- الكاتب أحمد حلمى فى حواره لـ«البوابة»
- «من أحوال المحبين» نتاج أربع مجموعات قصصية كتبتها على مدار ست سنوات
- الحركة النقدية تعانى بطء مواكبة الكتابات الجديدة
- المسابقات الأدبية ضرورة مهمة لتنشيط الفعل الثقافى بشقيه الإبداعى والاقتصادى
- حالة السيولة العالمية أدت إلى تراجع دور الثقافة
- التجربة الإبداعية عملية ذاتية تبدأ بالقراءة والمناقشة والتطور
- ممارسة الفعل الثقافى تثرى مسيرة المبدع
الاهتمام بالجانب النظرى فى النقد الأدبى أدى إلى تكريس ما هو مكرس ومستقر بالفعل
- هناك نقاد أكاديميون وغير أكاديميين يمثلون إضاءات على طريق الحركة النقدية
- أصعب ما فى الكتابة هو التخلى عن الذات
- الدراسة الأكاديمية ساهمت فى تأسيس معرفى نظرى وإبداعى رغم صعوبتها
- جائزة القلم الذهبى حظيت بهجوم غير مسبق
في حوار جديد مع الأصوات الأدبية الشابة تجريه جريدة «البوابة»، والتي بدأت في الظهور في الوسط الثقافي بصوت أدبي جديد ومتفرد، هو الكاتب والمترجم أحمد حلمى فمنذ أن ظهرت مجموعته القصصية الأولى في عام 2020 «من أحوال المحبين» والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة كتابات جديدة، وبعدها حصوله على عدة جوائز أدبية، ومنها المركز الأول في مسابقة سوريا الدولية للقصة القصيرة.
تحدث «حلمي» حول تجربته الإبداعية وعلاقته بالكتابة وعن الوضع الثقافي الراهن والجوائز الأدبية والحركة النقدية وعن إشكاليات الشباب؛ وإلى نص الحوار.
**حدثنا عن التجربة الإبداعية وكيف بدأت علاقتك بالكتابة؟
بالمصادفة تبلغ تجربتي الإبداعية عامها العاشر هذا العام، وأقصد بـ«بتحربتي الإبداعية» التعامل مع الفعل الثقافي بجدية، عملية ووجودية، قبل هذه السنوات العشر كنت أمارس الكتابة والقراءة كهواية هامشية في حياتي، ولا أضع تعريف كاتب أو مثقف في حسباني، خلال هذه العشرية تحول هذا التعريف ليحتل الصدارة بشكل شخصي كأساس.
وباختصار بدأتُ التجربة بالقصة القصيرة والترجمة التقنية وريادة الأعمال، بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة الإبداعية التي نتوهم فيها أن ما نكتب كان شعرًا، مرحلة القصة القصيرة والترجمة التقنية الأولية مارستها من خلال مدونات شخصية، وعمقتها وطورت أدواتي من خلال عدة ورش للكتابة الإبداعية على مدار عامين، خلالهما تعرفت على مختبر السرديات، الذي دخلته قاصًا مبتدئًا وتأسست فيه كمبدع ثم ناقد، بداية من عام 2016، لأتعرف بعدها على جروب «المناقشة» وأصبحت خلال وقت قليل أحد أفراد المجموعة المسئول، ليس فقط عن القراءة والنقد، لكن عن تنظيم الندوات ووضع البرنامج، يستمر الوضع على هذا الحال من خلال الكتابة القصصية والروائية والنقدية والمشاركة في الندوات حضورا ونقدا وتنظيما حتى صدور المجموعة القصصية الأولى «من أحوال المحبين» في 2020، التي كانت نتاج فك وتركيب وإعادة كتابة لأربع مجموعات تمت كتابتها على مدار السنوات الست السابقة. هذا الملخص يعتبر ملخصا عمليا لمراحل فارقة في مسيرة أدبية أنتجت فيها كتابا كاملا، وعشرات المقالات النقدية، وعشرات المسودات والمشاريع الأدبية، وجائزتين واحدة محلية وأخرى دولية، لكن التجربة الإبداعية نفسها هي عملية ذاتية، تبدأ من القراءة والتطور المناقشات. وممارسة الفعل الثقافي بشكل عام هي ما تصنع تجربة إبداعية ثرية، طبعا مع الدعم الذي يتلقاه صاحب التجربة من أشخاص فاعلين بشكل حقيقي في الحياة الثقافية، سواء بشكل قصدي أو غير قصدي، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: منير عتيبة، محمد علي إبراهيم، هالة البدري، مصطفى سليمان، عبد المنعم رمضان، سيد الوكيل، أسامة ريان، وآخرين كثر، هذا بجانب الدعم غير المنقطع غير المشروط من قائمة طويلة من جيلي الإبداعي الذين لا يتسع المجال لذكرها.
