تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ليس بوسع أحد مهما بلغت إمكانياته في التحليل السياسي، أن يدعي قدرته على التنبؤ بما سيجري من أحداث في ٣٠ يونيو المقبل؛ وقراءة سريعة لما يقوله أو يكتبه دعاة الثورة، أو أنصار النظام الإخواني تكشف أن أحدهما يكتفي بالدعوة الى الخروج دون أن يجزم بأن الملايين ستحتشد أمام قصر الاتحادية، بينما يكتفي الآخر بإعطاء مبررات فشل مظاهرات ٣٠ يونيو، من دون أن يحسم بأنها لن تسفر عن تداعيات تقود الى سقوط النظام.
وظني أن محاولة الاجتهاد في فهم المعادلة التي قامت على أساسها دعوات التظاهر في ٣٠ يونيو، قد تساعد على توقع نتائج ذلك اليوم بغض النظر عن حجم الحشد الذي سيشهده.
فالدعوة الى التظاهر خرجت من رحم حركة “,”تمرد“,” التي هي تعبير واضح عن يأس الغالبية الغاضبة من تلك المعارضة التقليدية والمرتعشة والتي صيغت لتعمل وفقط كديكور للنظام السابق وأثبتت فشلها في اتخاذ مواقف حاسمة في مواجهة نوع جديد من الاستبداد السياسي.
وقد اعتمدت هذه الدعوة فيما تعتقد أنها مقومات نجاح على معطيات أساسها المعاناة اليومية للمصريين، بدءًا من أزمة الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي، مرورًا بارتفاع الأسعار وشلل الحياة الاقتصادية، وصولاً الى التداعيات السلبية لحكم الدستورية العليا بشأن بطلان الشورى واستمرار صلاحياته وفساد التأسيسية ومشروعية الدستور، ناهيك عن فضيحة الحوار الوطني حول سد النهضة.
بيد أن هذه المعطيات وعلى أهميتها لا تبدو كافية لتنضج الثمرة التي أرادتها حركة “,”تمرد“,” من ٣٠ يونيو، لا سيما وأن الهدف لايزال غير واضح، وبالأحرى لا يزال حائرًا بين عنوانين.. أولهما: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وثانيهما: تشكيل مجلس رئاسي مدني يشرف على تشكيل تأسيسية جديدة لعمل دستور وطني وإدارة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة تعقب الاستفتاء على الدستور.
وفي ظل غياب تحديد هدف وتصور لما بعد سقوط مرسي ـ إن سقط ـ يشعر كثيرون من أولئك الساخطين على حكم الإخوان بمخاوف أراها موضوعية من عدم وجود بديل أفضل، خاصة وأن رموز جبهة الإنقاذ لم تفرز من بينها شخصية يلتف حولها المصريون.
ومع ذلك قد أتفق مع القائلين “,”إن الثورة قادرة على صناعة وجوه جديدة بحكم أنها عملية مركبة تستطيع تفاعلاتها أن تفرز لنا البديل المناسب“,”.. لكن وحتى تكتمل عناصر هذه العملية أتصور أن عنوانًا آخر يجب أن يبرز وسط حشود ٣٠ يونيو، وهو “,”العداء المطلق لذلك الشيطان القابع في واشنطن“,”.. لتدرك الإدارة الأمريكية وقبلها الشعب الأمريكي أن المصريين لن يقبلوا تدخلاتهم بعد اليوم فهم صناع الفوضى وهم الخطر الحقيقي.
وبدون تجسيد هذا الشعار لن تتغير قواعد اللعبة وبمعنى آخر لن تتغير المعادلة التي يقوم عليها حكم الإخوان، ولعلنا جميعًا نلاحظ كيف تصمت الإدارة الأمريكية عن انتهاكات شبه يومية ليس فقط لحقوق الإنسان وإنما أيضًا في حق عملية بناء المؤسسات الديمقراطية، بينما كانت لا تكف عن الصياح ليل نهار في وجه النظام السابق.
أما رباعية الإخوان بشأن ٣٠ يونيو، فقد خلت تمامًا من أي مبرر لفشلها يتعلق برضاء المصريين عن حكم الرئيس محمد مرسي.. وتتلخص هذه الرباعية في ارتفاع درجات حرارة هذا الصيف والتي ستلتهم نيران الثورة الموقدة في صدور المصريين، شواطئ مارينا والإسكندرية التي سيهرع لها المصطفون بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة وقبل مجيء شهر رمضان الكريم، وهو أحد أضلاع مربع فشل ٣٠ يونيو، من وجهة نظر الإخوان، أما الرابع فهو خوف المصريين من الاقتتال الأهلي والفوضى العارمة مما تطلقه الجماعات الإرهابية من تهديدات أخذت تتصاعد وتيرتها خلال الأيام الماضية.
ولأن فرص الإصلاح باتت منعدمة فالنظام الإخواني بسبب الأوضاع الاقتصادية الفاشلة ليس أمامه سوى خيار وحيد قد يثني بعض الحشود الغاضبة عن الاستمرار في ثورتهم ليس لعبقريته، وإنما لمخاوف البعض من المجهول بعد سقوط مرسي أو تكرار المآسي التي عانينا منها جميعًا في ظل حكم المجلس العسكري.
هذا الخيار الوحيد هو أن يعلن الرئيس مرسي عددًا من الإجراءات السياسية الحاسمة التي طالما نادت بها قوى المعارضة، وهي إقالة حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة تكنوقراط وطنية، والإعلان عن تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لعمل دستور ديمقراطي بديل لدستور الغرياني المهترئ.