الخميس 06 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

صوت القاهرة يجلجل في وجه التحديات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التأمت القمة العربية الطارئة في العاصمة الإدارية الجديدة، في مشهد يعيد إلى الأذهان ألق العروبة حين كانت القاهرة منبرها وصوتها الأعلى، حيث اجتمع القادة العرب في توقيت مفصلي لا يقبل الحياد ولا يحتمل التردد. لم تكن هذه القمة مجرد لقاء بروتوكولي أو بيان ختامي بارد، بل كانت لحظة مصارحة وموقفًا يفرضه التاريخ والجغرافيا.

ولم يكن اختيار القاهرة لاستضافة القمة مجرد مصادفة، بل هو امتداد لدورها المركزي في الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي عادت لتتصدر المشهد بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة. وكأن الزمان يدور دورته ليعيد للأذهان مواقف مصر الثابتة، من دعم الشعب الفلسطيني إلى احتضان الحقوق العربية دون مواربة.
ومن قاعة القمة، انطلق صوت مصر واضحًا حاسمًا، لا يقبل المساومة ولا يتلون بلغة الدبلوماسية الزائفة. أكدت القيادة المصرية، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن القضية الفلسطينية ليست ورقة مساومة، بل هي حق تاريخي غير قابل للتفاوض، وأن حماية الشعب الفلسطيني مسؤولية عربية قبل أن تكون دولية.
لم تكن القمة مجرد تكرار لمواقف سابقة، بل جاءت لتختبر النوايا، وتفرز بين من يتمسك بالمبادئ ومن يلهث وراء التوازنات السياسية. وهنا، برزت مصر كحائط الصد الأول، مطالبة بوقف فوري للعدوان وفتح ممرات إنسانية عاجلة لإنقاذ الأبرياء في غزة.
وفي موقف يعكس حساسية اللحظة، شدد البيان الختامي على رفض كل أشكال التهجير القسري للفلسطينيين، مؤكدًا أن أي محاولة لفرض واقع جديد ستكون مرفوضة جملة وتفصيلًا.. موقف عربي موحد تجلى في كلمات القادة، لكن الأهم من الكلمات هو التنفيذ، وهنا يأتي الدور المصري الذي أثبت عبر التاريخ أنه ليس مجرد ناقل للرسائل، بل صانع للأحداث ومحدد لمساراتها.
القاهرة ليست مجرد عاصمة سياسية، بل هي ضمير الأمة حين تتناثر المواقف، وهي بوصلتها حين تفقد الاتجاه. القمة العربية الطارئة لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت نداءً تاريخيًا لإعادة إحياء التضامن العربي، والخروج من أسر البيانات الباردة إلى أفعال تليق بحجم التحديات.
في هذه اللحظة الفارقة، تؤكد مصر دورها كقائدة للموقف العربي، وتثبت أن العروبة ليست شعارًا، بل التزام أخلاقي وسياسي، وأن فلسطين ليست مجرد قضية، بل اختبار حقيقي لمن يستحق أن يكون في صف الأمة... وهنا، كما دائمًا، تتحدث القاهرة بصوتها العميق، فيسمعها الجميع.
ورغم الموقف العربي الموحد الذي برز في القمة، لا تزال هناك تحديات كبرى تواجه مسار العمل العربي المشترك. فالضغوط الدولية والتدخلات الخارجية تلقي بظلالها على القرار العربي، وتحاول التأثير على استقلاليته. وهنا، يأتي الدور المحوري لمصر في التصدي لهذه الضغوط، وإعادة ضبط بوصلة التحرك العربي ليكون نابعًا من الإرادة الذاتية للدول العربية، لا من إملاءات القوى الكبرى.

إن استعادة الدور العربي الفاعل لا يقتصر على التصريحات، بل يتطلب إعادة بناء منظومة التعاون العربي على أسس جديدة، تقوم على الفعل لا رد الفعل، وعلى الوحدة لا التنازع. وهنا، تبرز أهمية مصر كدولة قائدة، تمتلك من الخبرة السياسية والقوة الدبلوماسية ما يؤهلها لإعادة تشكيل المشهد العربي بما يخدم مصالح الشعوب العربية.
ولا يمكن للقمة العربية الطارئة أن تكون مجرد محطة عابرة في تاريخ العمل العربي المشترك، بل إنها بداية لمرحلة جديدة من الفعل العربي الحقيقي. فالمطلوب اليوم ليس فقط إصدار بيانات الإدانة، بل اتخاذ إجراءات عملية توقف نزيف الدم الفلسطيني، وتحد من تغول الاحتلال الإسرائيلي على الأرض والحقوق العربية.
مصر، بحكم موقعها التاريخي ودورها السياسي، مؤهلة لقيادة هذا التحرك، مستندة إلى شرعيتها العربية والدولية، وقوة موقفها الذي يستمد صلابته من تاريخها الحافل بالدفاع عن القضايا العادلة. ومن هنا، فإن نجاح هذه القمة لا يقاس فقط بما تم التصريح به، بل بما يتم إنجازه على الأرض خلال المرحلة المقبلة.
ومع انتهاء القمة العربية الطارئة في القاهرة، يدرك الجميع أن هذه ليست نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة من العمل العربي الجاد. فمصر التي دعت لهذه القمة، والتي صدحت بصوتها عاليًا في وجه التحديات، لن تتوقف عند حدود البيانات، بل ستواصل تحركها الدؤوب من أجل الحفاظ على حقوق الأمة.
إن التاريخ يسجل اللحظات الفارقة، وهذه القمة كانت واحدة من تلك اللحظات التي تميز بين الشعارات والحقائق، وبين المترددين وأصحاب المواقف الحاسمة. ومرة أخرى، كما كان الحال دائمًا، تتحدث القاهرة فيسمعها الجميع، ليس لأنها الأعلى صوتًا، بل لأنها الأصدق نبرةً، والأوفى لقضيتها العربية الكبرى.