الإثنين 20 يناير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

الإخوان وثقافة الفقر.. استراتيجيات الاستغلال والتجنيد

الجماعات المتطرفة وجدت فى اعتماد المجتمعات الفقيرة على الاقتصاد غير الرسمى فرصة لاستغلاله كمصدر تمويل

الإخوان وثقافة الفقر..
الإخوان وثقافة الفقر.. استراتيجيات الاستغلال والتجنيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ثقافة الفقر هو مصطلح أطلقه عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي أوسكار لويس فى الستينيات للإشارة إلى مجموعة من القيم والمعتقدات والسلوكيات التي تتشكل لدى الأفراد والمجتمعات نتيجة معايشتهم للفقر وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.
يذهب لويس إلى القول بأن الفقر ليس مجرد غياب للموارد المادية أو المالية، بل هو ظاهرة أكثر تعقيدًا تتغلغل في نمط حياة الأفراد وتشكل منظورهم للعالم من حولهم.
ويرى لويس أن ثقافة الفقر تتسم بخصائص تجعلها قابلة للانتقال من جيل إلى آخر، مما يؤدى إلى استمرارية الفقر ضمن نفس الأسر والمجتمعات.
وذلك من خلال ملاحظاته الميدانية، لاحظ أن الفقر يخلق بيئة تتسم بالتهميش الاجتماعي، وضعف الاندماج في المجتمع الأكبر، وتبنى نظرة متشائمة تجاه المستقبل. هذه العوامل تتسبب في تعزيز شعور بالعجز وعدم القدرة على كسر الحلقة المفرغة التي تحاصر الفقراء.
إضافة إلى ذلك، يشدد لويس على أن ثقافة الفقر لا تنشأ فقط من الظروف الاقتصادية، بل تنعكس في بنية القيم والعادات اليومية التي يتبناها الفقراء كوسيلة للتكيف مع واقعهم.
ورغم أن هذا المفهوم أثار جدلًا واسعًا وانتقادات عديدة، إلا أنه قدم إطارًا لفهم الأبعاد الثقافية والاجتماعية للفقر، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى معالجة الفقر بشكل شامل يتجاوز الحلول الاقتصادية التقليدية.

خصائص ثقافة الفقر 
١) التهميش والعزلة الاجتماعية:
الفقراء غالبًا ما يعيشون على هامش المجتمع الأكبر، حيث يجدون أنفسهم غير مندمجين فى البنية الاقتصادية والاجتماعية. هذه العزلة تحدّ من قدرتهم على الوصول إلى الفرص المتاحة، سواء من حيث الوظائف أو التعليم أو الخدمات الأساسية. نتيجة لذلك، يصبحون غير قادرين على التأثير فى القرارات السياسية أو الاقتصادية التي تخص مجتمعهم، مما يعمّق شعورهم بالتهميش والإقصاء.
العزلة الاجتماعية لا تقتصر فقط على انعدام الاندماج الاقتصادي والسياسي، بل تمتد إلى الجوانب الثقافية والنفسية. فالمجتمعات الفقيرة غالبًا ما تكون منعزلة عن التيارات الثقافية والفكرية السائدة، مما يؤدى إلى تفاقم الفجوة بينها وبين بقية المجتمع. هذا الوضع يخلق دائرة مفرغة من الإقصاء والتهميش يصعب الخروج منها.
٢) غياب الطموح:
البيئة الفقيرة غالبًا ما تُنتج أفرادًا يتسمون بنظرة متشائمة تجاه المستقبل، حيث يفقدون الإيمان بإمكانية تحسين أوضاعهم. الظروف القاسية التي يعيشونها تُضعف لديهم الطموح وتجعلهم يتبنون قناعات راسخة بأن الفقر قدر لا يمكن تغييره. هذا الشعور بالاستسلام يمنعهم من السعي لتحقيق أحلامهم أو الخروج من دائرة الفقر.
علاوة على ذلك، يؤدى غياب الطموح إلى عزوف الفقراء عن الاستثمار في أنفسهم أو محاولة تطوير مهاراتهم. فهم يرون أن أي جهد يبذلونه قد يكون بلا جدوى في ظل غياب الدعم وفرص النجاح. هذا الإحساس بالإحباط يُعيد إنتاج ثقافة الفقر ويُكرّسها كحالة مستمرة داخل المجتمع.
