الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الريس زكريا وأنا (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأبطال الذين حفروا أسماءهم بحروف من النور والذهب في تاريخ مصر تضحية وإيثار من أجل ترابها وأمنها وحمايتها والذين قال الله سبحانه فيهم: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) ولوعلمت ماذا فعلوا لن توفيهم أبدا حقهم يعملون في الظل لايعلم بهم أحد ذلك قدرهم لخدمة الوطن أخلصوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم من نعلم عنهم ومنهم من لا نعلم عنه حتى ذلك الحين،حملوا أرواحهم علي أكفهم وقاموا بعمليات أوجعت العدو لدرجة لا أحد يتخيلها وكبدت الأعداء خسائر لا تعد ولا تحصي ودمرتهم نفسيا وزعزعت ثقتهم بأجهزتهم وزرعت الشك في الجميع وكل ذلك فعلوه أعظم رجال مصر وأساطيرها.

وأواصل الحديث عن (الريس زكريا) محمد عبد السلام المحجوب أسطورة من الأساطير التى حالفنى الحظ وتشرفت بمعرفته لسنوات طويلة وتعاملت معه وجمعتنى به مواقف وأحداث وعدد من السنوات وله فضل كبير علي وله دين في عنقي لن أوفيه مهما حاولت وأبسط شيئا، أستطيع تقديمه له وهو في دار الحق أن أخلد ذكراه ولو بالكتابة عنه وأسرد جزءا من بطولاته، وما قام به لصالح بلاده، وقطعا هى خطوط عريضة لعمليات خطيرة تحمل الكثير من التفاصيل والمغامرات والجزء الآخر الإنسانى الذي يغمرك، حيث يتعامل معك بمحبة الأب الذي يفرح بكل ما تفعله ويدعمك ويقويك ويساعدك

واستكمل الحديث السابق: 

عندما حدثت الأحداث المؤسفة في مصر وقت المجلس العسكرى، اتصلت به هاتفيًا لأطمئن عليه فسمعت صوته مخنوقًا قلت له طمنى عنك ياغالى يارب تكون بخير قال: إزاى أكون بخير ومصر مش بخير يابنتى؟ إزاى ولادها بيضيعوها إزاى يساعدوا في دمارها إزاى يخربوها بإيدهم ويصدقوا كلام عملاء ومدفوعين بيضيعوا البلد اللى ضحينا عشانها بأرواحنا دى مصر يابنتي دى مصر؟.  رديت: حضرتك علمتنى مهما الأمور كانت صعبة مفيش ضعف ولا يأس ولا مستحيل وفي يقينى إن البلد دى ربنا حافظها.. مش كده؟ رد بسرعة: آه والله ربنا حافظها يابنتى، آه والله هتعدى وهتقف تانى.. قلت له: أنا متأكدة مهما وصل الحال مطمنة قالي ربنا يحميكى أنتى واللى زيك يارب، قلتله ويباركلنا فيك يا أغلى الغاليين، قفلت المكالمة وأنا ببكى، وقلبي يعتصر من الألم، لكن في لحظة توقف البكاء وعادت نظرة التحدى والقوة وعاد اليقين يتملكنى، إن مصر في حفظ الله ليوم الدين.

ـ وأتذكر الفترة ما قبل ثورة 30 يونيو كنا على تواصل مستمر لتسارع الأحداث وخطورتها وكانت الجملة الرئيسية في حديثه خدوا بالكم على مصر ياولادى، مصر غالية إياكم تضيعوها، إحنا عملنا كتير قوى عشان متضيعش، خليكم إيد واحدة، اجمدوا وتحملوا، ربنا يحميكم، ربنا يحفظ مصر، ربنا يستر من الأيام الجاية دى، مصر يا ناس، مصر أمانة في رقبتكم.. وكان ردى في كل مرة واحد: هنعدى والله العظيم هنعدى، وهننقذها ولو حتى للموت هننقذها، وأرواحنا فداها وكلنا هنتحرك وننزل ولو فجرونا ولو وقفوا لنا بالسلاح هنرجع بلدنا من إيدهم مهما تطلب الأمر، وكان يختم كلامه ربنا يحميكم ويقدركم يارب.

