الإثنين 07 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

داعش والإخوان.. صراع على الإسلام أم على السلطة؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يكاد يمر يوم إلا ونجد الصراع بين فصائل تيار الإسلام السياسي وحركاته يأخذ منحى شديد التوتر والخطورة فكما نشاهد الصراع بين داعش والقاعدة في أفريقيا ظهر صراع جديد بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان.

ورغم كونه ليس صراعا جديدا لكنه يأخذ يوما بعد يوم مناحي شديدة الخطورة، وفي ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم الإسلامي، يتجلى صراع محتدم بين التيارات الإسلامية المختلفة حول تحديد مسار المستقبل.

الحركات الإسلامية الجهادية، وعلى رأسها تنظيم داعش، تعمد إلى استهداف الحركات الإسلامية التي تعمل بالسياسة مثل جماعة الإخوان، متهمة إياها بالانحراف عن "الطريق الصحيح" والتخلي عن مبادئ الجهاد لصالح تحالفات سياسية مشبوهة، هذا الهجوم ليس مجرد خلاف أيديولوجي، بل يمثل صراعًا أكبر على الشرعية الدينية والسياسية في العالم الإسلامي.


في هذا السياق، يسعى داعش إلى ترويج نفسه كحارس للإسلام الصحيح في مواجهة "المرتدين"، بينما تواصل جماعة الإخوان ولو ظاهريا تبني المسار السياسي.

