تشهد صناعة الأدوية في مصر تقدمًا كبيرًا في إطار جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد وفي ظل توجيهات القيادة السياسية، أصبح توطين صناعة الأدوية جزءًا أساسيًا من استراتيجية تعزيز الأمن الدوائي الوطني، مع التركيز على تطوير البنية التحتية وزيادة عدد المصانع وخطوط الإنتاج وتبرز أهمية هذا التوجه في قدرته على توفير المستحضرات الدوائية محليًا، مما يسهم في تخفيف العبء المالي على الدولة ويعزز من مكانة مصر كدولة منتجة للدواء، وقادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي والإقليمي.
و أوضح الدكتور ياسر رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء، أن صناعة الأدوية في مصر شهدت نموًا ملحوظًا، حيث ارتفع عدد المصانع بنسبة 37% وزادت خطوط الإنتاج بنسبة 60%. وأكد أن القيادة السياسية تضع توطين صناعة الأدوية على رأس أولوياتها لدعم الأمن الدوائي الوطني.
وأشار رجائي، خلال تصريحات تليفزيونية، أن مصر تمكنت خلال النصف الأول من عام 2024 من إنتاج 24 مستحضرًا جديدًا لم يكن يتم تصنيعه محليًا من قبل، وهو ما أسهم في توفير 600 مليون دولار كانت تُنفق على الاستيراد، وشمل هذا الإنجاز 111 مادة فعالة تغطي 20 فئة علاجية.
وأضاف رجائي أن خطوط الإنتاج المحلية باتت تشمل جميع الأشكال الصيدلية التي يحتاجها السوق المصري، مؤكدًا على التزام الهيئة بتوفير كافة الأدوية عبر المصانع المحلية أو من خلال نقل التكنولوجيا بالشراكة مع شركات عالمية.
تأثير الأزمة الاقتصادية على الدواء
وفي هذا السياق يقول محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، تعد أزمة نقص الدواء في مصر من أخطر التحديات التي تواجه قطاع الصحة في البلاد، حيث تتسبب في تهديد مباشر لصحة المواطنين وتزيد من الأعباء على النظام الصحي وقد نشأت هذه الأزمة نتيجة للتداخل بين عوامل اقتصادية ومالية معقدة، كان أبرزها أزمة نقص الدولار وارتفاع سعره أمام الجنيه المصري، مما أثر بشكل مباشر على قدرة شركات الأدوية المحلية على تأمين المواد الخام اللازمة للإنتاج وتغطية الاحتياجات الطبية المتزايدة.
وأضاف فؤاد، أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، مع تضخم أسعار السلع والخدمات وارتفاع سعر صرف الدولار، أدت إلى زيادة تكلفة استيراد المواد الخام التي يعتمد عليها إنتاج الأدوية محليًا حيث تعتمد صناعة الدواء في مصر بشكل كبير على استيراد مواد فعالة وأساسية لا يمكن إنتاجها محليًا، مما يجعلها عُرضة للتأثر بأسعار الصرف ومع قلة الدولار في السوق المصري وارتفاع قيمته، ارتفعت تكلفة إنتاج الدواء، مما اضطر شركات الأدوية إلى خفض الإنتاج، أو حتى التوقف عن تصنيع بعض الأدوية الحيوية.
وتابع فؤاد، تحتل صناعة الدواء مكانة استراتيجية في الاقتصاد المصري نظرًا لحاجة المواطنين الملحة للأدوية، خاصةً مع ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجات مستمرة، حيث يعتمد الملايين من المواطنين على الأدوية لعلاج أمراض مثل الضغط والسكري وأمراض القلب، وهي أمراض تتطلب أدوية بجرعات محددة وفي مواعيد دقيقة، وأي تأخير في توفر هذه الأدوية قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بل وربما الوفاة في بعض الحالات.
تأثير الأزمة على المواطنين
وقال الدكتور محمد عز العرب، استشاري الباطنة بالمعهد القومي للكبد والأمراض المعدية، يواجه المواطنون أزمة نقص الدواء بشكل مباشر، حيث يجدون صعوبة في الحصول على الأدوية الضرورية، ما يضطر البعض منهم إلى البحث عن البدائل أو تخزين الأدوية خوفًا من انقطاعها، ولأن صحة المواطن المصري قد لا تحتمل الانتظار، فإن تأخير جرعة الدواء عن موعدها المحدد يهدد حياة المرضى ويجعل من الأزمة أمرًا ملحًا يحتاج إلى حلول جذرية وسريعة وللأسف، بات بعض المواطنين يعتمدون على شراء الأدوية من السوق السوداء، حيث ترتفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر المصرية.
دور الحكومة والإجراءات المطلوبة
وأضاف عز العرب، تسعى الحكومة المصرية إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة، حيث تعمل على توفير الدعم اللازم لشركات الأدوية وتحاول تسهيل عملية استيراد المواد الخام من الخارج، لكن الأمر يتطلب إجراءات أكثر فعالية واستدامة لضمان استقرار صناعة الدواء في مصر من بين الحلول المقترحة، توفير دعم حكومي لتأمين الدولار بأسعار ثابتة لشركات الأدوية، وكذلك دعم الصناعة المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات كما يمكن أن يساعد تشجيع الاستثمار في قطاع الأدوية على زيادة الإنتاج المحلي وتقليل النقص المستمر في الأدوية.
وتابع عز العرب، يجب أن يتم التعامل مع أزمة نقص الدواء في مصر بخطة استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير صناعة الدواء المحلية مثل دعم الصناعات الدوائية المحلية من خلال توفير حوافز لشركات الأدوية وتسهيل الحصول على تراخيص الإنتاج والاستيراد، إلى جانب تحسين سلاسل الإمداد عبر إيجاد بدائل محلية أو تنويع مصادر الاستيراد للحد من تأثير الأزمات الخارجية.