 - وبعد نجاح ثورة 30 يونيو وعقب إذاعة بيان القوات المسلحة مباشرة  كلمته وانا أصرخ وأبكى من الفرحة، وقلت له مبروك يا غالي مبروك، فوجدته يبكى وهو يقول بصوت فرحان يختلط بالدموع الله أكبر، مبروك يابنتى مبروك الحمد لله، وظل يردد الحمد لله بصورة غريبة، جعلت بكائي يزداد من فرحته وعشقه للبلد، واقشعر بدنى وانهمرت دموعى وأنا أكرر كلماته الحمد لله ياغالي الحمد لله.

وكأن الله عز وجل أمد في عمره ليطمئن على مصر ولا يسلم روحه إلا وهو في سكينه وراحه.

وفي تاريخ 31 يناير 2022 سلم أمانته وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها وبرغم وجع الفراق إلا أنه قد فارق بجسده ولكنه غائبا حاضرا.

 تلك شهادتى عن أبرز المواقف  لكثرتها يصعب أن أحصرها جميعها عن المحبوب الغالي.

-ومن لا يعرف من هو (الريس زكريا) هو محمد عبد السلام المحجوب الذى حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1955.

تولى عدة مناصب منها، ملحق عسكري في عدد من السفارات المصرية لعدة دول، وتولى منصب نائب رئيس الأمن القومي ونائب مدير المخابرات، خلال الفترة بين 1992-1994، ومحافظًا للإسماعيلية خلال الفترة بين 1994- 1997، ومحافظًا للإسكندرية خلال الفترة بين  1997-2006، وعين وزيرًا للتنمية المحلية في 2006.

 كما كان يتولى منصب نائب مدير المخابرات العامة وقت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو من أصر على اصطحاب مبارك للسيارة المصفحة خلال رحلته.

وعمل على تخليص وتهريب العديد من أسر بعض المعارضين الليبيين، الذين كان يحتجزهم العقيد الليبى الراحل معمر القذافى كرهائن في طرابلس للضغط على معارضيه في القاهرة، بعد حكم الرئيس السادات، وذلك للعودة إلى ليبيا والتوقف عن مناهضة حكمه، وهي العملية التي ظلت محفورة في ذاكرة القذافي، حتى إنه طلب في إحدى زياراته لمصر بعد عدة سنوات، رؤية ضابط المخابرات الذي تمكن من تهريب أسر معارضيه، وكان وقتها المحجوب محافظًا للإسكندرية، وعندما قابله طلب منه أن يخبره عن الأسلوب المخابراتى الذي اتبعه لتخليص الرهائن وتهريبهم من ليبيا، لكنه ابتسم معتذرا عن عدم التحدث في هذا الموضوع.

وهو من قام بتحرير نائب سوري من سجن المزة وأعاده إلى مصر في عهد عبدالناصر ودرب الضباط الأحرار الذين أشعلوا الثورة في اليمن  هبط إلى أرض صنعاء يوم ثورتها عام ١٩٦٣ وبقى في قصرها الجمهوري، ولم يرى ابنته التى ولدت وهو يقوم بمهمته للوطن إلا بعد ولادتها بستة أشهر.

وهو الذي كان يلتقي برأفت الهجان في قلب تل أبيب ليشعره أن مصر معه في كل خطوة ومكان.

وهو الذي قام بعملية في البحر الميت من طرفه الأردني ومعه معدات لقطع جزء  في السور الشائك الذي شيدته إسرائيل ليتمكن الفدائيون من التسلل لأعمالهم الفدائية.

  وهو الذي أخرج ياسر عرفات من عمان إلى القاهرة في سبتمبر الأسود بأوامر من عبد الناصر.

وهو بطل خروج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خروج آمن من بيروت.

 وهو الذي اخترق سيناء سيرا على الأقدام ووصل إلى مفاعل ديدمونة وصوره من ثلاث جهات وعاد بالصور إلى القاهرة.