٣) الاتكال على المجتمع أو الدولة:
الفقراء في ثقافة الفقر غالبًا ما يعتمدون على المساعدات والإعانات المقدمة من الدولة أو المجتمع بدلًا من البحث عن حلول ذاتية لتحسين ظروفهم. هذا الاتكال يتجذر نتيجة عدم توفر الفرص الاقتصادية أو ضعف التعليم، مما يجعل الاعتماد على الإعانات هو الخيار الوحيد المتاح لهم للبقاء على قيد الحياة.
لكن هذا الاتكال يؤدى إلى تكريس حالة من العجز والتبعية، حيث يصبح الأفراد غير قادرين على الاعتماد على أنفسهم حتى في أبسط الأمور. كما يؤدى ذلك إلى تعزيز النظرة السلبية تجاه الفقراء فى المجتمع الأوسع، مما يزيد من عزلتهم وتهميشهم.
٤) التفكك الأسري:
تزداد معدلات التفكك الأسرى فى المجتمعات الفقيرة، حيث تؤدى الظروف الاقتصادية الصعبة إلى ضغوط نفسية واجتماعية تؤثر على استقرار الأسرة. غياب الأب أو الأم، سواء بسبب الوفاة أو الهجرة بحثًا عن العمل، يجعل الأسر تعانى من نقص في التوجيه والدعم العاطفي والمادي. هذا الضعف في بنية الأسرة يزيد من احتمالية انتقال الفقر إلى الأجيال القادمة.
إضافة إلى ذلك، يؤدى التفكك الأسرى إلى انعدام الأمن والاستقرار لدى الأطفال، مما ينعكس سلبًا على تطورهم النفسي والاجتماعي. هؤلاء الأطفال غالبًا ما يعانون من ضعف في التحصيل الدراسي وسوء التكيف مع المجتمع، مما يعزز من استمرار ثقافة الفقر داخل الأسرة والمجتمع.
٥) نقص التعليم:
التعليم في المجتمعات الفقيرة غالبًا ما يكون محدودًا بسبب التكاليف المادية وعدم توفر المدارس ذات الجودة. الأسر الفقيرة تعجز عن تحمل نفقات التعليم، مما يدفع الكثير من الأطفال إلى ترك الدراسة والانخراط في سوق العمل لمساعدة أسرهم. هذا النقص فى التعليم يُضعف من فرصهم فى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، يؤدى نقص التعليم إلى استمرار الجهل وانتشار المفاهيم الخاطئة داخل المجتمع الفقير. عدم الوعى بأهمية التعليم كأداة للتغيير يجعل من الصعب على هذه المجتمعات كسر دائرة الفقر، مما يساهم في إعادة إنتاجها عبر الأجيال.
٦) الاقتصاد غير الرسمي:
المجتمعات الفقيرة تعتمد بشكل كبير على الاقتصاد غير الرسمي، مثل العمل اليومي أو التجارة البسيطة، كمصدر رئيسي للدخل. هذا النوع من الاقتصاد يوفر دخلًا غير مستقر وغير مضمون، مما يجعل الأسر الفقيرة عرضة للتقلبات الاقتصادية والأزمات المفاجئة. غياب الحماية الاجتماعية أو العقود القانونية يجعل هؤلاء العمال فى حالة هشاشة دائمة.
علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي يحرم الأفراد من فرص تطوير مهاراتهم أو تحسين ظروفهم المهنية. فهم يعملون في وظائف منخفضة الأجر لا توفر لهم أي أفق للتطور، مما يعزز من استدامة ثقافة الفقر داخل هذه المجتمعات.
النقد الموجه للمفهوم 
١) إلقاء اللوم على الضحايا:
أحد أبرز الانتقادات الموجهة لمفهوم ثقافة الفقر هو أنه يضع المسؤولية الكاملة عن الفقر على عاتق الفقراء أنفسهم. من خلال التركيز على القيم والعادات كسمة مميزة للفقر، يُتهم هذا المفهوم بأنه يتجاهل الأسباب الهيكلية التي تُنتج الفقر مثل الأنظمة الاقتصادية غير العادلة، الفساد، والاحتكار. فبدلًا من النظر إلى الفقر كنتيجة لغياب العدالة الاجتماعية أو سوء توزيع الموارد، يُصور الفقراء على أنهم السبب في أوضاعهم.
