حلت هذه الأيام الذكرى الأولى لطوفان الأقصى.. عام كامل أجهزت فيه إسرائيل على غزة وسوتها بالأرض فوق أجساد عشرات الآلاف من سكانها المدنيين، ومئات الآلاف غيرهم من الجرحى والمفقودين، ولم تعد تجدى دعوات إعادة تعميرها، بل باتت إعادة بنائها من جديد هى الحاجة الفعلية المطلوبة.. عام كامل، انتقلت فيه إسرائيل بدعم أمريكى وغربى غير مسبوق وغير مشروط، من غزة إلى الضفة الغربية، بعد أن شرًع الكنيست للمستوطنين حمل السلاح وقتل الفلسطينين بمجرد الاشتباه ومواصلة الاستيطان ومصادرة بيوت وأراضى فلسطينى الضفة..
عام كامل أعلنت خلاله إيران أن الحرب فى غزة باتت مسنودة بميليشياتها التى ترتبط ارتباطا عضويا وعقائديا بالحرس الثورى الإيرانى، بما أسمته وحدة الساحات والإسناد لدعم حماس فى غزة، من قبل حزب الله فى الجنوب اللبنانى، والحشد الشعبى فى شمال العراق وميليشيا نصر الله لجماعة الحوثى فى شمال اليمن والحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، بينما ساد إيران صمت القبور عقب سرقة إسرائيل لملفات سيادية من قلب أجهزتها واغتيال علمائها فى وضح نهار طهران واغتيال رئيس المكتب السياسى لحماس إسماعيل هنية وسط تحصينات الحرس الثورى الإيرانى أثناء الاحتفال بتنصيب الرئيس الإيرانى الجديد، وعقب مصرع الرئيس السابق إبراهيم رئيسى فى حادث غامض لتحطم طائراته الرئاسية.
لم تكن إسرائيل تفتقد الذرائع لإبقاء الحرب مشتعلة، لكنها تذرعت بالصواريخ الموجهة إليها من لبنان والعراق واليمن، لتنفيذ حلم نتنياهو بالقضاء على حزب الله وهدم بنيته التحتية. وقد تمكن الموساد الإسرائيلى خلال تسع سنوات من التجسس على أنشطة الحزب وملفاته السرية، من اغتيال قيادت الصف الأول منه، بمن فيهم قائده وأمينه العام الشيخ "حسن نصر الله" واخراج نحو ثلاثة ألاف من كوادر الحزب المدربة من الخدمة بتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكى. ولم تكن إسرائيل بقادرة على ذلك، بدون اختراقات تكنولولجية وبشرية غير مسبوقة لصفوفه. ولايزال مصير خليفة نصر الله فى زعامة الحزب هاشم نصر الله غير معلوم حتى هذه اللحظة.
المخطط الذى يقوده نتنياهو الآن هو إشعال حرب إقليمية عنوانها جر إيران إليها، واخراج الحرس الثورى بتمدداته من معادلة الصراع فى المنطقة لإعادة بناء تحالفات جديدة فى الشرق الأوسط. وجاء خطابه الموجه للشعب الإيرانى فى أعقاب الهجوم الصاروخى الإيرانى المحدود على المدن الإسرائيلية، الذى كانت واشنطن تعلم بتفاصيل حدوده وأوقات حدوثه، ليعلن فيه أن سقوط النظام الإيرانى بات مجرد مسألة وقت. وهو يسعى لإشراك الجانب الأمريكى - الذى لم يعلن رفضه او قبوله - فى شن تلك الحرب التى تحقق له أكثر من هدف.. فهو من ناحية ينقل أزمته الداخلية والانقسامات الحادة فى حكومته ومجتمعه إلى الخارج، ويغطى على فشله فى إعادة المستوطنين إلى الشمال واستعادة الأسرى المخطوفين لدى حماس، ويشوش من ناحية أخرى على الصراع الحقيقى فى المنطقة، بين الشعب الفلسطينى وحركة التحرر الوطنى الفلسطينية، وبين الاحتلال الإسرائيلى والحركة الصهيونية العنصرية والفاشية فى إسرائيل وفى خارجها، بتصدير الخطر الإيرانى إلى مشهد الصراع فى المنطقة.
فى خطابه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلن الرئيس الإيرانى "مسعود بزشكيان" أن بلاده لا تريد الحرب مع إسرائيل، وهو إعلان يتماشى مع التوجه الذى ترمى إليه السياسة الإيرانية الساعية إلى عودة التفاوض بشان ملفها النووى مع الغرب، ورفع العقوبات الأمريكية والغربية عنها، التى أضرت بوضعها الاقتصادى، وزادت من حدة التناقضات الاجتماعية الداخلية واتساع الاضطربات السياسية بها. بزشكيان يدعو إلى التهدئة فى الأمم المتحدة، بينما وزير خارجيته فى بيروت يقول عكس ذلك. فالميليشيات الشيعية فى المنطقة، مطالبة إيرانيا بمواصلة القتال للضغط من أجل تحقيق تلك المصالح المباشرة، بصرف النظر عن الخلل الفادح فى موازين القوى بين مليشيات الإسناد والجيش الإسرائيلى. يقول عباس عراقجى وزير الخارجية الإيرانى أثناء زيارته لبيروت، أن طهران تدعم وقف إطلاق النار فى لبنان بشرط أن يدعمه حزب الله، وأن يتزامن مع وقف العدوان على غزة، وكأن لحزب الله، لاسيما بعد رحيل قيادته التاريخية، قرارا مستقلا عن القرار الإيرانى.
لم تخدم مظلة "وحدات الساحات" الإيرانية القضية الفلسطينية فى شىء. وآن الأوان لمبادرة فلسطينية تنهى بها حماس دويلة انقسامها عن السلطة الوطنية فى الضفة الغربية، وتعلن مع كل فصائل المقاومة الفلسطينية وحدتها تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح المنظمة -كما كانت – المتحدث الرسمى والوحيد باسم الشعب الفلسطينى، لمساندته على الأقل فى إفشال مخطط إسرائيل فى تهجيره.
مبادرة فلسطينية تتضمن مشروعا ذى نقاط محددة لليوم التالى لإنهاء الحرب، تنطوى على مشتركات وطنية يقبل بها الجميع تحدد، عددا من الأهداف المرحلية لإدارة الصراع مع المحتل وأساليب نضال متفقا عليها من أجل تحقيقها، وتنتقل منها إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تحظى بالشفافية والنزاهة والمصداقية الدولية، لبدء التفاوض بمساندة من الأطراف الدولية الداعمة لقيام الدولة الفلسطينية مع المنظمات الدولية المختصة، حتى لا يطوى نتنياهو القضيةالفلسطينية فى غياهب النسيان، بإشعال حرب إقليمية مع إيران، ورفضه لوقف عدوانه فى الأراضى الفلسطينية ولبنان.. فلا تزيدوا أرباح نتنياهو، بابقاء الحال على ماهو عليه!.
آراء حرة
عام من الطوفان
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق