يعتبر عيد الغطاس واحداً من أهم الأعياد السيدية الكبرى في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث يحتفل المسيحيون في مصر بذكرى معمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن.
وتتجلى طقوس الاحتفال بالعيد ليس فقط داخل الكنائس من خلال الصلوات والتسابيح، ولكن أيضًا في العادات الشعبية المتوارثة مثل شراء القصب والقلقاس، التي تحمل دلالات رمزية عميقة تعبر عن النقاء والطهارة ، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أجواء الاحتفال بعيد الغطاس في مصر من خلال لقاءات مع عدد من المسيحيين والبائعين الذين يعيشون هذه الأجواء عن قرب.
رمزية عيد الغطاس ومعانيه
عيد الغطاس يحمل معان دينية ورمزية عميقة، حيث يشير إلى بداية الخدمة العلنية للمسيح بعد معموديته، وهو ما يجعل الاحتفال به يتخذ طابعاً روحانياً خاصًا.
وقال القس كرياكوس ناصف كاهن بكنيسة العذراء مريم ومار مرقس بمنطقة فيصل لـ"البوابة": عيد الغطاس المجيد هو أحد الأعياد السيدية الكبرى، يحتفل به في 11 طوبة من كل عام، ويعرف بعيد “الثيؤفانيا” أي الظهور الإلهي ،في هذا العيد، اعتمد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن.
وأضاف المعمودية بالتغطيس تشير إلى الموت مع المسيح والقيامة معه، ومن خلالها ننال نعمة البنوة لله، ونكتب في سفر الحياة، وتستنير بصيرتنا الروحية، كما يعرف العيد بـ"عيد الأنوار".
يصلى في هذا العيد طقس “اللقان”، وهو تذكير بمعمودية المسيح وتجديد الأرض بالماء، كما حدث في الطوفان.
القصب والقلقاس في العيد
يرتبط عيد الغطاس في مصر بعادة شراء القصب والقلقاس، حيث يرمزان إلى الطهارة والنقاء عن هذا الارتباط، تقول هايدي هاني، إحدى المحتفلات بعيد الغطاس، فالقصب يمثل الطهارة لأنه نبات عالي ومستقيم وداخله عصارة حلوة، زي الحياة الروحية اللي بتكون نقية ومليانة نعمة أما القلقاس، فهو يمثل المعمودية، لأنه لما بنقشره يظهر أبيض نقي من الداخل، وده بيعبر عن التوبة والتطهير من الخطايا".
ويضيف أحد رواد الكنيسة في عيد الغطاس، "أنا من صغري مرتبط بشراء القصب والقلقاس في العيد ده مش مجرد عادة، لكنه وسيلة بنعلم بها أولادنا المعاني الروحية للعيد بشكل بسيط وممتع".
وفي أحد أسواق حي شبرا، تبدو الحركة نشطة في موسم عيد الغطاس، حيث يتوافد الأقباط على شراء القصب والقلقاس من البائعين. عن ذلك، يقول صبري جرجس، بائع القصب، عيد الغطاس بالنسبة لنا موسم مهم جدًا. الناس بتيجي تشتري القصب بكميات كبيرة عشان الاحتفال بالعيد. بكون مستعد من بداية يناير أجيب أحسن أنواع القصب".
أما عم مجدي، بائع القلقاس، فيقول: القلقاس بيبقى مطلوب جدًا في عيد الغطاس، في ناس بتحب تشتري القلقاس الكبير عشان يتقسم على الأسرة كلها، وده طقس من زمان موجود في العائلات".
عن احتفاله بعيد الغطاس، وأضاف أمجد عماد، شاب جامعي من القاهرة، الصبح نروح الكنيسة نحضر القداس ونتناول، بعد كده بنرجع البيت نجهز القلقاس ونعمل غدا عائلي ، اللي بيخليني أستمتع باليوم هو إننا بنتجمع كلنا كعيلة، وده بيحسسنا بروح العيد".
وأضافت أمل فضل، ربة منزل، الاحتفال بالعيد يبدأ من قبلها بيوم، بنجيب القصب ونخزنه في البيت، والأطفال بيستمتعوا بتقطيعه وأكله، القلقاس كمان له طقوس خاصة، بنقعد نقشره ونتكلم عن رمزية المعمودية، وده بيعرف أولادنا معاني جميلة عن الدين والاحتفال".
العادات والتقاليد بين الماضي والحاضر
رغم التطورات الحياتية، والتغيرات التي طرأت على المجتمع، إلا أن التقاليد المرتبطة بعيد الغطاس لا تزال محفوظة في القرى والمدن المصرية، ويقول عم يوسف، رجل مسن من صعيد مصر: زمان كنا نحتفل بالعيد بطرق بسيطة جدًا. كنا نروح الكنيسة مشي، ونرجع نأكل القلقاس ونتشارك القصب مع الجيران. دلوقتي كل حاجة اتطورت، لكن العادات دي لسه موجودة".
أما مريم مجلي شابة من القاهرة تقول: عيد الغطاس بالنسبة لي هو تكملة لبهجة واحتفالات عيد الميلاد المجيد لأنه من ثالت الأعياد السيدية الصغري بعد عيد البشارة عيد الميلاد، وطبعا بحتفل بيه زي كل المصريين بإننا نحضر القداس الأول وبعدين ناكل القصب والقلقاس.
عيد الغطاس ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مزيج بين الطقوس الروحية والعادات الشعبية التي تضفي عليه طابعًا فريدًا في مصر. القصب والقلقاس ليسا مجرد رمزين، بل هما وسيلتان لنقل المعاني العميقة للعيد عبر الأجيال.
وفي الوقت الذي تتغير فيه أساليب الحياة، تبقى روح العيد وعاداته شاهدة على التقاليد المصرية الأصيلة التي تجمع بين الدين والتراث في أبهى صورة.