وهو الذي قام بالتجهيز لعملية تفجير الحفار وتسهيل كل شيء لمنفذي العملية وكان الحفار الذي اشترته إسرائيل من كندا لتضعه في قلب سيناء  في ساحل العاج والذي تم إنتاج فيلم (عماشه في الأدغال) كستار لمحاولة تنفيذ المهمة وسهولة التنقل ولم يتم التفجير وتنفيذ المهمة فعاد طاقم الفيلم وتم تنفيذها بطريقة أخري.

وهو الذي زرع معدات التنصت داخل سفارات إسرائيل في عواصم أوروبية.

وهو الذي كانت تهابه إسرائيل وكانت مستعدة لدفع أى ثمن مقابل اصطياده او كشف من وراء تلك العمليات لأنه كان سبب في تكبيدها خسائر فادحة

وهو المسؤول عن عملية تحرير رهائن السفينة (اكيلي لاورو).

وهو الضابط الذي زرع أشرف مروان في قلب الموساد الإسرائيلي.

وهو من أنهى حصار ليبيا وحل مشكلة لوكيربي.

وكان هو الضابط المسؤل عن البطل الشهير (جمعة الشوان) واسمه الحقيقي (احمد الهوان) وفي أحد اللقاءات، حكى أحمد الهوان عن دور الريس زكريا في عملية تجنيده فقال: عندما تركت السويس واتجهت إلى أثينا بحثًا عن عمل تقابلت مع الريس زكريا، وأخبرنى أنه من محافظة دمياط ويبحث عن عمل، وعندما ضاقت بى الدنيا بأثينا، عرضت عليه شراء ساعتى كى آكل بثمنها، وبعدها حاول الموساد الإسرائيلى اصطيادى للعمل لصالحهم، فتوجهت إلى المخابرات المصرية لأخبرهم بما حدث معى، وهناك قابلت هذا الرجل الذي قابلته في أثينا وفوجئت أنه ضابط بالمخابرات المصرية، وأعاد لى الساعة التي اشتراها منى بابتسامه، وأصبح الضابط المسئول عني، وكانت العملية تحديا كبيرا لجهاز المخابرات العامة المصرية في ذلك الوقت وكان الضابط المسئول عنى من الموساد هو(شيمون بيريز) ورغم ذلك كله نجحت في خداع الموساد في عقر داره، وتم تدريبى جيدا من اجتياز جهاز كشف الكذب، وحصلت المخابرات على أسرع وأصغر جهاز لاسلكى لايوجد منه وقتها سوى 4 أجهزة في العالم كله، وكان يستخدمه الموساد في المراسلة والمهمة مكنت المخابرات المصرية فيما بعد من ضبط وتفكيك العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية في مصر وبعض البلدان العربية، والتحدى الأكبر الذي واجه الريس زكريا فى العملية هى كيفية إدارة العملية من اليونان بعيدًا عن عيون عناصر الموساد، حيث كانت هناك محطة تجسس للمخابرات الإسرائيلية هناك.

وتحدث الريس زكريا نفسه عن نجاح المخابرات المصرية في عملية احمد الهوان ونتائجها قائلا إنها تسببت في إرباك جهاز الموساد لعدة سنوات، ودفعته إلى التخلص من العديد من عملائه المخلصين خشية أن يكون قد تم تجنيدهم لصالح المخابرات المصرية، كما أدى نجاح هذه العملية إلى تخلص الموساد من العديد من ضباطه وقادته أيضًا لفشلهم، وأرغمتهم على إعادة النظر في كل الأساليب والتقنيات التي كانت تستخدمها المخابرات الإسرائيلية خاصة في مجال الكشف عن الكذب.

إنه المحجوب الذي هابه الكثير من دول العالم وأجهزة مخابراتها.. إنه البطل المجهول في تاريخ مصر، الحاضر الغائب

ومصر دائما وأبدا لا تنسي أولادها، إنهم حفروا أسماءهم بأفعالهم وسوف تظل خالدة أبد الدهر. 

إن تلك الكلمات جاءت تخليدا وتوثيقا لذكري البطل المجهول المعلوم الذي أفنى حياته من أجل مصر الأسطورة الريس زكريا  أو اللواء المحبوب عبد السلام المحجوب 

إهداء إلى روحك الطاهرة-يا حبيبي يا أغلى الغاليين-أسكنك رب العالمين مع الشهداء والنبيين في عليين اللهم آمين.