الخميس 04 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الطاهر عبد الله.. لا يموت الذي كان يحيا

الطاهر عبدالله
الطاهر عبدالله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"أنا ابن القرية وسأظل، فتجربتى تكاد تكون كلها في القرية، والقرية حياة قائمة هي الكرنك في الأقصر، أي طيبة القديمة وأرى أن ما وقع على الوطن وقع عليها، وهى قرية منسية منفية كما أنا منفى ومنسي".

يحيي الطاهر عبد الله، فارس من فرسان الأدب، اتخذ من القصة القصيرة ميدان له، صارع بقلمة مشكلات الوطن وأعباءه، متخذًا منه سلاحًا يحيي الأرواح والأنفس، صال بفكره ميادين الأدب وأوجد لنفسه مكانة بين أبناء جيله من المبدعين، كما استطاع أن يحفر اسمه بين من سبقوه من أدباء وكتاب أثروا الحياة الأدبية.
وُلِدَ "يحيى الطاهر عبدالله" في قرية الكرنك، التابعة لمدينة الأقصر، أقصى جنوب مصر، في مثل هذا اليوم من عام 1938، وماتت أمه وهو صغير فربته خالته التي اصبحت فيما بعد زوجة لأبيه، وكانَ والدهُ "الطاهر عبدالله" أزهريًا، فتأثّر بهِ في حب اللغة العربية، وكان عمُّهُ "الحساني حسن عبدالله" من دراويش العقّاد فكان "يحيى الطاهر" يحب العقاد جدًا،ويتشدد لهُ.
تعتبر قرية الكرنك، مسقطُ رأسهِ التي تلقى تعليمه بها حتى حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة وعمل بوزارة الزراعة فترة قصيرة، دومًا منبعًا لإلهامه، ودائمًا كانت كتاباته تتسم بالشوق والحنين إليها سواء بالتصريح، أو الاستدعاء وكأنه يصنع منها أسطورتها الخاصة.
كتب يحيى الطاهر، أولى قصصه القصيرة "محبوب الشمس" وأعقبها بقصة "جبل الشاي الأخضر" في عام 1961 ولأنه كان يبحث بجد عن قاسم مشترك بينه وبين المجتمع، وعن أن يكون إبداعه قناة اتصال لا تختص بطبقة معينة واتضح هذا في قصصه التي استلهمت التراث الشعبي في الحكاية وطريقة القصّ والأسلوب.
تميزت نصوص يحيى الطاهر عبدالله، بأسلوب شعرى مكثف قربها من قصيدة النثر، كما غلف أعماله بلمسة أسطورية تراجيدية تفرزها حياة الناس الذين يدبون على الأرض، حتى تنعجن الخرافة بالحقيقة، فيتساءل المرء: هل الواقع هو أسطورة، أم الأسطورة هي الواقع.
وعندما أنتقل إلى القاهرة بدأ يتردد على المقاهي والمنتديات الثقافية، وبدأ يعرف كظاهرةٍ فنيةٍ متميزة، كان يلقى قصصه التي كان يحفظها بذاكرة قوية إلى حد الغرابة ودونما اعتماد على الورق، وكان يرى في ذلك محاولة لتقريب المسافة بين كاتب القصة والرواة الشعبيين، كأن القرية ماتزال في عمق قلبه، وعن ذلك يقول:
عندما أبتعد عن قريتي أسعى إليها في المدينة، وأبحث عن أهلي وأقربائى وناسى الذين يعيشون معي، وأنا لا أحيا إلا في عالمها السفلي، فحين ألتقى بهم نلتقى كصعايدة وكأبناء كرنك، ونحيا معا ألمنا المصرى وفجيعتنا العربية، وبُعدنا عن العصر كشخوص مغتربة.
تم اعتقال الطاهر عبدالله مع مجموعة من الكتاب والفنانين المصريين، منهم الأبنودي، ثم أطلق سراحهم في أبريل 1967، أي قبل هزيمة يونيو بنحو شهرين، تزوج الطاهر عبدالله وأنجب بنتين هما: أسماء وهالة، وعمل لفترة قصيرة في منظمة التضامن الأفروآسيوى مع أمل دنقل، برئاسة يوسف السباعي، وكانت أعماله تتوالي:
ثلاث شجرات تثمر برتقال، الدفّ والصندوق، أنا وهى وزهور العالم، حكايات للأمير حتى ينام، الطوق والأسورة، الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة، تصاوير من التراب والماء والشمس، كما صدرت أعماله الكاملة بعد رحيله، عن دار المستقبل العربى بالقاهرة عام 1983، وقام الناقد الدكتور حسين حمودة، بعمل رسالة دكتوراة عن يحيى الطاهر عبدالله.
ترجمت له أعمال كثيرة إلى الإنجليزية والإيطالية والألمانية والبولندية، وكان قد كتبَ في بداية حياته بعض القصص والسيناريوهات لمجلة الأطفال المتخصصة.
تعتبر قصة "الرسول" آخر ما كتبه يحيى الطاهر إذ كتبها في الأيام الأولى من شهر أبريل 1981، لم ينشر له في حياته سوى حوار صحفى وحيد أجراه معه سمير غريب ونشر في العدد الثالث من مجلة "خطوة" في 1982، كما أجرت معه إذاعة البرنامج الثاني "البرنامج الثقافي" لقاءً إذاعي كما صدر عن أعماله القصصية كتاب نقدى وحيد هو "شجو الطائر.. شدو السرب" لصديقه الدكتور "حسين حمودة" عام 1996 عن هيئة قصور الثقافة.
رحل يحيي الطاهر عبدالله، في حادث سيارة على طريق "القاهرة - الواحات"، يوم الخميس 9 أبريل 1981 ودفن في قريته الكرنك، التي تمسك بها حيًا ولم تغادر فكره، فلم تتنازل عنه جسدًا هامدًا ليعود مره أخرى إلى حيث كانت البداية.