**كيف ترى الحركة النقدية الأدبية في الوقت الراهن، وهل تعتبرها قادرة على مواكبة الكتابات الإبداعية الجديدة؟
في الحقيقة الحركة النقدية بشكل مختصر تعاني من عدة جوانب، أهمها تراجع التنظير للجديد أو التجريبي، والاهتمام بالتطبيق النظري والتكريس لما هو مكرس ومستقر بالفعل، هذه المشكلة ظاهرة على السطح، لكن لها روافد محلية وعالمية وخارجية «من خارج حقل الأدب نفسه» وداخلية عدة، على سبيل المثال حالة السيولة العالمية- بتعبير وتعريف زيجمونت باومان- التي يعيشها الوعي العام الجمعي العالمي، أدت لتراجع دور الثقافة بشكل عام عالمي كمؤثر حقيقي في دفع حركة المجتمع على مستوى العالم أجمع، أيضا مشكلات صناعة النشر، وهنا أتكلم من وجهة نظر اقتصادية، فالنشر العربي يعاني من مشكلات إدارية واقتصادية كارثية، يقع ضحاياها الناشرون أنفسهم بحساب تكلفة الفرص الضائعة، كذلك سطوة السوشيال ميديا- وهو أحد نتائج عملية السيولة- هذه السطوة تخضع لها جماعة المثقفين- مبدعين ونقادا وصناعا- مما يصنع حالة من الخفة وعدم الجدية في التعامل مع الإبداع والثقافة، بجانب- وهو الأهم والأخطر- حالة التيه الناتجة عن كثافة الإنتاج وزخم الترويج المفتعل، ومجانية الألقاب، وغيرها من الممارسات تضع النقد في مأزق من خارجه تزيد عليه أحمالا إضافية فوق مشكلاته الداخلية، والتي أبرزها ضعف الثقافة خاصة العلمية- للعلوم التطبيقية- لدى كل أطراف العملية الإبداعية، بجانب اعتماد عدد مهول من النقاد على القراءة بلغة واحدة فقط، والاعتماد على المترجم إلى العربية، في ظل معاناة حركة الترجمة ذاتها من كل الأزمات والمشكلات سابقة الذكر، يمكن اعتبار ما سبق تطويفا سريعا على بعض مشكلات أو أزمات الحركة النقدية المسكوت عنها، أو بمنظور حاولات أن يكون مغايرا بعض الشيء.لكن قبل أن أختم كلامي لا يسعني تقديم كل الشكر والإجلال لكل المحاولات الفردية والمشروعات النقدية لعدد غير قليل من الأساتذة الأكابر من نقاد أكاديميين وغير أكاديميين، يمثلون إضاءات على الطريق، وأمل في مقبل الأيام، بوجود تيارات نقدية، ومدارس فكرية، ونظريات أدبية عربية في الشعر والسرد والثقافة.
على الرغم من تحققك ككاتب لماذا حرصت على متابعة الدراسة الأكاديمية في النقد الأدبي والفني.
< كيف كان تأثير الدراسة عليك وعلى نتاجك الأدبي والنقدي؟
في الحقيقة ما زلت في بداية مشواري مع الدراسة الأكاديمية المتخصصة في الفن، لكن أهم استفادة تحققت لي من الدراسة الأكاديمية هي ضبط المصطلح العلمي والنقدي والأدبي والمسرحي، توازيها متعة واستفادة عملية الغوص أسس الفنون بشكل عام والفن المسرحي بشكل خاص، والتعرض- وإن كان بشكل سريع أو بانورامي- للكلاسيكيات بداية من الأساطير وصولا لكلاسيكيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
تجربة الدراسة الأكاديمية باختصار أضافت لدي اتساعا في الرؤية الإبداعية مع تعميق وتأسيس معرفي نظري وإبداعي، ورغم صعوبتها بسبب مزاحمة ضغوطات الحياة الأخرى إلا أن متعتها الذاتية تمثل في حد ذاتها دافعا لاستكمالها.
المسابقات الأدبية
** كيف ترى المسابقات الأدبية في الوقت الراهن .. وكيف ترى الهجوم على جائزة القلم الذهبي التي أطلقها تركي ٱل شيخ ولماذا هاجمها بعض المثقفين؟
المسابقات الأدبية أحد أهم أعمدة الحياة الثقافية، وضرورة مهمة لتنشيط الفعل الثقافي بشقيه الإبداعي والاقتصادي، وفوائدها تعود على كل أطراف العملية الإبداعية من مبدع وناشر وقارئ، فما تقدمه من إبراز للمنتج الثقافي «الكتاب» يقدم كاتبا مضمون الجودة للقراء، مما يعني رواجا لمنتج الناشر، وتقديرا ماديا ومعنويا للمبدع. التعامل الخاطئ مع الجوائز من الجميع، بداية من الجهة المانحة مرورا بلجان التحكيم الموقرة والناشرين، وصولا للمبدع، هو ما يصنع كثيرا من اللغط والصراعات بلا طائل. فالجوائز مع تقديم وافتراض الحيادية والنزاهة الكاملة في جميع أطرافها لن تكون موضوعية بشكل كامل، فهي تخضع في النهاية لذائقة وثقافة المانحين والمحكمين، وعلى الجهة المقابلة تخضع لقوة أو ضعف ما يقدم لها من إبداع، فبالتبعية لن تكون نتائجها مرضية للعديد من الأطراف.
