تطاردهم أحزمة نارية شكلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال قصف جوي وبري ومدفعيات وصواريخ ملئت بها السماء والأرض ومن قبلهم الأنفاس والصدور، أبرياء لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل، يحملون أرواحهم على كفوف أيديهم ويسابقون اللحظات العصيبة بأقدامهم الحافية، يهرولون لنقل جرحاهم إلى المستشفى فقد سئموا من إنقاذ من هم تحت الأنقاض، فيحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولو ببقاء فرد واحد يحمل اسم العائلة.
هنا غزة وهنا المدنيون الفلسطينيون الذين يصارعون الموت في كل ثانية، فكل لحظة تمضي وهم يتبادلون شهيق وزفير بمثابة انتصار لا يتوقعوه، فأرواحهم مرهونة بقذيفة غاشمة قد تقع عليهم في أي لحظة وفي أي مكان، حتى بالمستشفيات التي يجرم استهدافها حسب القوانين الدولية، ولكن للاحتلال الإسرائيلي قوانينه الخاصة، فهم على حد وصفهم الوضيع يتعاملون مع «حيوانات بشرية»، فتم استهداف المستشفيات مدارس النازحين بشكل علني ومباشر على مرأى ومسمع من العالم أجمع وقد أغلقت المستشفيات على جرحاها في الظلام الدامس، يداوون آلامهم بالأنين والبكاء والتضرع لفك المحنة.
يقف المسعفون وسائقو عربات الإسعاف في حالة تشتت، فقد تم استهداف العشرات من سيارات الإسعاف في الفترة الأخيرة لمنع نقل المصابين للمستشفيات بشكل سريع، وكيف سيهرعون إلى إنقاذ المصابين وقد باتت السيارات المتبقية بدون وقود ساكنة كسكون الموقف الدولي، فترى الأهالي يحملون ذويهم على أعناقهم ويهرولون بهم مسافات ومسافات تصل لعشرات الكيلومترات ليصلوا بهم إلى المستشفى حيث الملاذ الآمن قبل أن يُشطب مصطلح الأمان من قاموس غزة، وهنا نرى مرضى قد وصلوا للمستشفيات بعد رحلة شقاء محفوفة بالنيران على ظهر «عربة كارو»، ولكن هيهات فالكل هاهنا بين شهيد وجريح، وقبل التقاط أنفاسهم تتساقط عليهم قوات القصف الإسرائيلي لتنتهك القانون الدولي وكافة أشكال الإنسانية، ليعودوا أدراجهم ويأخذوا المصابين فوق أسِرة المستشفيات المملوءة بالدماء ليسيروا بهم في الشوارع التي تطاردها النيران والركام المتساقط، للبحث عن مستشفى آخر، فقد قطعت سيدة مسافة ٢١ كم سيرًا على الأقدام لتجر مصاب من ذويها على سرير الموت، ولم يكتفِ العدوان الغاشم بذلك فقد تم استهداف الطرق المؤدية للمستشفيات بالقطاع مثلما أشار «محمود بصل» متحدث الدفاع المدني الفلسطيني، أن قوات جيش الاحتلال ترتكب جرائم إنسانية بقطاع غزة، وتقصف الطرق المؤدية إلى المستشفيات بالقطاع مما يعوق حركة سيارات الإسعاف، وأنه لا يوجد في غزة أي منطقة آمنة الآن، وأن الحياة في القطاع قد عادت لشكلها البدائي وأصبحت «العربة الكارو» تنقل المدنيين والصحفيين والأحياء والأموات، فهنا في فلسطين وبسبب تطهير عرقي غاشم، لا يسلم المصاب ولا الطبيب ولا ناقل الخبر ولا متلقيه.