هذا التوجه يؤدى إلى تجاهل أهمية التدخلات الهيكلية مثل تحسين التعليم، توفير فرص العمل، أو إصلاح السياسات الاقتصادية. كما يعزز هذا النهج فكرة أن الفقراء غير مؤهلين للخروج من ظروفهم بسبب سلوكياتهم أو قيمهم، وهو تصور قد يؤدى إلى تهميشهم أكثر بدلًا من مساعدتهم على التغلب على التحديات.
٢) التعميم:
يُتهم مفهوم ثقافة الفقر بالتعميم المفرط، حيث يفترض أن جميع الفقراء يتشاركون نفس القيم والسلوكيات. هذا التعميم يغفل التنوع الكبير بين الفقراء في مختلف البيئات والثقافات، إذ تختلف أسباب الفقر وظروفه من مكان لآخر. على سبيل المثال، الفقر في المناطق الريفية يختلف جذريًا عن الفقر في المدن الكبرى، وكذلك تختلف تجارب الفقر بين الدول النامية والمتقدمة.
هذا النهج التعميمي يُهمش الخصوصيات الثقافية والاجتماعية التي تلعب دورًا في تشكيل حياة الفقراء، مما يؤدى إلى سياسات تنموية غير فعالة أو غير ملائمة لاحتياجات المجتمعات المختلفة. معالجة الفقر تتطلب فهمًا أكثر تعمقًا للسياقات المحلية بدلًا من الاعتماد على مفاهيم عامة قد تكون مضللة.
٣) الثباتية:
ينتقد مفهوم ثقافة الفقر لأنه يفترض أن هذه الثقافة ثابتة ولا يمكن تغييرها. هذا التصور يتجاهل حقيقة أن الفقر ليس حالة دائمة، وأن التحسينات الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تُحدث تغييرات جذرية فى أنماط حياة الفقراء. فقد أثبتت العديد من الدراسات أن الفقراء، عند توفر الفرص المناسبة، قادرون على تحسين ظروفهم والخروج من دائرة الفقر.
علاوة على ذلك، يرى النقاد أن افتراض ثبات ثقافة الفقر قد يؤدى إلى سياسات تستهدف "تغيير الثقافة" بدلًا من معالجة الأسباب الحقيقية للفقر. هذا التوجه قد يُهمل الحاجة إلى إصلاح الأنظمة الاقتصادية والتعليمية أو تحسين البنية التحتية، وهو ما يجعل التصدي للفقر أكثر صعوبة واستدامة.
أهمية دراسة ثقافة الفقر
دراسة ثقافة الفقر تُعد أداة أساسية لفهم الأبعاد الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على حياة الفقراء. فهي تساعد فى تسليط الضوء على القيم والمعتقدات التى تشكل سلوكيات الأفراد فى المجتمعات الفقيرة، مما يمكّن الباحثين وصناع القرار من التعامل مع الفقر كظاهرة متعددة الأبعاد بدلًا من اختزالها فى الجوانب الاقتصادية فقط.
هذا الفهم المتعمق يعزز من قدرة الحكومات والمنظمات على وضع سياسات تنموية تتناسب مع احتياجات الفقراء وتحدياتهم.
علاوة على ذلك، يساعد هذا النوع من الدراسات على تجاوز الحلول السطحية التى تركز فقط على تقديم المساعدات الاقتصادية. فمن خلال فهم الجوانب الثقافية والاجتماعية، يمكن تصميم برامج شاملة تستهدف تحسين التعليم، تعزيز المشاركة الاجتماعية، وتطوير مهارات الأفراد.
هذا النهج يساهم فى تمكين الفقراء من الخروج من دائرة الفقر بشكل مستدام، بدلًا من الاعتماد على الإعانات المؤقتة.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر دراسة ثقافة الفقر وسيلة لفهم الحواجز النفسية والاجتماعية التى قد تمنع الأفراد من الاستفادة من الفرص المتاحة. فهى تتيح لصناع القرار التعرف على الأسباب الكامنة وراء ضعف الطموح أو الاتكال على المساعدات، مما يساعد فى تصميم برامج توعوية وتدريبية تعالج هذه المشكلات بفعالية.