ولنأخذ على سبيل المثال أحدث الجوائز ظهورا على الساحة الأدبية، وهي جائزة القلم الذهبي، حظيت هذه الجائزة بهجوم غير مسبوق، وصل في بعض الحالات للتنمر الصريح على الجائزة ومانحها ولجان تحكيمها، مع أنها في رأيي الشخصي من أكثر الجوائز الأدبية العربية وضوحا وشفافية، بداية من بيان تأسيسها والإعلان عنها، فهي بكل بساطة جائزة للأعمال الأدبية الأكثر مبيعا، بهدف تحويلها لأعمال سينمائية تجارية.
البيان واضح للغاية، ويُحترم لوضوحه ودقته في تحديد فئته المستهدفة، وبناء عليه أدركت موقعي من الجائزة وأعلنت موقفي منها، فما أكتبه خارج نطاق استهداف الجائزة، فهي خارج نطاق اهتمامي، مع تمنياتي بالتوفيق والنجاح للمشاركين فيها.
المشكلة هنا في التلقي من قبل جماعة المثقفين والمبدعين، وهذا يحيلنا إلى صراع آخر بين أصحاب الأدب النخبوي «بشقيه الحقيقي والمدعي» وأرباب الأدب التجاري. وهذا أمر شرحه يطول.
- أصعب ما في الكتابة، لماذا تكتب؟
أصعب ما في الكتابة هو أمتع ما فيها، أصعب ما في الكتابة التخلي عن الذات والعالم؛ للوصول للذات وصناعة عالم أفضل، فالكتابة بالنسبة لي فعل وممارسة وجودية، أكتب طوال الوقت في رأسي، وأعيد كتابة العالم وتشكيله كل ليلة ونهار، أنسى 99% مما أكتبه في هذه الحالة، لكن يعود منه الحقيقي الجيد لحظة التوليد والخلق فوق الورق، بداية كنت أكتب لأن الكتابة كانت أفضل ما أجيد، ومع مرور السنوات اكتشفت أني أكتب لأتجاوز هزائمي، أكتب من أجل البقاء.
ماذا عن كتابة الألوان الأدبية المختلفة؟
أؤمن بوحدة الفنون، كما أؤمن بالنص، وأرى أن القصة والقصيدة والرواية … نص، واللوحة التشكيلية نص، والعرض المسرحي والفيلم السينمائي نص، كل هذه النصوص تتقاطع وتتبادل المعطيات والعوامل الإبداعية والأدوات لصناعة فن ممتع ومبدع.
كما أؤمن بأن الفكرة تفرض قالبها كما تفرض لغتها وأدواتها الإبداعية، والمبدع الحقيقي لا يستطيع أن يقهر فكرته ويحشرها في قالب غير قالبها.
لذا أكتب الرواية والقصة والقصيدة والمقال النقدي- بما يمثله من إبداع مواز- وأعمل حاليا على أول سيناريو لفيلم روائي قصير، وأعتقد أن تعاملي كتابة مع المزيد من الألوان الأدبية والفنية الأخرى مسألة وقت.
الكاتب في سطور
أحمد حلمي هو كاتب حر وقاص وناقد أدبي ومترجم ، حاصل على بكالوريوس علوم حاسب - كلية الحاسبات والمعلومات - جامعة الزقازيق 2011، ودبلوم عام الدراما والنقد المسرحي - كلية الآداب - جامعة عين شمس «2023 - 2024»
شارك في عدة فعاليات ثقافية وأدبية ومنها المشاركة كناقد أدبي في مختبر السرديات «2016- 2020»، والمركز الدولي للكتاب ( 2016 - 2024)، و معرض القاهرة الدولي للكتاب «2017 - 2024»، مؤتمر مصر المبدعة (2018)، «2020»، نادي أدب المعادي (2019)، ورشة الزيتون الأدبية (2019 - 2024)، أتيليه القاهرة «2019 - 2024» معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب «2024»
صدر له «الفتيات لا تحب فصل الربيع»- مجموعة قصصية مشتركة - دار ضاد للنشر والتوزيع، 2016 و«من أحوال المحبين»- قصص- الهيئة العامة للكتاب - 2020، وكتاب «مصر المبدعة»- مشترك- سلسلة الأبحاث الكاملة للمؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة 2021.