قراءة في كتاب التطهير العرقي في فلسطين.. كاتب إسرائيلي يصف الحرب بأنها جريمة ضد الإنسانية
يعد كتاب «التطهير العرقي في فلسطين» للباحث الإسرائيلي «إيلان بابه» من أبرز الأعمال التي تعرّي حقائق مريرة حول ما جرى في فلسطين عام ١٩٤٨، وقد نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عام ٢٠٠٧، وقدم تحليلًا علميًا مفصلًا للمجازر وعمليات التهجير القسري التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، فكشف عن عمليات تدمير واسعة للقرى الفلسطينية وطرد ما يقارب ٨٠٠ ألف فلسطيني من ديارهم، مما يعتبر من أكبر المآسي في تاريخ المنطقة.
يبني «بابه» سرديته على أبحاث ووثائق تاريخية تم الإفراج عنها حديثًا، ويعرض الأحداث من منظور نقدي يناقض الرواية الإسرائيلية التي تصوّر ما حدث على أنه «حرب استقلال»، ففي حين أن الإسرائيليين يعتبرون أن ما جرى كان مجرد صراع من أجل إقامة دولة يهودية، يرى الفلسطينيون أن ما وقع كان نكبة حقيقية تم خلالها طردهم من أرضهم بشكل ممنهج وعنيف. يُظهر الكتاب، الذي يتألف من ٣٧٤ صفحة، كيف كانت خطة «د» التي تم تنفيذها في عام ١٩٤٨ جزءًا من سياسة مدروسة تهدف إلى تطهير الأراضي الفلسطينية عرقيًا، ومن خلال الحرق والتدمير الجماعي للقرى الفلسطينية، وحرق المنازل، وتهجير السكان، تم تحقير وإنكار حقوق الفلسطينيين، ووصف تلك الحرب النكراء بأنها جريمة ضد الإنسانية بموجب القوانين الدولية.
من زمن التوراة حتى أوج الاستعمار الأوروبي.. تطهير عرقي ممنهج عبر التاريخ
تم نشر الكتاب لأول مرة عام ٢٠٠٧، ويعد مرجعًا مهمًا يكشف تفاصيل خطة التطهير العرقي التي نُفذت في عام ١٩٤٨، والتي تسببت في تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير ٥٣١ قرية.
يبدأ «بابه» بتوضيح مفهوم «التطهير العرقي»، ويشير إلى أن هذه الظاهرة لم تكن جديدة في التاريخ، بل كان يتم تطبيقها عبر العصور، من زمن التوراة حتى أوج الاستعمار الأوروبي، ويُعرّف التطهير العرقي بأنه طرد جماعي للسكان باستخدام كل الوسائل الممكنة على خلفيات عرقية، دينية أو سياسية، كما يوضح أن هذه الجريمة تُعتبر بموجب المعاهدات الدولية جريمة ضد الإنسانية يجب أن يُحاسب مرتكبوها.
١٩٤٧.. الصراع الفكري أولًا.. الفلسطينيون «كائنات غير مرئية»
وفي هذا السياق، يسرد بابه أسماء قادة يهود كبار، من بينهم دافيد بن غوريون، موشيه ديان، ويغال ألون، الذين كانوا في قلب العمليات العسكرية لتطهير فلسطين، ويبدي تعجبه بأن جريمة التطهير العرقي التي وقعت في فلسطين قد تم محوها من الذاكرة العالمية، على الرغم من وجود مراسلين صحفيين أجانب ومراقبين من الأمم المتحدة خلال تلك الفترة، كما يوضح كيف استخدم الصهاينة الأساطير التوراتية كأداة لتبرير إقامة «دولة يهودية» في فلسطين، إذ اعتبرت الحركة الصهيونية فلسطين أرضًا خالية من السكان، مما أسهم في خلق القناعة بأن الفلسطينيين ليسوا أكثر من «كائنات غير مرئية».