بهذا الشكل، تصبح السياسات التنموية أكثر شمولية وتأثيرًا، حيث تستهدف الجذور العميقة للفقر بدلًا من الاكتفاء بعلاج أعراضه فقط.
ارتباط ثقافة الفقر بالتطرف والإرهاب
تُعتبر ثقافة الفقر عاملًا مؤثرًا فى تنامى التطرف والإرهاب، حيث يُعزى ذلك إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية التى تخلق بيئة خصبة لنمو هذه الظواهر.
الفقر يؤدى إلى تهميش المجتمعات وفقدانها للاندماج فى النظام الاجتماعي والاقتصادي الأوسع، مما يفاقم شعور الأفراد بالعزلة واليأس. هذا الشعور يجعلهم عرضة للتأثر بخطابات الجماعات المتطرفة التى تقدم لهم رؤية بديلة ومعنى لحياتهم، مع وعود بحل مشكلاتهم أو تحسين أوضاعهم عبر الانضمام إلى تلك الجماعات.
إضافةً إلى ذلك، تسهم ثقافة الفقر فى غياب الفرص التعليمية وانعدام الوصول إلى التوعية الفكرية، مما يُضعف قدرة الأفراد على التفكير النقدي أو مقاومة الأفكار المتطرفة. نقص التعليم يعزز الجهل والارتباط بالمفاهيم البسيطة التى قد تستغلها التنظيمات المتطرفة لتجنيد الفئات المهمشة، حيث تُقدم لهم أيديولوجيات تعطى إحساسًا بالانتماء والهوية، خاصة فى ظل غياب دور الدولة والمؤسسات الاجتماعية.
كما أن الاعتماد الكبير على الاقتصاد غير الرسمي فى المجتمعات الفقيرة يُسهّل استغلال الأفراد فى الأنشطة غير المشروعة مثل التهريب أو العمل مع الجماعات المسلحة.
توفر هذه الأنشطة دخلًا بديلًا فى ظل غياب الاستقرار الاقتصادي، لكنها تؤدى فى الوقت نفسه إلى تعزيز اعتماد المجتمعات الفقيرة على هذه الأنشطة، مما يزيد من فرص انخراطها فى دوامة التطرف والإرهاب.
بالتالي، تُظهر العلاقة بين الفقر والتطرف أهمية معالجة الفقر ليس فقط من منظور اقتصادي، بل أيضًا من خلال سياسات شاملة تُعزز التعليم، التمكين الاجتماعي، والعدالة الاقتصادية.
استغلال الجماعات المتطرفة لثقافة الفقر
١) استغلال مشاعر التهميش واليأس:
الجماعات المتطرفة استفادت من ثقافة الفقر عبر استغلال مشاعر التهميش واليأس التى يشعر بها الأفراد فى المجتمعات الفقيرة. الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي جعل هذه الفئات تبحث عن انتماء بديل، وهو ما وفرته التنظيمات المتطرفة من خلال وعود براقة بتحقيق العدالة والكرامة والانتقام من الأنظمة التى يعتقدون أنها مسؤولة عن معاناتهم. هذا الشعور بالغبن سهّل للجماعات استقطاب الفقراء كأعضاء أو داعمين لقضاياهم.
٢) التلاعب بالدين كوسيلة للتجنيد:
فى المجتمعات الفقيرة التى يغيب فيها التعليم الجيد والوعى الدينى المعتدل، استغلت الجماعات المتطرفة الجهل والمفاهيم الدينية المغلوطة لتجنيد الأفراد. قدمت هذه الجماعات أيديولوجيات مبسطة تصور الفقر والظلم كجزء من مؤامرة كبرى، مع وعود بالخلاص الأخروي أو الدنيوي عبر الجهاد أو الانضمام للحركة. الفقر هنا لم يكن فقط حالة اقتصادية، بل تحول إلى مبرر أخلاقي وفكري لتبرير العنف والتطرف.
٣) توظيف الاقتصاد غير الرسمي والأنشطة غير المشروعة:
فى ظل اعتماد المجتمعات الفقيرة على الاقتصاد غير الرسمي، وجدت الجماعات المتطرفة فرصة لاستغلال هذه الأنشطة كمصدر تمويل. قدمت بدائل اقتصادية للفقراء من خلال توظيفهم فى التهريب، الاتجار بالبشر، أو حتى تقديم رواتب صغيرة مقابل الانضمام إلى صفوفها. هذا النهج حول الفقر إلى أداة فعالة لتغذية شبكاتها ودعم عملياتها، حيث أصبحت الجماعات ملاذًا اقتصاديًا للفقراء العاطلين عن العمل.
