تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا أظن أن مراقبا موضوعيا لما يجري في الشارع المصري ينكر حقيقة أن كفة المرشح الرئاسي المشير عبد الفتاح السيسي هي الأرجح، في السباق الدائر الآن، ليس فقط بسبب شعبيته الجارفة وإنما أيضا بسبب فشل منافسه حمدين صباحي في تجاوز حالة الناشط السياسي ليقدم نفسه كرئيس لدولة بحجم مصر.
ولأن ذلك هو الحال، ولأنني واحد من هذه الملايين التي تلتف حول عبد الفتاح السيسي حتى من قبل أن يعلن عن تفاصيل برنامجه الانتخابي، أظن من الضروري أن نؤكد أن السيسي في حد ذاته برنامج للعمل الوطني، أو هكذا نراه ونتصوره.
حسنا علينا أن نتأمل جيدا أو بالأحرى نتساءل لماذا نعتبر السيسي في شخصه برنامج عمل؟ لأن ذلك سيكشف حقيقة أسباب هذه الشعبية الجارفة وربما الحب الذي منحه الناس لوزير دفاع جيشهم.
قطعا المسألة ليست عاطفية كما يحب المغرضون تصويرها فهناك عوامل موضوعية وضعت الرجل في تلك المكانة، ما يهمني هنا التركيز على أمرين بشكل مباشر.
أولهما: أن الرجل انتصر وبلغة العرب انتخى لهبة المصريين ضد الحكم الديني وثورتهم على الفاشية بعناوينها الإسلامية، والأهم من ذلك أنه وقف إلى جانب وعيهم بزيف ما يسمى الإسلام السياسي، وثانيهما: أنه قدم نفسه كنموذج صادق للجندي المصري المعتز بجنديته وانتمائه لجيشه والمخلص لوطنه، وأن صفحته من بعد ذلك طاهرة نقية لا تزال من فسدة السياسة المتملقين المنافقين، الذين احترفوا القوادة السياسية لنظام مبارك ومن بعده نظام الإخوان.
هذه أسباب موضوعية صاغت التعبيرات العاطفية عن تقدير جموع الناس وحبهم للبطل عبد الفتاح السيسي، وبلورت في الذهنية العامة فكرة أنه بحد ذاته برنامج للعمل الوطني.
أي أنه ببساطه سيمضي في طريقه لتطهير البلاد من فساد أفكار خوارج هذا الزمان وتفكيك جميع منظماتهم ومؤسساتهم، ودحرهم إلى غير رجعة وأننا لن نشهد في المستقبل القريب والبعيد أي لافته تحمل شعارا لما يسمى بالإسلام السياسي، وأنه أيضا لن يسمح بعودة الوجوه الفاسدة التي طالما عبثت بمقدرات الوطن في زمن الحزب الوطني، والحق أن الرجل نفسه أكد على هذه المسألة تحديدا في أكثر من مناسبة، ومع ذلك يبقى دائما لما تقصده كلمة لكن مكان وموقع من الإعراب في الجملة السياسية.
بداية، لكن هنا كانت مع نفر من المحللين والكتاب السياسيين الذين شرعوا في فتح باب ما تسمى المصالحة مع التنظيم الإرهابي بعضهم راح يروج إلى أن الإسلام السياسي تيار عريض في المجتمع المصري ولا يمكن إغفاله "لا أظنني بحاجه إلى التذكرة بالملايين الـ30 التي خرجت في الـ30 من يونيو" بل إن الأستاذ ضياء رشوان قال في أحد البرامج إن الإسلام السياسي موجود في الخريطة الفكرية المصرية منذ عهد محمد على باشا، رغم أن هذه الفكرة بمعناها السياسي لم يتبلور إلا بظهور الإرهابي الأكبر" حسن البنا" وما قبله كان لدينا علماء في الفقه الإسلامي وانطلاقا من هذا التصور للنخبة الفاسدة فكريا راح البعض الآخر يذكرنا بأن الأبطال الشعبيين والزعماء الأكثر تطرفا هم الأقدر على عقد المصالحات وتقديم التنازلات باعتبار أن الجماهير دائما قد تقبل ما يصفونها بالحلول العقلانية من الزعماء المتطرفين بينما ترفضها من المعتدلين، ضاربين المثل بمناحم بيجن الذي وقع كامب ديفيد مع مصر وشارون الذي انسحب من قطاع غزة.
هذه النغمة بدأت تتسرب شيئا فشيئا في بعض الفضائيات من صحفيين وإعلاميين معروف عنهم تأييدهم للمشير السيسي كمرشح رئاسي ويبدو الأمر وكأنهم يمهدون الأرض لما هو آت. حدث هذا النقاش بتلك الأمثلة في برنامج صالون التحرير الذي يقدمه الكاتب الصحفي عبد الله السناوي أثناء لقائه مع حازم الببلاوي رئيس الوزراء السابق.
في ذات السياق جاء الإعلان عن وجود نية لتشكيل لجنة ممن يسمون بالإخوان المنشقين داخل حملة السيسي تضم إخوانا يلعنون قادة التنظيم الحاليين ويسبحون بحمد حسن البنا بل ويطالبوننا بالإسراع نحو المصالحة كلما استشهد ضابط أو انفجرت عبوة ناسفة.
يبقى الأمر بيد السيسي الرئيس هل سيستمع لتلك الأفكار الفاسدة؟ أم أنه يعي تماما أن المجتمع المصري بثقافته وحضارته هو من انتصر على ما يسمى بمشروع الإسلام السياسي وأنه هو من قضى على أي مستقبل لهذا المشروع الزائف وليست النخبة بأقطابها؟! لو كانت الأولى سأعارض السيسي، أما الحالة الثانية التي تشكل سببا موضوعيا لمعارضته فهي أن يضطر لدفع فواتير لمن وقفوا إلى جانبه ودعموه من رجال أعمال الحزب الوطني والساسة المزيفين الذين ينتمون لذلك الزمن سواء كانوا أعضاء في الحزب الوطني أو من كانوا يرتدون عباءة المعارضة من باب التمويه.
للأسف بعض تلك الوجوه العكرة ظهرت في حملة السيسي وليس في مكان آخر أقصد أنها لم تظهر منفصلة عن الحملة.
أحدهم كان يتنقل بين المعارضة والحزب الوطني الحاكم جيئة وذهابا هكذا دون حياء أو خجل، وبعضهم جيء به في آخر انتخابات مجلس الشورى في عهد مبارك، ونجحوا عنوة في دوائر انتخابية لا ينتمون لها ولا حتى بالجلوس على إحدى مقاهيها.
من حق أي مواطن أن يؤيد المشير السيسي ولكن من حقنا أيضا ألا نرى وجوها فاسدة في الحملة الرسمية للمشير فأكثر ما نخشاه أن يطالب هؤلاء السيسي الرئيس بدفع فاتورة الوقوف معه. أخيرا وليس آخرا على عبد الفتاح السيسي الرئيس إدراك أن المصالحة مع الإسلام السياسي والسماح بأحزاب لا تؤمن بالهوية المصرية، وعودة وجوه الفساد العكرة محاذير وخطوط حمراء وضعتها الملايين التي ترى فيه أملا وبرنامجا للعمل الوطني.