كما تناول قرار الأمم المتحدة رقم ١٨١، الذي نص على تقسيم فلسطين في عام ١٩٤٧، وقد لقي هذا القرار رفضًا من العرب والفلسطينيين، الذين اعتبروه تهديدًا لحقوقهم في وطنهم، وفي المقابل، رحب «بن غوريون» بهذا القرار باعتباره فرصة لتحقيق حلم «الدولة اليهودية»، مُعلنًا عن ضرورة طرد الفلسطينيين بغض النظر عن موقعهم في الأرض.
خطة «دالت» ١٩٤٨.. النقطة الأبرز في عمليات التطهير العرقي
وأوضح كيف بدأت العمليات العسكرية ضد القرى الفلسطينية، ففي أوائل كانون الأول من عام ١٩٤٧، بدأت الهجمات اليهودية على القرى العربية بهدف إخلائها وتهيئة الأرض لاستقبال المهاجرين اليهود، كما سلّط الضوء على شخصيات مثل إلياهو ساسون، الذي كان له دور في تنفيذ سياسات «فرق تسد» داخل المجتمع الفلسطيني، والتي ساهمت في تقويض الوحدة الفلسطينية.
واستعرض الكتاب تفاصيل خطة «دالت» التي أُقرّت في أبريل ١٩٤٨، والتي شكلت النقطة الأبرز في عمليات التطهير العرقي، ومن خلال هذه الخطة، تم تدمير القرى الفلسطينية وطرد سكانها، مع ارتكاب العديد من المجازر مثل مذبحة دير ياسين، وكيف تم تدريب العصابات الصهيونية من قبل البريطانيين، وكيف سكت المجتمع الدولي عن تلك الجرائم.
مجزرة الطنطورة وحيرام ١٩٤٨.. وتحويل قرية «هوج» لمزرعة خاصة بـ«شارون» صرح «جلوب باشا»، رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني، بأن حرب ١٩٤٨ "حرب مزيفة"، فقد كانت التحضيرات العسكرية العربية، كما يراها، غير كافية وغير جدية، حيث افتقدت الجيوش العربية إلى الإمدادات العسكرية المناسبة والتدريب القيادي، مما سهل على القوات الصهيونية تنفيذ عملياتها العسكرية بنجاح، وبالمقابل، كانت القوات الصهيونية قد حصلت على دعم عسكري واسع من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، وهو ما مكّنها من احتلال عشرات القرى الفلسطينية في مناطق حيفا وتل أبيب، كما ارتكبت قوات الاحتلال العديد من المجازر، أبرزها مجزرة الطنطورة في ٢٢ مايو ١٩٤٨، حيث قُتل العشرات من الفلسطينيين على يد لواء الكسندروني الصهيوني.
كما تصاعدت عمليات التطهير العرقي بين شهري يونيو وأيلول ١٩٤٨، حيث دمرت العديد من القرى الفلسطينية مثل «نجد»، «برير»، «سمسم»، و«هوج»، وغيرها، وهناك قرى بأكملها تم تدميرها وتحويلها لاحقًا إلى مستوطنات يهودية، كما حدث مع قرية «هوج» التي بني عليها منزل ومزرعة خاصة لـ«شارون»، وبعد الإعلان عن أول هدنة في ٨ يونيو ١٩٤٨، استمرت القوات الإسرائيلية في تنفيذ عمليات احتلال واسعة النطاق، وأبرزها طرد سكان مدينتي اللد والرملة في يوليو من نفس العام.
ولعل أبرز تلك المجازر، هي «عملية حيرام» في أكتوبر ١٩٤٨، حيث تم القضاء على آخر معاقل المقاومة الفلسطينية في الجليل الشمالي، وقد تمت تحت مسمى ملك صور القديم، وكانت تستهدف احتلال الجليل الأعلى وجنوب لبنان، واستخدمت خلالها القوات الإسرائيلية القصف الجوي واسع النطاق، وتم نهب الأراضي الفلسطينية وتدمير القرى وطرد سكانها، مع مقاومة ضئيلة من قبل العرب في ظل غياب الدعم العسكري الفعلي.