٤) بناء شبكات خدمات بديلة:
فى المناطق التى أهملتها الدولة، قامت الجماعات المتطرفة بملء هذا الفراغ عبر توفير خدمات أساسية مثل التعليم، الصحة، أو المساعدات الغذائية. هذه الخطوة عززت من شرعية الجماعات فى أعين المجتمعات الفقيرة، حيث نظر إليها الناس كبديل عن الدولة الغائبة.
هذا التكتيك ساعد الجماعات على كسب ولاء المجتمعات واستقطاب المزيد من الأفراد، مما عزز قدرتها على التجذر والتوسع فى المناطق المهمشة.
جماعة الإخوان وثقافة الفقر
يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين تسعى بشكل غير مباشر إلى تعزيز ثقافة الفقر فى بعض المجتمعات كوسيلة لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها السياسية. هذا النهج يعتمد على مجموعة من الممارسات التى تستغل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة لتحقيق مكاسب للجماعة على حساب التنمية الحقيقية. وفيما يلى توضيح لبعض الجوانب التى تُظهر ذلك:
١) استدامة الاعتماد على الإعانات:
بدلًا من العمل على تعزيز التنمية المستدامة وتمكين الفقراء من الاعتماد على أنفسهم، تميل الجماعة إلى تقديم المساعدات والإعانات المؤقتة مثل توزيع الغذاء أو الأموال.
هذا النهج يُبقى الفقراء فى حالة من التبعية، حيث يصبحون أكثر اعتمادًا على الجماعة بدل السعى لتحسين ظروفهم من خلال التعليم أو العمل.
٢) معارضة مشروعات التنمية الوطنية:
فى بعض الحالات، تعمد الجماعة إلى عرقلة أو تشويه المبادرات الحكومية أو المشروعات القومية التى تستهدف تحسين مستوى معيشة الفقراء. يتم الترويج لشائعات تُضعف الثقة فى هذه المشروعات، مما يعطل جهود التنمية ويُبقى على الوضع الراهن الذى تستفيد منه الجماعة فى استقطاب المهمشين.
٣) تعزيز العزلة الثقافية والاجتماعية:
تركز الجماعة على ترسيخ قيم وسلوكيات فى المجتمعات الفقيرة تعزز من العزلة عن التيارات الفكرية والثقافية الحديثة، بحجة أنها تتعارض مع الهوية الدينية. هذا النهج يُضعف من انفتاح الفقراء على العالم ويقلل من قدرتهم على الاندماج فى الاقتصاد الرسمي أو تبنى قيم تساعدهم على التقدم.
٤) استغلال الفقر سياسيًا ودعائيًا:
تعمل الجماعة على استثمار مشكلات الفقر لصالحها من خلال تصوير نفسها كمدافع عن الفقراء والمهمشين. فى الوقت نفسه، تُروج لروايات تُلقى باللوم على الأنظمة الحاكمة فى تفاقم الأزمات الاقتصادية، دون تقديم حلول عملية قابلة للتنفيذ.
هذا الخطاب يُكرّس حالة الاستسلام واليأس لدى الفقراء ويُعيد إنتاج ثقافة الفقر كأداة للضغط السياسي.
بهذه الممارسات، تُظهر جماعة الإخوان المسلمين اهتمامًا شكليًا بالفقراء، بينما تسعى فى الواقع إلى الحفاظ على بيئة اجتماعية تُسهل لها تعزيز نفوذها السياسي واستمرارية استقطاب المهمشين.
استغلال الإخوان لثقافة الفقر
١) استغلال الجهل لنشر الشائعات:
تستفيد جماعة الإخوان المسلمين من ثقافة الفقر فى نشر الشائعات، مستغلة انخفاض مستويات التعليم والوعى فى المجتمعات الفقيرة. حيث يتم استهداف الأفراد الذين يفتقرون إلى القدرة على التحقق من المعلومات أو التفكير النقدي، مما يجعلهم أكثر تقبلًا للأكاذيب والدعاية الموجهة.