هذا المقال سيتناول الدلالات العميقة وراء هذا الصراع، وكيف أن هذا الهجوم يعكس انقسامًا داخليًا بين الإسلاميين حول منهج التغيير في العالم الإسلامي.
وسوف نقوم بهذا مستندين إلى تحليل الخطاب الافتتاحي من جريدة "النبأ" التي تصدر عن تنظيم داعش، حيث نعمل على تفكيك بنيته الاستراتيجية والأسلوبية وفهم مكوناته اللغوية والأيديولوجية.
البنية السطحية والتحليل اللغوي
الافتتاحية مكتوبة بلغة قاسية، تتسم باستخدام مكثف للمفردات الدينية والسياسية، وتعتمد على أسلوب التحريض والشحن العاطفي. من بين الألفاظ المستخدمة "الكفرة"، "الفجرة"، "الرافضة"، "الخونة"، و"المرتدين"، وهي كلمات لها دلالات شديدة العدائية، تعبر عن استقطاب حاد.
كما تستخدم النصوص القرآنية لتبرير الأعمال والمواقف بشكل ضمني، مثل استخدام الآية "وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّ بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا"، ما يعزز منطق "التدافع" بين القوى الجاهلية في هذا السياق.
ويعتمد خطاب داعش بشكل واضح على الاستعارات الدينية لتأطير الصراع السياسي، كما يوظف مقتبسات من النصوص الدينية بطريقة تؤكد شرعية المواقف.
يظهر خطاب موجه بالأساس لجمهور يشارك التنظيم نفسه المعتقدات، ويعتمد على آلية "نحن مقابل هم" التي تخلق ثنائية الصديق والعدو، حيث "نحن" يمثلون "أهل السنة والمجاهدين"، و"هم" يمثلون "الكفار والرافضة واليهود".
البنية العميقة والاستراتيجية الأيديولوجية
كما يسعى خطاب داعش لشرعنة العنف ضد جماعات معينة مثل الشيعة والإخوان، ويعتبرهم أعداءً رغم وجود صراع أكبر مع اليهود. يحاول التنظيم هنا تقديم نفسه كـ"الحارس الحقيقي" للإسلام، ويصور أن الصراعات القائمة بين أعداء الإسلام هي "سنن إلهية" تساعد المسلمين على الاستفادة منها.
الهيكل الأيديولوجي الأساسي يقوم على فكرة "الولاء والبراء"، حيث يتم التأكيد على ضرورة الولاء للإسلام ومحاربة كل من لا يتبع المسار الذي يراه التنظيم صحيحًا.
ويتم تصوير الإخوان كخونة يتعاونون مع "الشيعة"، وهو خطاب يعزز المفهوم الهوياتي للتنظيم كحام للعقيدة الصحيحة ويشرعن كل أشكال العنف ضد الآخرين.
ويتبنى خطاب داعش موقفًا حازمًا ضد أي شكل من أشكال التعاون مع "الشيعة"، ويصف هذا التعاون بالخيانة والذلة.
كما يحاول التنظيم تقديم نفسه على أنه الخيار الوحيد للمسلمين، مستفيدًا من الفكر الثنائي الذي يعتبر أن كل طرف آخر متعاون مع أعداء الإسلام.
البنية التفسيرية
ويستند خطاب داعش إلى تأويل معين للنصوص الدينية، مثل استخدام الآية "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"، لخلق سردية دينية مبررة للعنف والصراع.
ويعتمد على استدعاء الشخصيات الإسلامية التاريخية مثل الفاروق عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي لربط الماضي بالحاضر، في محاولة لشرعنة العنف المستقبلي ضد الأعداء من خلال استحضار رموز البطولات الإسلامية.
استراتيجية الاستقطاب والهيمنة
تعتمد افتتاحية العدد الأخير لصحيفة النبأ التي يصدرها تنظيم داعش على الاستقطاب الشديد حيث تعمل على تقسيم العالم إلى "مسلمين حقيقيين" وأعداء للإسلام (اليهود، الرافضة، الإخوان).
هذه الاستراتيجية تهدف إلى حشد الدعم والتأييد من القاعدة الجماهيرية من خلال إثارة مشاعر العداء والاستعلاء الديني.
ويستفيد خطاب داعش من أسلوب التهديد والتحذير ضد الإخوان والشيعة، حيث يُصوَّرون كخطر قريب على المسلمين، ويؤكد أن هذا الصراع جزء من "مكر الله" الذي سيحقق في النهاية الانتصار للمجاهدين، محاولًا خلق تصور بأن التنظيم يقف على الجانب الصحيح من التاريخ الديني.
النقد البنيوي
من الناحية البنيوية، يمكن القول إن الخطاب يظهر مركزية متطرفة للفكر الداعشي. الخطاب يتجاهل التنوع الإسلامي ويطمس أي محاولات للتعددية أو التسامح بين الطوائف الإسلامية.
هذه المركزية الدينية المفرطة تؤدي إلى إقصاء واسع وشديد لأي جماعات أو تيارات لا تتفق مع الرؤية الداعشية، ما يعزز العنف كوسيلة أساسية لحل الخلافات، وهو ما يتناقض مع التنوع الواسع في التأويلات الإسلامية التقليدية التي تميز التاريخ الإسلامي.
الخاتمة والتحليل النقدي
الافتتاحية تتبنى خطابًا إقصائيًا وعنيفًا، يحاول من خلاله تنظيم داعش تسويق نفسه كحامي الإسلام الصحيح والوحيد، مستغلًا الدين والسياسة لتعزيز الصراعات الداخلية بين المسلمين والطوائف المختلفة.
كما يشير الخطاب إلى العنف ويوظف النصوص الدينية والتاريخ الإسلامي بطريقة تخدم مصالح التنظيم وتضعه في مركز "المقاومة" و"الجهاد"، لكن في الوقت نفسه، يغفل هذا الخطاب عن تعقيدات الصراع الإقليمي والسياسي، ويقدم رؤية سطحية تقوم على الانقسام والكراهية.