خرق الهدنة الأولى.. وطرد ٧٥ ألف نسمة من السكان الأصليين
في ٨ يونيو ١٩٤٨، أعلنت الهدنة الأولى بين الأطراف المتنازعة، لكن ذلك لم يمنع الجيش الإسرائيلي من مواصلة العمليات العسكرية، واستمر الجيش الإسرائيلي في توسيع نطاق احتلاله ليشمل منطقة الجليل، حتى انتهت الهدنة في ٨ يوليو من نفس العام، وخلال الفترة بين الهدنتين، وخصوصًا بعد إعلان الهدنة الثانية في ١٨ يوليو ١٩٤٨، قامت القوات الإسرائيلية بطرد نحو ٧٥٫٠٠٠ فلسطيني من مدينتي اللد والرملة، واحتلال قرى طيرة حيفا وكفر لام، وعين حوض، وغيرها.
وقد انهارت الهدنة الثانية سريعًا نتيجة استمرار العمليات العسكرية، وعلى الرغم من وجود مراقبين من الأمم المتحدة، فإن القوات الإسرائيلية لم تلتزم بتعهدات الهدنة، وفي أغسطس ١٩٤٨، استهدفت العمليات العسكرية الإسرائيلية المدن والقرى الفلسطينية بشكل منهجي، مما عزز من محاولات القيادة الصهيونية لإقامة دولة يهودية في معظم أنحاء فلسطين، وفي أكتوبر ١٩٤٨، بقيت بعض المناطق في الجليل الشمالي تحت سيطرة المتطوعين الفلسطينيين المدعومين بجيش الإنقاذ، وتم القضاء على المقاومة الفلسطينية في منطقة الجليل في عملية عسكرية عنيفة عُرفت بـ«عملية حيرام»، وتم طرد الأهالي من القرى وتحولت إلى مستوطنات يهودية أو غابات طبيعية.
اعتقالات جماعية وانتهاكات.. وتحويل الأماكن المقدسة لخمارات ومزارع أبقار وحدائق بين أكتوبر ١٩٤٨ و١٩٤٩، بدأ ما عُرف بمرحلة التطهير العرقي النهائية، حيث تم اقتلاع الفلسطينيين من قراهم الأصلية بالقوة والتهديد، ورغم مراقبة الأمم المتحدة لهذه العمليات، لم تُصدر أي قرارات تدين ما كان يحدث، رغم إصدارها قرار تقسيم فلسطين في عام ١٩٤٧، وفي نوفمبر ١٩٤٨، تم إجلاء القوات المصرية من الأراضي الفلسطينية، وواصلت إسرائيل احتلال مناطق جديدة، بما في ذلك النقب، وصولًا إلى ميناء إيلات «أم الرشراش» على البحر الأحمر. وفيما بعد، أُخضع الفلسطينيون المتبقون تحت الحكم العسكري، لانتهاكات عديدة، من بينها مصادرة ممتلكاتهم، والاعتقالات الجماعية والتعذيب، وصولًا إلى استغلالهم في العمل الشاق في معسكرات للعمل الإجباري، وكذلك جرائم الاغتصاب الوحشية، بما في ذلك حادثة اغتصاب وقتل فتاة فلسطينية في الثانية عشرة من عمرها، والانتهاكات الجسيمة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، مثل تحويل المساجد والكنائس إلى خمارات أو مزارع للأبقار.