عبر وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، يتم تضخيم الأزمات وتقديم روايات مغلوطة تصور الجماعة كحامية للفقراء والضعفاء، فيما تُحمّل الأنظمة مسؤولية معاناتهم.
٢) استثمار مشاعر الغضب واليأس:
تعمل الجماعة على تأجيج مشاعر الغضب واليأس لدى الفقراء من خلال الترويج لشائعات تهدف إلى زعزعة الثقة فى الدولة ومؤسساتها. يتم تصوير الدولة على أنها السبب الرئيسي فى الفقر والتهميش، بينما تقدم الجماعة نفسها كبديل قادر على تحقيق العدالة الاجتماعية.
هذا الخطاب يولّد حالة من السخط الشعبي، ويعزز شعور الفقراء بأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الجماعة وأهدافها السياسية.
٣) تضليل الفقراء بحلول وهمية:
غالبًا ما تروج الإخوان لشائعات حول وجود حلول سريعة وسحرية لأزمات الفقراء، مثل تقديم الدعم المالي أو تحقيق التنمية حال وصولها إلى السلطة. هذا الاستغلال يولد أملًا زائفًا بين الفقراء الذين يبحثون عن مخرج من أزماتهم.
وفى الوقت نفسه، يتم تشويه سمعة المبادرات الحكومية أو المجتمعية الأخرى عبر شائعات تفيد بأنها غير فعالة أو موجهة لفئات محددة، مما يعمق الفجوة بين الفقراء والدولة.
٤) استخدام الشائعات لإثارة الانقسام:
تسعى الجماعة إلى نشر شائعات تهدف إلى تفكيك اللحمة الاجتماعية وزعزعة استقرار المجتمعات، حيث يتم توجيه الفقراء ضد الطبقات الأخرى أو مؤسسات الدولة. من خلال الترويج لفكرة "المؤامرة" ضد الفقراء والمهمشين، تحاول الجماعة تأليبهم ضد الحكومات والأنظمة القائمة، ما يعزز حالة الفوضى وعدم الاستقرار.
هذا التكتيك يساعد الجماعة على ترسيخ وجودها كقوة معارضة تدعى الوقوف إلى جانب الفقراء فى وجه ما تصفه بـ"الفساد والظلم".
دور الدولة فى مواجهة ثقافة الفقر
تلعب الدولة دورًا محوريًا فى التصدي لثقافة الفقر والحد من تأثيرها السلبى على المجتمعات، وذلك من خلال تبنى سياسات شاملة تستهدف معالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بهذه الظاهرة.
على الصعيد الاقتصادي، يجب على الدولة توفير فرص عمل مستدامة من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الاستثمار فى المناطق الفقيرة.
كما أن تقديم حوافز اقتصادية وبرامج تأهيلية يعزز من قدرة الأفراد على تحسين أوضاعهم والاندماج فى الاقتصاد الرسمي، مما يساعد على تقليل الاعتماد على المساعدات.
أما من الناحية التعليمية، فإن الدولة تتحمل مسئولية توفير تعليم عالي الجودة ومتاح للجميع، خصوصًا فى المناطق الفقيرة.
يجب أن تتضمن السياسات التعليمية برامج خاصة تهدف إلى مكافحة التسرب المدرسي وتوفير تدريب مهني يُمكن الأفراد من اكتساب مهارات تساعدهم فى تحسين ظروفهم.
كما ينبغي تعزيز الوعى بأهمية التعليم كوسيلة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وذلك من خلال الحملات الإعلامية والبرامج المجتمعية.
علاوة على ذلك، تحتاج الدولة إلى تعزيز الشمول الاجتماعي والسياسي، وذلك عبر إشراك الفقراء فى صنع القرارات التى تؤثر على حياتهم. يمكن تحقيق ذلك من خلال تمكين المجتمع المدني، وتشجيع المبادرات المحلية، وضمان توفير شبكات حماية اجتماعية فعّالة تضمن الحد الأدنى من المعيشة الكريمة.
الاهتمام بالتنمية الثقافية من خلال دعم الأنشطة الثقافية والفنية فى المجتمعات الفقيرة يسهم أيضًا فى تعزيز قيم الإبداع والتعاون، مما يُضعف تأثير ثقافة الفقر ويُعزز الشعور بالانتماء والقدرة على التغيير.