استراتيجية الخطاب تتركز على توظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، متجاهلة التأويلات المعتدلة أو العقلانية للدين، وتعزز مناخ الاستقطاب والعنف.
دلالات هجوم داعش على الإخوان 
الهجوم الذي شنه تنظيم داعش على جماعة الإخوان في افتتاحية جريدة النبأ يعكس عدة دلالات تتعلق بالصراع بين الحركات الإسلامية الجهادية والحركات الإسلامية التي تعمل بالسياسية، ويشير إلى عدة نقاط مهمة:
التمييز بين العدو الرئيسي والثانوي
يستخدم تنظيم داعش خطاب التكفير لوصف الإخوان بأنهم مرتدون وليسوا جزءًا من المجتمع الإسلامي. هذه الاستراتيجية تعزز الشرعية الذاتية لداعش وتقلل من شرعية الإخوان، وتصنّفهم كجزء من "العدو الداخلي"، وهو أسوأ من العدو الخارجي (اليهود أو الشيعة) في نظرهم.
استخدام خطاب الولاء والبراء
داعش يتهم الإخوان بانتهاك مبدأ "الولاء والبراء" في الإسلام، إذ يزعم أنهم تحالفوا مع إيران والشيعة وأصبحوا أدوات في يد العدو المشترك. هذه الرسالة تعزز فكرة أن الإخوان قد "خانوا" عقيدة التوحيد والولاء الكامل للإسلام، مما يبرر عند داعش استهدافهم والهجوم عليهم.
العداء السياسي والأيديولوجي
ينتقد تنظيم داعش الإخوان بسبب علاقاتهم مع إيران والنظام الشيعي، ويصورهم على أنهم تخلوا عن "المبادئ الإسلامية الصحيحة". داعش هنا يهاجم الإخوان من منظور أيديولوجي وسياسي، مستغلاً فكرة أن الصراع السني-الشيعي هو صراع وجودي بين الإسلام الصحيح (في نظرهم) والإسلام المنحرف.
تقديم نموذج الصراع الإسلامي الداخلي
داعش يعتبر أن الصراع بين الإخوان والشيعة، واليهود أيضًا، هو جزء من التدافع الطبيعي بين أعداء الإسلام، وبالتالي ينظرون إلى ضعف الإخوان كفرصة لتعزيز صفوف "المجاهدين". هذه الإشارة إلى "التدافع" تؤكد أن التنظيم يرى الإخوان والشيعة كجزء من معسكر واحد وهو "معسكر الباطل".
إعادة تأكيد دور داعش كممثل "للإسلام الصحيح"
في سياق الهجوم على الإخوان، يعزز داعش موقفه كمنظمة تدافع عن "الإسلام الحقيقي" ضد جميع الأعداء، سواء كانوا من المسلمين الذين يعتقد التنظيم أنهم منحرفون (الإخوان والشيعة)، أو من القوى الغربية واليهودية.
هذه الاستراتيجية تسعى إلى استقطاب أتباع جدد من خلال تصوير داعش كحركة "أنقى" من الحركات الإسلامية السياسية الأخرى.
إعادة إنتاج الانقسامات التاريخية
داعش يستدعي نماذج تاريخية مثل عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي كرموز للمقاومة ضد الشيعة واليهود، مما يعطي الصراع بعدًا تاريخيًا وأيديولوجيًا طويل الأمد. هذا الربط بين الحاضر والماضي يسعى إلى إضفاء شرعية تاريخية على موقفهم ضد الإخوان.
الهجوم كجزء من صراع السيطرة
يعكس هذا الهجوم تنافسًا بين الحركات الإسلامية على النفوذ والسلطة. الإخوان يسعون إلى التحول إلى قوى سياسية، بينما داعش يتمسك بنهج العنف والجهاد، مما يضع التنظيمين في صراع وجودي على من يمثل "الوجه الحقيقي" للإسلام في أعين الأتباع.
الإعلام كأداة للتأثير الأيديولوجي
افتتاحية جريدة النبأ تعكس استراتيجية إعلامية مدروسة تهدف إلى ترويج رؤية داعش الصارمة للإسلام، وتستخدم في الوقت نفسه كأداة لتحطيم سمعة الحركات الإسلامية المنافسة مثل الإخوان.
الصراع الجهادي ضد السياسة
داعش يرفض نهج الإخوان القائم على المشاركة السياسية والتفاوض مع القوى العلمانية، ويرى أن هذا المسار يتناقض مع الجهاد والنضال المسلح، مما يجعلهما في صراع على مستوى المنهج والأهداف.
الخلاصة
هجوم داعش على الإخوان في هذا السياق هو جزء من محاولة أوسع لإقصاء الحركات الإسلامية من ساحة التأثير الديني والسياسي، وتقديم داعش كالممثل الأوحد للإسلام "الصحيح".
يعتمد هذا الهجوم على خطاب تكفيري وإقصائي، يرفض التعاطي مع السياسة ويؤكد على العنف كوسيلة لتحقيق أهدافهم.
ويبرز الهجوم الذي شنه تنظيم داعش على جماعة الإخوان كجزء من صراع أكبر بين التيارات الجهادية والحركات الإسلامية السياسية، وهو صراع يعكس التنافس على الشرعية والقيادة في العالم الإسلامي.
في ظل هذا التوتر المتصاعد، يسعى كل طرف إلى تقديم نفسه الممثل الأوحد للإسلام، مستخدمًا خطابًا تكفيريًا وإقصائيًا، بهدف إقصاء الطرف الآخر.
هذا الصراع المستمر بين الجهاد المسلح والسياسة لا يقتصر على الجوانب الفكرية والأيدولوجية، بل يمتد ليؤثر على مستقبل الإسلام السياسي والعلاقة بين الدين والدولة في العالم الإسلامي.
وفي النهاية، يبدو أن هذا الصراع لن يحسم في القريب العاجل، حيث يستمر كل طرف في تعزيز مواقفه واستخدام أدواته للتأثير على الجماهير الإسلامية.