سرقة الأرض الفلسطينية ١٩٥٠ - ٢٠٠٠.. وتأسيس لجنة التسميات العبرية
تم إصدار عدة قرارات من الكنيست والمؤسسات الإسرائيلية الأخرى، تهدف إلى الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية، لكن الأشد قسوة كان محو الهوية الفلسطينية عبر سرقة الأسماء وتحويل المواقع العربية إلى أسماء عبرية، مما يهدف إلى تثبيت الرواية الصهيونية حول يهودية فلسطين بشكل مزيف وغير مباشر، كما أسس الصهاينة لجنة تسمى "لجنة التسميات الرسمية"، وهي لجنة متخصصة في إطلاق أسماء عبرية على المواقع التي كانت تحت سيطرة اليهود، سواء تم شراؤها أو احتلالها بالقوة أثناء النكبة، كما قامت إسرائيل بزراعة الأراضي التي كانت تحتضن هذه القرى بأشجار حرجية، بهدف طمس معالم القرى المدفونة، لكن الذاكرة الفلسطينية بقيت حية، وأصبحت الغابات التي زرعها الاحتلال ساحةً لنضال اللاجئين الفلسطينيين في إحياء ذكرى قراهم، كما أسس الصندوق القومي اليهودي حدائق عامة في مواقع القرى المدمرة، وزرع فيها أشجارًا مثل الصنوبر والسرو، لكن الغريب أن بعض المناطق رفضت أن تنمو فيها تلك الأشجار، لتظهر من بينها أشجار الزيتون كرمز للمقاومة الفلسطينية ضد التزوير.
نكسة ١٩٦٧.. رفض الانسحاب ومنع مناقشة حق العودة لللاجئين الفلسطينيين
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم ١٩٤، والذي يضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، ولكن أنكرته إسرائيل بدعم من الدول الغربية، وتم باستمرار استبعاد قضيتي النكبة واللاجئين عن جدول أعمال مفاوضات السلام، وبعد حرب ١٩٦٧، وفي ضوء الاحتلال الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين، بدأت محاولات لإحلال السلام، ولكن بسبب الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل، ومراعاة الحلول التي ترفض حق العودة للفلسطينيين، أصبحت هذه المحاولات غير مثمرة، فقد رفضت إسرائيل الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة، كما أهدرت اتفاقيات أوسلو وغيرها من الاتفاقيات، كما أصدر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يمنع أي مفاوض إسرائيلي من مناقشة حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
إسرائيل القلعة.. تثبيت إسرائيل كدولة يهودية نقية خالصة بعد ١٩٦٧
تم اتخاذ العديد من القرارات العنصرية لتثبيت إسرائيل كدولة يهودية خالصة وبهدف تقليل عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل، ويشير الكاتب إلى تصريحات بنيامين نتنياهو، التي يعبر فيها عن مخاوفه من أن يشكل العرب ٤٠٪ من السكان، ويعتبر ذلك تهديدًا لنقاء الدولة اليهودية، كما يرى أن نسبة ٢٠٪ من العرب داخل إسرائيل تمثل «مشكلة»، مما يبرز التوجه الإسرائيلي الدائم لمواجهة «المشكلة السكانية» عبر تشجيع الهجرة اليهودية من مختلف أنحاء العالم.
البيت الأحمر والأخضر سابقًا.. مقر الهاغانا وجامعة تل أبيب حاليًا
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة عنوانها: البيت الأحمر، الذي هو مقر قيادة الهاغانا ويعد من أفضل نماذج البناء في تل أبيب، وأما البيت الأخضر فهو نادي هيئة التدريس والإدارة في جامعة تل أبيب والذي كان أصلًا بيت مختار قرية الشيخ مؤنس، حيث أقيمت جامعة تل أبيب على أرض هذه القرية الفلسطينية، حيث قال «إن البيت الأخضر هو الصورة المصغرة لإنكار الخطة الصهيونية التي بموجبها جرى تطهير فلسطين عرقيًا والتي تم وضعها في الطبقة الثالثة من البيت الأحمر»، كما عتب الكاتب على علماء جامعة تل أبيب خاصة علماء الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفلسفة، لأنه لا يوجد فيهم من كتب أو وثق الأعمال التي قامت بها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين.
