محمد ما أخلفتنا ما وعدتنا-صدقت وقال الحق فيك ضمير
فأنت خضم العلم حال سكونه-وأنت خضم العلم حين تثور
وأنت أمير القول والحفظ والنهى-إذا لم ينل تلك الثلاث أمير
ويعجبني منك التقى حيث لا تقى-وجدك حين الهازلون كثير
وربما كان هذا البيت الأخير قادرًا على تلخيص كل سيرة ومسيرة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية.