يقول الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ ينطلق التحليل من نصّ طقسي يُتلى في خميس العهد، ويتضمّن المقطع التالي:
“يا يهوذا يا مخالف الناموس، بالفضة بعت سيدك المسيح لليهود مخالفي الناموس… باراباس اللص المسجون أطلقوه، والسيد الديان صلبوه… وضعوك في قبر يا من أقام لعازر من القبر”.
ثانيًا: تحليل لاهوتي ولغوي
1. خيانة يهوذا والتعميم ضد “اليهود مخالفي الناموس”
في هذا المقطع، تتحوّل خيانة يهوذا من حدثٍ فرديّ إلى إدانة جماعية لليهود كأمة. هذا التعميم يتعارض مع تعليم الكنيسة الكاثوليكية التي رفضت في وثيقة Nostra Aetate (الفقرة ٤) تحميل الشعب اليهودي بأكمله مسؤولية صلب المسيح، مؤكّدة أن خطيئة يهوذا لا ينبغي أن تُسقط على أمّة كاملة، بل تُفهم في سياقها الفردي والإنساني.
2. باراباس والمسيح: قراءة قضائيّة بلا غفران
يشير المقطع إلى إطلاق باراباس وصلب المسيح، كما ورد في إنجيل متّى (27: 15–26)، لكن بطريقة تزرع الإدانة بدل الغفران. هذا التناول يتجاهل روح المغفرة التي نطق بها المسيح نفسه على الصليب: “يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون” (لوقا 23: 34).
ثالثًا: لماذا يُعدّ هذا النص مرفوضًا لاهوتيًّا اليوم؟
لأنه يُعمّم خطيئة فرديّة (يهوذا) على شعب كامل
يناقض رسالة الغفران التي تمثّل جوهر المسيحية
يخالف التعليم الرسمي للكنيسة، كما ورد في التعليم المسيحي الكاثوليكي (597–598): “الكنيسة لا تُحمّل اليهود آنذاك ولا اليوم مسؤولية موت يسوع.
يوكد البابا بندكتوس السادس عشر ذلك بقوله: “ليس الشعب اليهودي هو المسؤول عن صلب المسيح… بل خطيئة الجميع، وأنا أيضًا أتحمّلها.”
رابعًا: ضرورة مراجعة النصوص الطقسية
الكنيسة مدعوّة اليوم لمراجعة نصوصها الطقسية القديمة، ليس من منطلق الإلغاء، بل بهدف تنقيتها من كل تعبير قد يُستغل لتأجيج الكراهية. فمثل هذه النصوص قد تُستخدم لأهداف سياسية، كما فعل النظام النازي حين استثمر الكراهية الكامنة في بعض الخطابات المسيحية تجاه اليهود لتبرير جرائمه.
بين تراث الإيمان وخطابات الكراهية
إن النصوص الليتورجية، إن لم تُقرأ بنظرة نقديّة ولاهوتيّة، قد تتحوّل من وسائل للنعمة إلى أدوات لتغذية الانقسام والكراهية. دعوتنا اليوم أن نكون أمناء لصورة المسيح الغافرة، لا للموروثات التي تُشوّه تلك الصورة. لقد غفر المسيح حتى لصالبيه، فكيف نُصرّ نحن على إدانة جماعيّة لا تمتّ لروحه بصلة؟