حرب أكتوبر١٩٧٣
تعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ نقطة تحوّل في مسار القضية الفلسطينية، على الرغم من أن الحرب لم تكن مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، إلا أنه في أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣، بدأ العالم يدرك أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تُحلّ دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فبعد الهجوم المفاجئ من الجيوش العربية على إسرائيل، شعرت تل أبيب بالتهديد العميق، ما دفعها للبحث عن حل دبلوماسي يتضمن التسوية مع العرب والفلسطينيين.
انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠.. رد فعل فلسطيني على زيارة شارون للمسجد الأقصى
في عام ٢٠٠٠، وبعد سنوات من المفاوضات التي لم تؤدِ إلى نتيجة ملموسة، اندلعت انتفاضة الأقصى، التي كانت ردًا على سياسة إسرائيل الاستيطانية وتصعيد العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وكانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي «أرئيل شارون» إلى المسجد الأقصى في سبتمبر ٢٠٠٠ الشرارة التي أشعلت الانتفاضة، وقد اعتبر الفلسطينيون تلك الزيارة استفزازًا واضحًا لرموزهم الدينية والتاريخية.
٧ أكتوبر ٢٠٢٣.. حصيلة ضخمة من الخسائر والدمار
في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، نفذت حركة حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل، واستمر لمدة ٤٧٦ يومًا، وهو الهجوم الذي وصفه كثيرون بأنه أحد أعظم التصعيدات العسكرية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تحت مسمى «عملية الأقصى»، حيث استهدفت حماس مجموعة من المواقع العسكرية والمدنية الإسرائيلية باستخدام الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ والقذائف، والهجوم المباشر على المستوطنات الإسرائيلية.
ومنذ بداية الهجمات الإسرائيلية في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، قُتل ما لا يقل عن ٤٦٫٧٠٧ فلسطينيين، وأُصيب أكثر من ١١٠٫٢٦٥ آخرين، بمعدل ١٠٠ شهيد يوميًا طوال ٤٦٧ يومًا، ومع سكان غزة البالغ عددهم حوالي ٢.٣ مليون نسمة، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال، انخفض عدد السكان بنسبة ٦٪ منذ بداية الحرب، ووفقًا للتقارير، لا يزال هناك ١١٫١٦٠ فلسطينيًا في عداد المفقودين، فيما تسببت الغارات الإسرائيلية في دفن العديد من الجثث تحت الأنقاض، كما غادر حوالي ١٠٠ ألف فلسطيني القطاع.
دمار شامل في غزة.. إنهاء حرب الـ٤٧٦ يومًا
التدمير الذي خلفته الحرب في غزة كان غير مسبوق، ووفقًا لتحليل أجرته مراكز بحثية، دُمر ما لا يقل عن ٦٠٪ من المباني في القطاع، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، وحسب تقرير الأمم المتحدة، تضرر أو دُمّر ٨٨٪ من المدارس و٩٢٪ من المنازل، بينما دُمرت ٦٨٪ من الأراضي الزراعية، وقد سُجلت أيضًا خسائر في شبكات الطرق والأنظمة الخدمية الأساسية، مما جعل غزة أشبه بخرابة.
كما تسبب القصف المتواصل في نزوح حوالي ٩ من كل ١٠ فلسطينيين في غزة، إذ اضطر العديد منهم إلى الانتقال من مكان إلى آخر عدة مرات، وأصبح أكثر من ٦٢٥ ألف طفل دون تعليم، بينما تحولت المدارس إلى ملاجئ للنازحين، كما فقد القطاع الزراعي أكثر من ٦٨٪ من أراضيه الزراعية، ما يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون.
ووفقًا للخبراء، سيستغرق الأمر عقودًا لإزالة الأنقاض وإعادة بناء غزة، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، دُمرت حوالي ٤٢ مليون طن من الأنقاض، ومن المتوقع أن تكون عملية إعادة الإعمار طويلة ومعقدة، وستحتاج إلى دعم دولي كبير لتوفير المواد اللازمة وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.