تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما من شك أن حكم الدستورية العليا بشأن إرجاء حل الشورى لحين انعقاد مجلس النواب وبطلان تأسيسية الدستور، إنما جاء كتعبير صارخ عن المعجنة الدستورية التي دخلناها بفعل عكعكة الساسة منذ تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة المحروسة .
وإذا كنا لا نبرئ الرئيس من ممارسة تلك العكعكة بدءًا من إلغائه الإعلان الدستوري المكمل، ومرورا بإعلانه الدستوري الإلهي ، ووصولا إلى سلق دستور في “,”الضلمة“,”، فإن من يصفون أنفسهم بالقوى المدنية قد مارسوا الدور الأبرز في العكعكة السياسية عندما لم ينسحبوا من التأسيسية التي بدت مشبوهة منذ اللحظات الأولى، واستمرو في أعمالها بحجج واهية من قبيل السعي للإصلاح من الداخل.
هذه القوى أجرمت أيضا عندما وافقت على المشاركة في استفتاء مطعون في نزاهته لتعطي بذلك شرعية لدستور الظلام.
ومن المفارقات المؤلمة أن يأتي هذا الحكم في لحظة حرجة بالنسبة للجميع وهى قيام إثيوبيا بأولى خطواتها نحو تدشين سد النهضة الذي سيجعل من وادي النيل لأول مرة منذ آلاف السنين قطعة جرداء تكمل امتداد الصحراء الكبرى شرقا إلى سلاسل جبال البحر الأحمر.
فقد طرح حكم الدستورية العليا تساؤلات وشكوكا حول مدى شرعية الدستور الحالي، وعلامات استفهام بشأن مدى دستورية القوانين التي يصدرها مجلس الشورى، وترك هذه المسائل المتعلقة بصلب شرعية النظام السياسي دون مواجهة حقيقية من جميع الأطراف سيشتت انتباه الوطن لخطر الجفاف الذي بات شبحه ينعق في سماء مصرنا.
وظني أن المغالاة في هذه اللحظة من جانب جميع الأطراف لن تقود إلا لمزيد من التأزم على نحو يرشح سيناريوهات الانفجار خلال الأسابيع القادمة، وإذا أراد الرئيس مرسي أن يحتفظ بمكانه على الأقل فعليه أولا أن يجنب مصالح جماعته وعشيرته ولو قليلا وأن يتجه إلى شركائه الحقيقين في الحكم، وهم كل أطياف المعارضة دونما استثناء ليعمل معهم في مسارين متوازيين لا يتقدم أحدهما على الآخر وهما ملف المياه، ومعضلة المعجنة الدستورية التي وقعنا فيها حتى يعيد تأسيس وبناء البيت المصري من الداخل على أساس من التوافق.
وعليه كما على معارضيه أن يبدأ بطرح الأسئلة الصحيحة حتى يتمكن من التوصل إلى صياغات تفتح المجال للحدود المعقولة والمرضية، التي تضع مصلحة الوطن فوق رقاب الجميع.
وأتصور أن من بين التساؤلات التي قد تساعد على التخلص من حالة اللزوجة الدستورية التي نعانيها، هي مدى دستورية القوانين التىي أصدرها أو سيصدرها مجلس الشورى الباطل والمؤجل حله في ظل دستور قضت المحكمة بعدم دستورية المعايير والقانون الذي شكلت بها اللجنة التأسيسية التي أنتجته، ذلك أن هذا الحكم يطعن شرعية الدستور الحالي في مقتل بخلاف أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها تتفق مع فصائل المعارضة في عشرات المواد التي تحتاج إلى التعديل وربما التغيير.
وطالما أن الشكوك باتت تخيم على شرعية الدستور الحالي، فعلى الرئيس مرسي ومعارضيه من القوى الوطنية اتخاذ أحد مسارين، فإما أن يأخذ باقتراح الدكتور محمد البرادعي بتشكيل تأسيسية جديدة على قاعدة النزاهة والشفافية السياسية لعمل دستور جديد، أو إحداث التعديلات المطلوبة في الدستور الحالي، وإما عرض شرعية الدستور القائم على الإدارية العليا كما قال الفقيه الدستوري الدكتور شوقي السيد على أن يكون حكمها ملزما للجميع، ففي حال إقراراها بشرعيته فعلى المعارضة أن تكف عن التشكيك فيه.
أما إذا قضت الإدارية العليا بعدم شرعية الدستور الحالي فعلى الرئيس مرسي أن يمضى قدما دون مماطلة نحو تشكيل تأسيسية جديدة لصياغة دستور يعلي مصلحة الوطن.
هذه هي لحظات الفرز الحقيقية التي تسقط فيها الأقنعة، فإما ابتغاء وجه الوطن، وإما طلب مرضاة الشيطان سواء كان سعي العشيرة للتمكين، أو لهث القوى الوطنية وراء مصالحها الذاتية.
فإذا كانت الأولى صعدنا جميعا إلى سفينة نوح، أما إذا كانت الثانية فلن يفرق طوفان الغضب بين رؤوس مرسي وبديع والشاطر ورؤوس البرادعي وصباحي وأبو الغار وحمزاوي.